كيف تنجح في تجاوز محن الحياة: دروس مستخلَصة من 5 قصص حقيقية

6 دقائق
تجاوز محن الحياة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: بين تحقيق النجاح والتعرض إلى السجن أو الرفض أو المرض أو فقدان عزيز، فيما يلي، يحكي لنا 5 أشخاص أحداثاً مروا بها غيّرت حياة كلٍ منهم وأولوياته ورغباته بين ليلة وضحاها ويحكون كيف نجحوا في تجاوز محن الحياة.

ما الحدث الذي واجهته وغيّر حياتك إلى الأبد؟ قد تبدو إجابة هذا السؤال هينة؛ لكن الأشخاص الذين تواصلنا معهم، معظمهم، لم يتمكنوا من العثور عليها، فلكي يكتشف الإنسان ما الذي غيرّه، عليه أن يتأمل ذاته ويتذكر كيف كان من قبل، وليس من السهل تقبُّل ذلك لأنه يُظهر جانباً من نفسه قد لا يرغب في رؤيته،

ناهيك بأنه يُظهر قبل كل شيء جانباً حميمياً وحساساً جداً من نفسه، ومراحلَ من رحلته الداخلية التي لا يكشف عنها إلا بحذر، وفقط لأولئك الذين يصغون إليه باهتمام؛ ما يمكن أن يساعده على المضي قدماً.

عدّاءة انسحبت من المنافسات الأولمبية

تقول ماري جوزيه بيريك: كانت أول مرة يطرأ فيها تغيير ما على حياتي في عام 1984؛ إذ كنت أبلغ من العمر 15 أو 16 عاماً، وقد انتقلت حديثاً إلى مدينة باريس، وحينها أدركت لأول مرة معنى أن أكون ذات بشرة سمراء، فحينما تكون من الأقليات ستواجه الكثير من المشكلات. ربما لن تدرك الموقف لكنه في الحقيقة عبارة عن كفاح يومي؛ لذلك قلت لنفسي إنه لا بد لي من فعل شيء، وأعتقد أن إصراري على الانتصار جاء من هنا. ثمة صورة نمطية في الأذهان عن ذوي البشرة السمراء وهي أنهم يتسمون بالكسل واللامبالاة، وقد أردت أن أغيّرها؛ ولذلك كان عليّ أن أُظهر للناس أننا لسنا كسولين وأن بإمكاننا تحقيق أهداف مهمة. لم يعرف أحد سبب قوتي الكبيرة ومصدرها، والحقيقة أنه كان إصراري على أن أُظهر للمجتمع أننا موجودون. لقد وضعت هذا الهدف نُصب عينَيّ ولم أنوِ التوقف قبل تحقيقه، وبعد أن ربحت في ألعاب الأولمبياد، لم يَعُد الناس ينظرون إليّ من خلال لوني؛ لكن الرفض عاد ليلاحقني حينما شاركت في أولمبياد سيدني.

كانت الألعاب الأولمبية بمدينة سيدني في عام 2000، الحدثَ الثاني الذي غيّر كل شيء في حياتي؛ إذ ذهبت إليها لأشارك في سباق الـ 400 متر لكن الأمر تحوّل إلى كابوس. ركّز الإعلام في المسابقات جميعها على كاثي فريمان (Cathy Freeman)، العدّاءة الأسترالية التي أصبحت فجأة شخصية رمزية للسكان الأصليين؛ والتي كانت تنتظرني مواجهة معها لكن الرهانات السياسية عليها كانت كبيرة للغاية. لقد وجدت نفسي في بيئة معادية تماماً وكان الجميع راغباً في خسارتي؛ وكأنني صرت عدوة لبلد بأكمله! لم يكن بيدي ما يمكنني فعله في هذه الحرب، ولم أكن لأخاطر بحياتي من أجل الرياضة، فقد كان هؤلاء الناس يخوضون معركة لا علاقة لي بها.

لذلك؛ فقد انسحبت من المنافسة وهاجمتني الصحافة الأسترالية بشدة، ولم تكن لديّ مشكلة في ذلك فأنا لم أتوقع أي شيء إيجابي من أستراليا أو الأستراليين؛ لكن ما صدمني هو رد فعل الصحافة الفرنسية التي لم تتركني وشأني بل هاجمتني بشدة وظلمتني بدورها، فاتضح لي الأمر إذ كنت لا أمثل أكثر من أداة لتحقيق الانتصارات بالنسبة إلى فرنسا، وقد وضعني ذلك تحت ضغط لا يُحتمل. قال الصحفيون كلاماً فارغاً وأغفلوا معلومات مهمة جداً واختلقوا الأكاذيب، وقد نسيت ذلك كله الآن فأنا لن أسبح ضد التيار وأضيع وقتي في تبرير نفسي، وأقول دائماً إنهم لم يكونوا ليعاملوني بذلك السوء لو لم أكن ذات بشرة سمراء.

كان الأمر مريعاً، هل يوجد أذىً أشد من الأذى الذي تعرضتُ له؟ لا أعلم. نصحني الجميع بأن أحصل على مساعدة نفسية لكنني أردت أن أساعد نفسي بنفسي، فنحن ذوو البشرة السمراء مستعدون دائماً لمواجهة المحن، ولم أكن بحاجة إلى مختص نفسي بل إلى منح حزني الوقت اللازم. كان الصحفيون يوجهون اتهاماتهم إليّ يومياً، لقد لحقوني إلى شيكاغو وميامي لكنني كنت أحاول أن أعيش حياتي ولم أرغب في التحدث إليهم. أخذت وقتي، فقد كان ذلك من حقي، وكنت متأكدة من أنني سأخرج من كآبتي وأستمر ما دمت حية؛ هكذا هي الحياة، وفي النهاية، استعدت رباطة جأشي مستعينة بأحبائي الذين لطالما وقفوا إلى جانبي في السراء والضراء.

حدث ثالث أكبر تغير في حياتي؛ إذ اعتزلت الرياضة، حتى أنني توقفت تماماً عن ممارسة الجري. حينما يكون المرء رياضياً رفيع المستوى، فلا بد أن ينصب تركيزه على ذاته، فلسنوات كنت أنقل توتري بسبب سعيي نحو أهدافي إلى مَن حولي، وقبل كل شيء كنت أعيش فقط من أجل مسيرتي الرياضية، وبعد أن انتهى هذا كله فتحت لي الحياة أبوبها؛ إذ شعرت وكأنني فراشة تبحث عن الرحيق في كل مكان، ويُسعدني أنه أصبح لدي الوقت لرؤية الناس الذين أحبهم وإسعادهم بالأشياء البسيطة التي أقدمها لهم.

لديّ رغبة شديدة ما زالت لا تفارقني في تغيير نظرة العالم إلى ذوي البشرة السمراء، وهو الهدف ذاته دائماً لكنني أستخدم أدوات مختلفة في سعيي إليه. وكذلك، أتمنى أن يصبح لدي طفل قريباً لكن هذه مسألة خاصة لا تعني الصحفيين!

رجل أعمال دخل السجن وحاول الانتحار

في 21 ديسمبر/ كانون الأول 1996، تغيرت كلياً. كنت حينها في السجن وعلمتُ أنني لن أخرج في عيد الميلاد، وأن حقوقي الأسرية سُلبت مني، وفجأة أدركت الوحدة التي أعيشها، وأدركت أن أحداً من أصدقائي المقربين لن يحرك ساكناً لمساعدتي. كانت حياتي تنهار، وكل جانب من جوانبها يمثل كارثة، ولم أتمكن من أن أحب أي أحد كما أنني لم أكن أباً صالحاً لأنني كنت أنتظر من بناتي أن يسرن على نهجي. كنت شخصاً متعطشاً للإنجاز والسلطة والنفوذ؛ لذا فعلت أموراً غير قانونية وقبلتها وحتى أنني وجدت تسميات لها.

في ذلك اليوم حاولت الانتحار، لم أكن قد أدركت بعد أن القُضاة الذين سجنوني هم مَن أنقذوا حياتي في الحقيقة حينما أخرجوني من الضلال الذي كنت فيه والذي كان سيودي بي إلى الفشل. استعدت الآن حياتي الطبيعية، أعمل وأسدد ديوني، يظن الكثيرون أنني جننت لكنهم مخطئون، فأنا بدأت استعادة نفسي أخيراً، وأكافح كل يوم لأمنع ذاك الشخص الطالح الذي كنت عليه من العودة إلى الحياة مجدداً. اكتشفت أن لدى الإنسان قدرات استثنائية، فقد كنت أظن فيما مضى أن أعمالي غير القانونية هي نوع من الذكاء والسيطرة؛ أما الآن فأنا أحاول أن أكون إنساناً، وقد لا يكون الأمر هيناً لكنه يستحق العناء.

بيير بوتون (Pierre Botton): رجل الأعمال وصهر رئيس بلدية ليون السابق، ميشيل نوار (Michel Noir)، ومدير حملته، أُدين في عام 1996 بتهمة "إساءة استخدام أصول الشركة"، وهو مؤلف مشارك مع جوليا نوار (Julia Noir) لكتاب "أنا أحب الحياة" (J’aime la vie).

ناشر كاد أن يفقد حياته نتيجة خطأ طبي

دخلت عالم النشر بطموح هائل، فعشت حياة فاخرة للغاية وكنت أتقاضى راتباً كبيراً وأذهب إلى حفلات الفنانين المشهورين التي قابلت في إحداها فيليب وصرنا أصدقاء.

بعد فترة، أُصيب فيليب بالسرطان وقد رافقته خلال رحلة علاجه بدءاً من دخوله المستشفى وحتى وصوله إلى العلاج الكيميائي، وبعد وفاته تابعت زيارة وحدة الرعاية التلطيفية (المخففة للآلام) لأرافق المرضى الآخرين. في العمل، لم تعد الأمور تسير على ما يرام؛ إذ أصبحَت الكتب منتجات تجارية وكذلك عمل الموظفين أيضاً، ولم أعد أحتمل هذا الوضع أو أنسجم معه فطُردتُ من العمل، ثم استغرقني الأمر بضعة أشهر لأدرك أن حياتي الحقيقية هي أن أصبح كاهناً.

قبل شهر من ترسيمي، دخلت إلى المستشفى لأُجري فحص تنظير القولون لكنّ خطأ ما حدث في أثناء ذلك وأخبرني الطبيب إنه كان يمكن أن يودي بحياتي. حينما استيقظت حياً في اليوم التالي، تغيرتُ كلياً؛ إذ فهمت مدى محدودية قدرتي ومنذ ذلك الحين وجدتُ مكاني في الكنيسة، فصرت أتقبل الناس جميعهم دون أن أحكم عليهم، وأكتب الكتب لأحكي ما لديّ، وأنا بصدد دراسة علم النفس لأتمكن من فهم الإنسان؛ لأنني تعلمت أن النية الحسنة وحدها لا تكفي بل يجب أن تقترن بالعمل.

باتريس جورييه: مؤلف كتاب "اخترت أن أكون كاهناً، رؤية جديدة للعالم" (I chose to be a priest, another view of the world).

مغنية تحكي عن الكواليس المملة للشهرة

تقول المغنية ديام: لم يتغير شيء وتغير كل شيء في الوقت ذاته. لا أعتقد أن النجاح غيّرني لكنه سلّط الضوء عليّ، لقد أصبح شغفي بكتابة الأغاني أشبه بالإدمان فطموحي هائل، ويجب أن يكون ألبومي القادم أنجح من الأخير، وكل حفلة موسيقية أفضل من سابقتها، وتحولت حياتي إلى حالة صخب قوي يصيبني الابتعاد عنه بالملل.

حينما أجد نفسي وحدي في المنزل، في صمت، بعد حفلة موسيقية، أشعر بالفراغ، ولم أكن لأتصور أبداً أن الناس يمكن أن يحبوا موسيقاي إلى هذه الدرجة؛ ولذلك فإن فقدان هذا الحب اليوم سيدمرني. أعتقد أنني صرت أكثر صبراً في تعاملي مع الآخرين، فسابقاً كنت أدخل في مواجهة مع الآخر أما الآن فأنا أناقشه، وما يزال في داخلي غضب لكن طريقتي في التعبير عنه اختلفت؛ لأن تبسُّم الحياة لي لا يعني أنها أقل قسوة، فكلما كان الضوء مشرقاً، صارت الزوايا المعتمة أوضح.

ممثلة توفيت ابنتها بالسرطان

تقول ستيفاني فوغين: انتهت حياتي في اليوم الذي توفيت فيه ابنتي لوريت بسرطان الدم وهي في سنّ الـ 23. يعتقد الإنسان أنه بمنأى عن الأذى ويعيش حياة سعيدة إلى أن تحل الكارثة، فالمحن جزء لا يتجزأ من الحياة وقد تأخذ منا أحباءنا. لقد تغيرتُ كلياً وكذلك علاقاتي بمَن حولي دون أن أدرك ذلك؛ إذ حذفت من حياتي كل ما يمكن أن يؤذيني ولم أعد أجبر نفسي على بذل جهد من أجل أشخاص لا يهمني أمرهم لأنه لا وقت لدي لأضيعه.

أنا الآن أسعى نحو هدف محدد وأبني حياة جديدة من وحي صراع لوريت مع المرض؛ إذ أعمل على نشر الوعي بين الناس حول إمكانية إنقاذ مرضى سرطان الدم من خلال التبرع بالصفائح الدموية. أحطت نفسي بمجموعة جديدة مُحبة من الناس الذين يتعاونون معاً ويتشاركون المشاعر ويكافحون المرض؛ إنهم أصدقاء لوريت، والأمهات والأطباء والمرضى؛ حشد من الناس المخلصين، أتشابه معهم بأفكاري وآلامي ويحترم كل منا صمت الآخر. لولا وجودهم ووجود عائلتي لكنت أعاني تخبطاً، وبسبب القوة التي يمدونني بها أقول من القلب إن الحياة رائعة، إنهم ثروة لا تُقدَّر بثمن ولا أريد غيرها.

المحتوى محمي