الموجات فوق الصوتية قد تساعد على علاج القلق والاكتئاب

5 دقائق
الموجات فوق الصوتية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

أطلق الطبيب النفسي والمؤلف، بيسيل فان دير كولك (Bessel Van Der Kolk)، في كتابه "جسمك يتذكر كل شيء" (The Body Keeps the Score) على اللوزة الدماغية اسم "كاشف الدخان"؛ وذلك لأنها تكتشف مشاعر الخوف والقلق، وتُهيئ جسمك للاستجابة للطوارئ، ما يعني أنها تؤدي دوراً محورياً في إثارة أعراض القلق والاكتئاب، وقد كشفت دراسة بحثية حديثة أجرتها جامعة تكساس (The University of Texas) ونشرتها دورية الطب النفسي الجزيئي (Molecular Psychiatry) في أبريل/نيسان 2025 أن الموجات فوق الصوتية المُركزة يمكن أن تستهدف اللوزة الدماغية، وتخفف أعراض القلق والاكتئاب دون تدخل جراحي، فكيف يحدث ذلك؟ الإجابة عبر المقال.

ما الذي قد يجعل الموجات فوق الصوتية قادرة على علاج الاكتئاب؟ 

أكدت الدراسة البحثية السابق ذكرها أن الموجات فوق الصوتية المُركزة المنخفضة الشدة يُمكن أن تستهدف اللوزة الدماغية بأمان، وتُقلل بدرجة كبيرة أعراض الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة، والموجات فوق الصوتية المركزة هي تقنية طبية غير جراحية تستهدف مناطق محددة من الدماغ والجسم، وتعد هذه التقنية خالية من استخدام المشرط، ما يُجنّب إحداث شقوق في الجلد.

وقد شملت هذه الدراسة مرضى يعانون الاكتئاب والقلق، وخضع المشاركون لموجات فوق صوتية مركزة، وموجهة بالرنين المغناطيسي على اللوزة الدماغية، وبعد 3 أسابيع فقط من الجلسات اليومية، شهد المرضى تحسناً ملحوظاً في أعراض الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة.

ويمكن القول إن هذه التقنية تُعدّل نشاط الدماغ العميق مباشرةً دون جراحة أو أدوية، ما يُوفر أملاً جديداً خاصة لاضطرابات المزاج المُقاومة للعلاج، كما أظهرت الدراسة مستوى أمان قوياً حيث لم يواجه المشاركون أي آثار جانبية خطيرة، وهو الأمر الذي يدعم التجارب السريرية واسعة النطاق في المستقبل.

وأوضح المؤلف الرئيسي للدراسة، غريغوري فونزو (Gregory Fonzo)، أن اللوزة الدماغية شغلت اهتمام الأطباء النفسيين والباحثين طوال عقود، لكن الوصول إليها لم يكن سهلاً، حيث يتطلب إما جراحة دماغية أو طرائق غير مباشرة من خلال التحفيز القشري.

ويعتقد فونزو أن الموجات فوق الصوتية المُركّزة عبر الجمجمة يُمكن أن تُساعد الباحثين على فهم الآليات العصبية الحيوية لاضطرابات المزاج بصورة أفضل، ما قد يؤدي إلى تطوير أساليب علاجية مُتقدمة، ومُصممة خصيصاً لتلبية احتياجات كل مريض، ويضيف فونزو أن الموجات فوق الصوتية يمكن أن تكون علاجاً فعالاً لأنها مباشرة؛ فبدلاً من الاعتماد فقط على الأدوية التي تُؤثر في الجسم بأكمله، أو طرق العلاج التي تعمل بصورة غير مباشرة، تستهدف هذه التقنية بدقة منطقة الدماغ المُحددة المُشارِكة في المعالجة العاطفية.

اقرأ أيضاً: ما علاج ضيق التنفس الوهمي الناتج عن القلق؟

كيف تُثير اللوزة الدماغية أعراض القلق والاكتئاب؟

هل تساءلت يوماً عن سبب قفزك عند الشعور بالخوف؟ يكمن السبب في دماغك، وتحديداً في اللوزة الدماغية، وهي جزء من الجهاز الحوفي، والمسؤولة عن التعامل مع مشاعر الخوف والقلق، إليك كيف يحدث الأمر؛ عندما تشعر اللوزة الدماغية بأنك تُواجه تهديداً، تُرسل إشارة -عبارة عن نبضات عصبية- إلى جزء آخر من الدماغ يُسمى الوطاء، والذي بدوره يُنشّط الغدة النخامية، بعدها تبدأ الغدة النخامية بتنشيط الغدة الكظرية، ومن ثم، تفرز الغدة الكظرية هرمونات الأدرينالين والنورادرينالين والكورتيزول، التي تُثير الخوف والقلق واستجابة القتال أو الهروب، وتسبب هذه الهرمونات بعض التغيرات الجسدية، مثل:

  • تسارع نبضات القلب.
  • ارتفاع سكر الدم.
  • اضطرابات الجهاز الهضمي.
  • زيادة سرعة التنفس.

جدير بالذكر أن هذه التغيرات الناتجة عن استجابة الهروب أو القتال صحية في مواجهة الخطر الحقيقي؛ فهي تساعدك على الاستعداد لمواجهة أي خطر قد تواجهه والاستجابة له بنجاح، وعلى الرغم من ذلك، عندما تستمر استجابة الهروب أو القتال وتحدث في غياب الخطر، فإنها تخلق قلقاً مستمراً يُصبح جوهر اضطرابات القلق، ومن الممكن أن يؤدي إلى الاكتئاب.

اللوزة الدماغية مسؤولة أيضاً عن تكوين الذكريات وتخزينها، وهي تربطها بالأحداث العاطفية أو الصدمات النفسية التي تعرّضت لها، أي إنها بارعة في ربط هذه الاستجابة بالموقف، وبالتالي في كل مرة تواجه فيها هذا الموقف مُجدداً، تكون مُبرمجاً على الشعور بالخوف تلقائياً، ويؤكد المختص النفسي، عبد الله آل دربا، أن اللوزة الدماغية لا تنسى المشاعر المؤلمة أبداً، وبسبب تلك المشاعر قد تدمر علاقاتك جميعها، بسبب تشوه مفهوم الذات.

ويشرح الطبيب النفسي الأميركي، دانيال جولمان (Daniel Goleman)، مفهوم اختطاف اللوزة الدماغية (Amygdala Hijack)، وهو ظاهرة نفسية تدمر استقرارك العاطفي، حيث تسيطر اللوزة الدماغية على استجابتك العاطفية، فتبدو ردود أفعالك غير منطقية أو متوافقة مع المواقف التي تمر بها؛ فحين تُختطف اللوزة الدماغية، فإنها تُغلق المسار العصبي المؤدي إلى قشرة الفص الجبهي، وهذا يُسبب تأثيراً مُربكاً، يحدّ من قدرتك على رؤية وجهات نظر أخرى، ويُضعف وظيفة الذاكرة لديك، ما يُصعّب عليك تذكر الحقائق جميعها، وعندما تُسيطر اللوزة الدماغية على الوضع سوف تواجه الكثير من المواقف الصعبة لأنها لن تسمح لك أبداً بالتفكير قبل الشعور.

اقرأ أيضاً: كيف تهزم القلق والاكتئاب عندما يأتيان معاً؟

5 خطوات تساعدك على تهدئة اللوزة الدماغية وتخفيف أعراض القلق والاكتئاب

يُعاني الأشخاص المصابون بالقلق والاكتئاب فرط نشاط اللوزة الدماغية؛ سواءً كان ذلك نتيجة مُحادثة صعبة، أو الشعور بالرهبة من موقف ما. ودعني أخبرك أمراً مهماً: لن تتمكن من تجنب آثار استشارة اللوزة الدماغية؛ إنها جزء من طبيعتك البشرية، ولكن يمكنك تهدئة نفسك حتى تكون في أفضل حالاتك، إليك خطوات تحقيق ذلك:

1. اعترف بمشاعرك 

حين تداهمك أعراض التوتر والقلق، وتحس بتسارع دقات قلبك، وزيادة معدل تنفسك، قل لنفسك "أنا أشعر بالتحفيز الآن"، وهنا عليك أن تتوقف وتتخلى عن محاولة السيطرة، ففي هذه اللحظة، يمتلئ عقلك فوراً بأنواع الأفكار والقصص الصعبة جميعها حول ما يحدث، لذلك كن على دراية بسير الموقف، ولا تتخذ رد فعل مدة دقيقة واحدة، لأن أفكارك سوف تكون أوضح عندما يسترخي جهازك العصبي، أنا لا أتحدث هنا عن التحكم في مشاعرك أو إيقافها، بل عن التوقف وتسمية هذه المشاعر حتى تتمكن من التعبير عنها بفعالية.

2. اصنع روتيناً 

عادة ما يكون الروتين مهماً جداً للأشخاص الذين يعانون القلق والاكتئاب؛ فبدلاً من الانخراط في خضم يوم مليء بالمجهول قد يعزز الأفكار السلبية، يصبح الأمر أفضل قليلاً حين تتبع روتيناً يومياً. على سبيل المثال، تناول الوجبات في أوقات محددة، أو الذهاب في نزهة صباحية، أو القراءة كل ليلة قبل الخلود إلى النوم، ويمكن القول إن استقرار الروتين يساعدك على تهدئة مشاعر القلق التي قد تتفاقم بسبب مواجهة الأحداث غير المتوقعة، كما يعزز قدرتك على عيش حياتك بالطريقة التي تريدها، ما يخفف أعراض الاكتئاب.

اقرأ أيضاً: دليلك الشامل حول الأغذية المعززة لصحة الدماغ

3. مارس تقنيات التنفس العميق 

تعزز تمارين التنفس العميق الاسترخاء وتقلل مستويات التوتر، وذلك من خلال تحفيز استجابة الجسم للاسترخاء، لهذا أدرج تقنيات تنفس بسيطة في روتينك اليومي لتهدئة اللوزة الدماغية، وتحسين صحتك النفسية؛ على سبيل المثال، خذ أنفاساً عميقة وبطيئة، مع التركيز على إحساسك بالنفس وهو يدخل جسمك ويخرج منه، يمكن ممارسة تمارين التنفس العميق في أي مكان، بل وفي أي وقت، ما يجعلها أداة فعالة من أجل تخفيف أعراض التوتر والقلق.

4. جرّب تأمل اليقظة الذهنية 

يتضمن تأمل اليقظة الذهنية التركيز على اللحظة الحالية بوعي وقبول، ومن خلال هذا التأمل يمكنك الشعور بالهدوء، وتقليل نشاط اللوزة الدماغية، ويمكن القول إن اليقظة الذهنية تتطلب ممارسة؛ ففي البداية سوف تتجول مع أفكارك، ولكن مع مرور الوقت سوف يصبح الأمر أسهل، وإحدى طرق مساعدة عقلك على التركيز في أثناء ممارسة اليقظة الذهنية هي التحكم النشط في تنفسك: ركز على الشهيق والزفير، ركز على شعورك بالهواء في تلك اللحظة، ولاحظ كيف يتحرك جسمك استجابةً للهواء.

5. كوّن ذكريات وارتباطات جديدة 

لا يتعلم الدماغ بالفكر الواعي، بل على مستوى اللاوعي، ولهذا تتخذ اللوزة الدماغية رد فعل سريعاً من أجل إنقاذ حياتك؛ إنها تحاول حمايتك. على سبيل المثال، إذا كنت تلجأ إلى الهروب فور مواجهة أي مشكلة أو تتجنب الصدام، فإن اللوزة الدماغية ستعتقد أن كل الأماكن مخيفة، والمشكلات جميعها قد تقضي عليك، ولهذا إذا استمررت في الهروب، فإن اللوزة الدماغية لن تتعلم أبداً أن الواقع على ما يرام، ومن ثم، ستبقى عالقاً في هذه الحلقة المفرغة، لأنك لم تُظهر للوزة الدماغية أن هذه المواقف ليست خطرة.

ومن أهم طرق التعافي، أن تبدأ إعادة تدريب عقلك للاستجابة بصورة مختلفة لمشاعر القلق والتوتر، عليك أن تشعر بالخوف على المدى القصير لتتخلص منه على المدى الطويل، عليك أن تقاوم غرائزك لحماية نفسك، فأنت لست بحاجة للحماية، قد يبدو هذا سيئاً، لكنك لست في خطر حقيقي يهدد حياتك؛ فإذا هربت في كل مرة تُصاب فيها بالقلق أو نوبة هلع، فأنت تُعلّم اللوزة الدماغية أن الطريقة الوحيدة لحمايتك هي المغادرة بسرعة.

وحتى تكوّن ارتباطات جديدة، عرّض نفسك لموقف يثير القلق أو الهلع، حتى تنشط اللوزة الدماغية؛ إذا كنت تخشى الذهاب إلى التسوق، اذهب في أقرب وقت، وعندما تشعر بالخوف، وتعلم أن استجابتك قد نُشطّت، يكون الأمر سهلاً؛ ابقَ مكانك حتى يزول الخوف، بعد ذلك، يمكنك المغادرة. صدقني، ستأتي لحظة تشعر فيها أنه قد زال مهما طال الزمن، ثق بنفسك.

المحتوى محمي