دلالة مصطلح المعالجة النفسية التحليلية أوسع من مدلول العلاج التحليلي، فالمعالجة النفسية تتيح تقديم المساعدة الموجَّهة لحل أنماط محددة من الصراعات وتهدف إلى تفسير سلوكيات المريض والتأثيرات التي تنعكس عليه بغاية التخلص من الصراعات التي يعيشها بناءً على التفسير الشفهي لحالته. ويتخلى المعالج النفسي عن حياده ليحل محل الصورة الأبوية الخيرية النموذجية، على حين تكون مدة العلاج التحليلي أقصر فإنها تنتهي عندما يكتسب المريض قدرةً أكبر على ضبط نفسه.
يعرّف "فرويد" التحليل النفسي بأنه: "طريقة لعلاج الاضطرابات العصبية"، والهدف منه ليس علاج أعراض الاضطراب وإنما اكتشاف ما يسببه. لذلك لا يمكن مقارنة التحليل النفسي بالمعالجة النفسية التي يعتمد تعريفها على حل المشكلات السلوكية والنفسية التي يواجهها الأفراد؛ لكن يوحّد التياران رؤيتهما في المعالجة النفسية المستوحاة من التحليل النفسي. كانت هذه الوحدة المستبعدَة بلا شك ثمرة الازدهار الكبير في الستينيات الذي شهد ظهور أنماط علاج جديدة عائلية أو سلوكية أو نفسية. حالياً تتيح المعالجة النفسية التحليلية الشائعة الوصول إلى عمق التحليل النفسي ضمن إطار علاجي متوسط المدة.
مبدأ المعالجة النفسية التحليلية
المعالجة النفسية هي عملية تهدف من خلال منهج نفسي إلى علاج أعراض الاضطراب وتطوير الذات. تشترك الفئة التحليلية منها مع التحليل النفسي في إشارته إلى اللاوعي النفسي ومراعاة مظاهر تجليه على المرء. من ناحية أخرى تختلف عنه في مواضع أخرى، بدءاً من العلاج وجهاً لوجه الذي ينشئ نوعاً جديداً من العلاقة بين المريض والمعالج لا تتصف بالحيادية وإنما بالإحسان، ويمكن أن ينتقل المعالج بينهما؛ أي لا يبقى التحليل النفسي خاضعاً للتفسير المنهجي. يجعل المعالج الكلام وسيلةً ليتيح للمريض التعبير عن التأثيرات المؤلمة أو الصراعات التي يعيشها أو الخيالات التي تدور في ذهنه. يكمن السر في التعبير اللفظي الذي يعد علاجاً بحد ذاته، وفي طريقة العلاج التي تبنى عليه وتفسير المعالج المحتمَل له.
مسار جلسات العلاج
تغير المعالَجة النفسية المستوحاة من التحليل المكان المحيط المعتاد وتترك الأريكة لإجراء مقابلة شفهية وجهاً لوجه. يكون موقف المعالج من كلام المريض بادياً عليه، ويوحي المعالج له بصورة أبوية مطمْئنَة ومنهجية، ويطرح الأسئلة على المريض ويصغي إلى كلامه. ليحرز المريض تقدماً في استكشاف خبايا نفسه يتحدث ويفصح عن شكوكه وأسئلته ويستحضر أحلامه ولا يخشى الوقوع في الخطأ. يركز عمل المعالج على لاوعي المريض وبُنية ماضيه وتفسير المادة اللفظية التي قدمها المريض، وذلك على غرار التحليل النفسي والمفاهيم التي يتناولها. تكون تفسيرات المعالج النفسي والصورة التي يمثلها للمريض الأدوات الأساسية للعلاج أثناء الجلسة.
متى نلجأ لهذا العلاج؟
بشكل عام يقدم المجال التحليلي لنا إجابات ويوفر تصورات جديدة عن حالة معاناة المرء الداخلية وشعوره بالتقييد والضيق المنتشر هذه الأيام. المعالجة المستوحاة من التحليل ليست حلاً لجميع المشاكل؛ وإنما تتيح للمريض إحراز تقدم في استكشافه لنفسيته ووعيه بذاته. كما يُستفاد من هذه المعالجة التي تعد من فئة العلاجات متوسطة الأمد في حالة الصراعات النفسية العرضية أو الصعوبات المزمنة في العلاقات الزوجية أو المهنية.
تكلفة المعالجة ومدتها
تستغرق المعالجة النفسية التحليلية التي تعد من فئة العلاجات متوسطة الأمد كما ذكرنا مدةً أقصر من التحليل النفسي التقليدي (الذي يستغرق بين عدة أشهر إلى 3 سنوات). تتسم مواعيد الجلسات وعددها بالمرونة، وجلسة واحدة في الأسبوع كافية عموماً. الأسعار متقاربة نسبياً (تتراوح بين 50 إلى 100 يورو) مع أنها لا تخضع لقواعد تنظيمية بعد، وتكون التكلفة في المقاطعات غالباً أقل من العاصمة. يصعب في مجال المعالجة النفسي تقدير النفقات التي ستترتب على المعالج، لذا لا يمكن تحديد تكلفة الجلسة إلا بناءً على المشكلة وتكرار الجلسات (أسبوعياً أم شهرياً أم كل شهرين).