في كتابه "الكيلوغرامات العاطفية كيف نتخلص منها" (Les kilos émotionnels, Comment s’en libérer)، يشرح الطبيب النفسي ستيفان كليرجيت، بأمثلة داعمة، الآليات العاطفية التي تسبب زيادة الوزن، ويوضح الصعوبات التي قد تواجهنا خلال محاولتنا التحرر من هذه العواطف.
ما هي "الكيلوغرامات العاطفية"؟
يتم اكتساب "الكيلوغرامات العاطفية"، أو زيادة الوزن أو فقدانه لأسباب عاطفية حديثة أو سابقة لدى الشخص، وقد يعود بعضها إلى مراحل الطفولة.
كيف تؤثر عواطفنا في وزننا؟
تعمل عواطفنا في هذا السياق على عدة نواحٍ. فيمكن للعواطف أن تجعلنا نأكل أكثر، أو تجعلنا نرغب في تناول أنواع معينة من الأطعمة، كالأطعمة الدسمة والحلويات بشكل خاص. كما تؤثر العواطف في الناحية البدنية لدى الشخص، إذ تعمل على زيادة نشاط الجسم أو تقليله، ما قد يؤدي إلى تخزين الدهون في الجسم حتى مع عدم تناول كميات كبيرة من الطعام. ولا شك أن العواطف ترتبط بالتغيرات البيولوجية في الجسم كالتغيرات في مستوى الهرمونات والتغيرات التي قد تطرأ على عمل النواقل العصبية في الدماغ. لكن تجاربنا السابقة تحتل الأولوية قبل النظر إلى أي عامل آخر.
ما هي الآلية التي تجعل من التوتر سبباً للسمنة لدى الشخص؟
يؤدي التوتر الناجم عن ارتفاع هرمون الكورتيزول بشكل خاص إلى السمنة وتراكم الدهون بمنطقة البطن. ومن الملاحظ أن التوتر يؤدي إلى انتشار السمنة بين النساء أكثر من الرجال. أما في حالات التوتر المزمن فتعاني النساء من النحافة أكثر من السمنة، إذ عادة ما يؤدي التوتر الحاد إلى حرق السعرات الحرارية. وتكمن مشكلة التوتر المزمن في أن اكتشافه ليس أمراً سهلاً دائماً، ومن المفارقات أن الأشخاص الذين يعانون من التوتر المزمن قد لا يشتكون منه بالضرورة.
تتحدث في كتابك أيضاً عن "الاستهلاك العاطفي للطعام". ما المقصود بذلك؟
إن "الاستهلاك العاطفي للطعام"، يعني تناول الطعام كرد فعل على أحد المشاعر التي تعترينا بهدف كبحها. كما قد يرجع ذلك إلى ماضينا وثقافتنا والمنظومة التخيلية في أذهاننا، التي دفعتنا لنبرمج أنفسنا على تناول الطعام عندما نواجه مشاعر معينة. وكمثال بسيط على ذلك إذا كانت الأم تواسي الطفل عند شعوره بالإحباط بسبب أمر معين بإعطائه قطعة حلوى أو كعكعة، فإن هذا الانعكاس تجاه الأكل سيستمر غالباً مع الشخص خلال سن الرشد.
إذاً يعود انعكاس تناول الشخص للطعام عندما لا يكون على ما يرام إلى مرحلة ماضية من حياته؟
إنه يعود في الواقع إلى المراحل الأولى من تطورنا. إذ يكوّن الطفل عواطفه الأولى عبر تناوله للطعام والذي يعد، في هذه المرحلة، طريقة التواصل الرئيسية لديه، كما يؤسس المولود علاقاته الأولى مع العالم عندما يبدأ بتناول الطعام.
تشير في كتابك إلى أن العديد من عوامل زيادة الوزن ترتبط بالثقافة التي يتلقاها الشخص خلال مرحلة الطفولة. بصفتك أحد الوالدين، ما الذي يمكنك فعله لمنع طفلك من الوقوع ضحية لـ "الوزن العاطفي"؟
يجب أن يتم إنشاء ثقافة غذائية كاملة لدى الطفل:
- التركيز على وجبات الطعام على المائدة والخوض في مناقشات وأنشطة الطهي مع طفلك.
- امنح نفسك وقتاً كافياً لتناول الطعام.
- دع الصغار يلعبون بالطعام.
- منع الأطفال من تناول الوجبات أمام التلفاز. من المهم أن يعي الطفل تماماً ما يأكله.
من الضروري أيضاً العمل على عواطف الطفل، من خلال تنويع مصادر المتعة لديه وتشجيعه للتعبير عن مشاعره بالكلمات والفنون. فكلما زادت الفرص المتاحة للطفل للتعبير عن نفسه بطرق مختلفة، زادت احتمالية تعبيره عن مشاعره بخلاف الطعام.
أخيراً إذا كان الوالدان يعانيان من السمنة فلا بد لهما من الاهتمام بهذه الناحية أيضاً.
الكثير من الناس اليوم غير راضيين عن وزنهم. هل يؤدي ذلك الشعور بعدم الرضا إلى مشكلات عاطفية وبالتالي زيادة مستمرة في الوزن؟
رغم أنهم يكتسبون وزناً زائداً بشكل مستمر لا يشعر الأشخاص الذين يعانون من السمنة بالرضا عن حالتهم. إضافة للضغط المجتمعي الذي يعزز لديهم الشعور بالذنب. ويدخل الشخص في حلقة مفرغة: أعاني وزناً زائداً، وهذا الوزن الزائد يخلق لدي مشاعر سلبية تدفعني لتناول الطعام ما يعني زيادة في الوزن مجدداً. ولا أعتقد أن المعاناة العاطفية لدى الأشخاص هذه الأيام أكبر من السابق، لكن الأمر الأكيد هو ازدياد التعبير عن العواطف من خلال تناول الطعام، إذ أصبح الحصول عليه أمراً سهلاً.
يشارك الكثير في منتدى سايكولوجيز مشكلة الرغبة العارمة في الأكل بعد يوم شاق في العمل والتي لا يمكنهم كبحها حسب قولهم. ما سببها؟
إنهم يملؤون بهذا السلوك الفراغ النفسي الذين يعانون منه، فهناك كثيرون ممن يعانون عدم الرضا الوظيفي وهو أمر مقلق. وعندما يعودون إلى بيوتهم، يستعيضون عن نقص الغذاء الفكري والروحي والعاطفي بتناول الطعام. ويعزز هذا السلوك الأنظمة الغذائية التقييدية: فطالما أنك في حالة نشاط، من السهل التمسك بهذه الأنظمة، ولكن بمجرد أن تصل إلى المنزل، ستتخلى عنها.
هل يعد الوزن الزائد دلالة على مشكلة أكبر بكثير ألا وهي عدم الراحة؟
يأتي إلي كثير من الأشخاص الذين يعانون من الوزن الزائد- وبالأخص النساء- وبعد بحث عميق يمكن ملاحظة أنهم لا يعيشون الحياة التي يتمنون. قد لا تكون حياتهم حزينة بالضرورة إنما يكفي أن تكون غير ملائمة لهم. لكن الأمر أنهم لا يربطون بين مشاعر الاستياء التي تعتريهم وتناولهم الطعام. ويتضح أن النظام الغذائي للأشخاص الذين يعانون من السمنة يركز على أمر واحد فقط، وهو تناول الطعام دون أخذ الوقت الكافي للتفكير حول الأمر.
هل يمثل التفكير العامل الأساسي في تحرير النفس من زيادة الوزن؟
لا تتعلق مسألة إنقاص الوزن بقوة الإرادة لدى الشخص وقدرته على التحكم بنفسه، إنما بالقدرة على التحرر العاطفي ومعرفة الذات. ويجب أن تتعلم أولاً كيفية التعرف على المشاعر المختلفة التي أدت إلى تناول كميات كبيرة من الطعام، ثم العمل على كل من هذه العواطف بشكل منفرد.
ذكرت أن خسارة الوزن لا ينبغي أن تكون معاناة للشخص بل سبيلاً لتحقيق السلام الداخلي مع النفس كيف ذلك؟
إن تحقيق السلام الداخلي للشخص يعني التوقف عن إساءة معاملة نفسه وتجنب السلوكيات المحكومة بالفشل. إن حالة الصراع الناجمة عن المحاولات المستمرة لمقاومة الرغبات والمشاعر، ستؤدي في النهاية إلى استسلام الشخص وتفاعله بطريقة سيكوماتية (نفسية وجسدية) أثناء تناول الطعام. ولن يحقق المرء سلامه الداخلي مع نفسه إلا إذا أدركها بما فيها من جوانب جيدة وسيئة. من المهم قبول الشخص الذي تريد أن تكون، بهذه الطريقة ستنظم عواطفك وتتجنب تأثيرها في طريقة تناولك للطعام. ونختم بالقول إن الوالدين قد يتحملان لوماً كبيراً في قضية "الكيلوغرامات العاطفية".