ملخص: أصبحنا نشعر بتداعيات تغير المناخ في الوقت الحالي أكثر من أي وقت مضى، وبخاصة مع الارتفاع الكبير في درجات الحرارة؛ ما أدى إلى ظهور القلق البيئي وتفاقُمه جرّاء الخوف على الكرة الأرضية من التغيرات المناخية.
محتويات المقال
غيرت التدخلات البشرية مناخ الأرض، وأصبح تأثير تلك التدخلات مرئياً على نحو متزايد. وفي الوقت الحالي، يدرك الناس معظمهم أن تغير المناخ يمكن أن يؤثر في الصحة البدنية من خلال التلوث وانتشار الأمراض وندرة الغذاء.
مؤخراً، بات مختصو الصحة النفسية يشيرون إلى العواقب الوخيمة لتغير المناخ على الصحة نفسية للإنسان؛ بما فيها القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة والانتحار والعدوانية والعنف القائم على النوع الاجتماعي، وبسبب هذا الخليط من المشاعر المركبة والمعقدة؛ ظهر مصطلح "القلق البيئي"، فما قصة ذلك القلق؟ وما أعراضه؟ وكيف يمكن التعامل معه؟ إليكم الإجابات في هذا المقال.
ما هو القلق البيئي؟
تعرّف جمعية علم النفس الأميركية (The American Psychology Association APA) القلق البيئي بأنه: "الخوف المزمن من الهلاك البيئي الذي يحدث بسبب التأثيرات التي لا رجعة فيها لتغير المناخ، وما يرتبط بها من قلق على مستقبل الفرد ومستقبل الأجيال القادمة".
وعلى الرغم من أن مصطلح القلق البيئي غير مدرج حالياً في الدليل التشخيصي والإحصائي الخامس للاضطرابات العقلية (DSM-5)، فإنه يُستخدم من قبل مختصي الصحة النفسية في علم النفس الإيكولوجي؛ وهو فرع من فروع علم النفس يتعامل مع العلاقات النفسية بين البشر والطبيعة وتأثيرها في هوياتهم وصحتهم.
ما أسباب الإصابة بالقلق البيئي؟
تؤكد أستاذة علم الأحياء البحرية وعالم المحيطات، سيلفيا إيرل (Sylvia Earle) إن القلق البيئي هو علامة على أننا بدأنا ندرك خطورة الأزمة البيئية التي نواجهها؛ إنه دعوة إلى العمل تحثنا على تحمل المسؤولية عن أفعالنا والعمل من أجل مستقبل أكثر استدامة.
ووفقاً لاستطلاع رأي وطني أُجري في الولايات المتحدة خلال عام 2018؛ فإن قُرابة 70% من الأشخاص في الولايات المتحدة يشعرون بالقلق بشأن تغير المناخ بينما يشعر حوالي 51% منهم بالعجز، وتلك أهم أسباب الإصابة بالقلق البيئي:
- التأثر المباشر بالتغيرات المناخية: السماع عن الآثار الطويلة المدى لتغير المناخ يختلف كثيراً عن معايشتها، فهناك أشخاص دفعتهم الأعاصير وحرائق الغابات إلى مغادرة منازلهم، وهناك من فقدوا عزيزاً بسبب تلك الكوارث. وعلى صعيد آخر، هناك التأثيرات التدريجية التي بدأنا نشعر بها جميعاً مثل الارتفاع الكبير في درجات الحرارة الذي يؤدي بدوره إلى زيادة التوتر والقلق.
- التوسع الكبير في التغطية الإخبارية حول التغير المناخي: في الوقت الحالي، تتحدث وسائل الإعلام العالمية كافة عن أزمة تغير المناخ، وعلى الرغم من أن تناول تلك الأزمة في النشرات الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي قد يرفع مستوى الوعي بالأزمة، فإنه أيضاً يؤدي إلى تفاقم القلق البيئي، وبخاصة حين تستخدم قنوات الأخبار نبرة "نهاية العالم" و"دق ناقوس الخطر" والتلويح بالحروب الأهلية التي قد تحدث بسبب ندرة المياه.
اقرأ أيضاً: متى يكون القلق إيجابياً وكيف يمكننا إدارة القلق السلبي؟
ما أعراض القلق البيئي؟
ينشأ القلق عادة عندما يستجيب الجسم للتهديدات المرتبطة بغريزة البقاء على قيد الحياة، وفي كثير من الأحيان، قد نعتقد أن تلك التهديدات متجذرة في مخاوف بعيدة الاحتمال وغير عقلانية؛ لكن تغير المناخ يشكل تهديداً حقيقياً مهما بدت النتيجة بعيدة. وفي هذا السياق، تُمكن رؤية القلق البيئي بصفته محفزاً للبقاء واستجابة عاطفية فريدة تدفع البشرية للبحث عن حلول للأضرار المناخية، ومن أهم أعراض القلق البيئي ما يلي:
- الغضب و الإحباط، لا سيما تجاه الأشخاص الذين لا يعترفون بتغير المناخ أو الأجيال الأكبر سناً الذين لم يحققوا أي تقدم في أزمة تغير المناخ.
- الشعور بالذنب أو العار المرتبط باستهلاك الطاقة التي تؤدي بدورها إلى زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
- الإجهاد النفسي اللاحق للصدمة بعد التعرض لآثار تغير المناخ.
- مشاعر الاكتئاب أو القلق أو الذعر.
- الأسى والحزن على فقدان البيئات الطبيعية أو مجموعات الحياة البرية.
- اضطرابات النوم.
- مشكلات الشهية.
- صعوبة التركيز.
- توتر العلاقات مع الأصدقاء أو العائلة، وبخاصة إذا لم تكن لديهم الآراء نفسها حول تغير المناخ.
اقرأ أيضاً: ما لا تعرفه عن القلق التوقعي
كيف يؤثر تغير المناخ في صحتك النفسية؟
تعتقد أستاذة علم النفس البيئي، نانسي بيوتروفسكي (Nancy Piotrowski) إن قضايا المناخ لها تأثير كبير في الصحة النفسية؛ إذ يتعلم الناس في أنحاء العالم جميعها العيش مع ضغوط جديدة مزعجة مثل انقطاع التيار الكهربائي ونقص المياه وسوء نوعية الهواء وعمليات الإخلاء في حالات الطوارئ وغير ذلك، ويشير متخصص علم النفس البيئي، توماس دوهرتي (Thomas Doherty) إلى أن السمة الرئيسة لهذه التغييرات والضغوط المزعجة هي طبيعتها المستمرة، فتلك الأضرار لن تتوقف؛ حيث تسبب هذه الكوارث الناجمة عن تغير المناخ آثاراً مضرة بصحة الإنسان مثل مشكلات الجهاز التنفسي، وردود الأفعال التحسسية، وضعف نمو الجنين أو الطفل، وأمراض الجهاز الهضمي، والأمراض المزمنة مثل السرطان، ومن أهم تأثيرات تغير المناخ في الصحة النفسية:
- زيادة العنف القائم على النوع الاجتماعي: حلل باحثون في جامعة كامبريدج (University of Cambridge) خلال عام 2022، 41 دراسة توصلت إلى نتيجة مفادها أن الظواهر الجوية الكبرى مثل العواصف والفيضانات والجفاف وموجات الحر وحرائق الغابات، تؤدي إلى تفاقم العنف القائم على النوع الاجتماعي؛ وذلك بسبب الانهيار الاقتصادي وعدم الاستقرار الاجتماعي.
- زيادة حالات الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة (PTSD): وفقاً لدراسة أُجريت عام 2021 في جامعة سان دييغو (University of San Diego)؛ يُصاب الناجون من الأعاصير والفيضانات بالاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة، فقد عانى الناجون من حريق كامب فاير عام 2018؛ وهو أحد أكثر حرائق الغابات دمويةً وتدميراً في تاريخ ولاية كاليفورنيا الأميركية، معدلات اضطراب ما بعد الصدمة كانت مساوية لمثيلاتها عند الناجين من الحروب.
- تفاقم حالات الانتحار: تؤدي الآثار الاقتصادية للجفاف إلى زيادة حالات الانتحار، لا سيما بين المزارعين.
- زيادة الإصابة بالاضطرابات النفسية: يؤكد مسؤول الحملات في غرينبيس الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، محمد تزروتي إن تغير المناخ سوف يتسبب في زيادة الاضطرابات النفسية، وبخاصة لدى الأطفال لأنهم الأقل قدرة على مواجهة الأحداث المناخية القاسية مثل الفيضانات والحرائق.
كيف يمكن التعامل مع القلق البيئي؟
يرى أستاذ علم المناخ، مايكل مان (Michael Mann) إن القلق البيئي مثله كمثل القلق العام؛ ينطوي على مخاوف بشأن المستقبل، وبخاصة بين الشباب الواعين بالمخاطر البيئية، والحل يكمن في تزويد هؤلاء بالأدوات والموارد التي يحتاجون إليها لاتخاذ الإجراءات وإحداث تغيير إيجابي، وهذه أهم طرائق التعامل مع القلق البيئي:
- اسمح لنفسك بالاعتراف الكامل بمشاعر القلق بدلاً من إنكار حقيقة تغير المناخ أو التخلص من الخوف والحزن.
- إذا شعرت بالذنب تجاه سلوكاتك السابقة التي لم تكن صديقة للمناخ، فاغفر لنفسك والتزم بخيارات أفضل للمضي قدماً.
- تعاطف مع نفسك والآخرين، فأنت شخص واحد فقط وهناك الكثير من الأمور التي لا يمكنك القيام بها.
- شارك في الأعمال التطوعية لحماية البيئة؛ مثل أعمال البستنة في الحي وجمع القمامة وتقليل النفايات.
- اعمل مع الآخرين الذين يرغبون في حماية البيئة؛ إذ يمكن أن يزيد ذلك إحساسك بالتواصل ويخفف من شعورك بأنك تصارع بمفردك.
- اختر ركوب الدراجة أو المشي إلى العمل من أجل تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
- يمكن أن تكون نشرات الأخبار ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي مصدراً رئيساً لإحساسك بالقلق البيئي؛ لذلك قلل من متابعتها.
في النهاية، وكما تخبرنا المختصة النفسية رينيه ليرتزمان (Renee Lertzman)؛ فالقلق البيئي يمكن أن تكون له آثار إيجابية وسلبية، فمن ناحية، يمكن أن يحفزنا على اتخاذ تغييرات في حياتنا تؤدي إلى معالجة القضايا البيئية؛ ولكن من ناحية أخرى، يمكن أن يؤدي إلى الشعور باليأس والعجز. ولذلك؛ من الضروري إيجاد التوازن بين هذين النقيضين، وفي حال وصل القلق البيئي إلى مستويات متقدمة تجب استشارة الطبيب النفسي المختص.