هل داهمك القلق مع بداية سبتمبر؟ إليك الأسباب المحتملة لذلك وكيفية التعامل معها

5 دقيقة
القلق الاستباقي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: مضى فصل الصيف وأصبحنا في سبتمبر/أيلول، فهل تشعر باكتئاب وقلق؟ قد يكون هذا نوعاً من القلق الاستباقي؛ حيث تفسد مخاوفك من المستقبل لحظتك الراهنة. وعلى عكس التوتر المرتبط بأحداث معينة، يعتريك القلق الاستباقي بنهاية الصيف والعودة إلى روتين الحياة المعتاد؛ مثل بدء عام دراسي جديد أو استئناف العمل. ويمكنك التحقق من قلقك ومعالجته بسؤال نفسك أسئلة مهمة مثل: هل تخشى المستقبل؟ هل تربط العودة إلى الروتين بتحقيق نتائج سلبية؟ كيف يمكنك التركيز على اللحظة الراهنة وتجنب التفكير بصيغة "ماذا لو"؟ ومن أهم خطوات التعامل مع القلق الاستباقي: ممارسة التأمل الذهني بالتركيز على الحواس الخمس، وممارسة تمارين التنفس أو التأمل أو التدريبات البدنية، إلى جانب الخروج في الهواء الطلق لزيادة جرعة فيتامين د التي يتلقاها الجسد، واستشارة مختص نفسي إذا كان القلق يؤثر في حياتك اليومية.

في حياتنا اليومية، يمكن للقلق أن يمنعنا من الاستمتاع باللحظة الراهنة. أما القلق الاستباقي، فهو يطال التفكير في المستقبل أيضاً، ويملؤه بالأفكار الكارثية والمخاوف. وبالنسبة للكثيرين، تعد نهاية العطلة وبداية العام الدراسي من المحفزات الرئيسية لهذا القلق، وتجعله عقبة كبيرة أمام الرفاهة والسعادة.

العد التنازلي للعودة. على عكس التوتر، الذي يتجلى في صورة رد فعل لحدث معين في لحظة بعينها، يستقر القلق لفترة طويلة في حياتك وتظهر أعراضه في أوقات غير ضارة. لكن مواقف أو أحداثاً معينة يمكن أن توقظ تلك الأعراض وتفاقمها، إذ تعمق بداية العام الدراسي القلق لدى الأشخاص القلقين بطبيعتهم، لاسيّما القلق الاستباقي.

تقول الطبيبة النفسية، مارين كولومبل: "القلق الاستباقي شائع، وينشأ عندما نفكر في أمور معينة في المستقبل. فنتخيل سيناريوهات تخيفنا وينتابنا القلق من توقعات كارثية". وبالنسبة لتلاميذ المدارس والطلاب والموظفين، تحفز نهاية الصيف وبداية العام الدراسي مشاعر القلق تلقائياً.

العودة إلى المدرسة محفزة للقلق الاستباقي

تتذكر الطالبة دانة، قائلة: "في أثناء العطلة الصيفية التي سبقت انتقالي إلى الصف الثاني الثانوي، بدأت أفقد شهيتي للطعام، ثم تطور الأمر إلى خوف من مغادرة المنزل. لم أكن آكل إلا أقل القليل. وكنت أتقيأ كثيراً، وعانيت آلاماً شديدة ومستمرة في المعدة حتى لم أعد أميز بين الشعور بالجوع والخوف من التقيؤ". وبجانب هذه الأعراض الجسدية، كانت الفتاة المراهقة تخشى الذهاب إلى الطبيب وترتعد من فكرة العودة إلى المدرسة. وبعد بضعة أسابيع، أعلمها الطبيب أن الأعراض التي تعاني منها مرتبطة بالقلق. تقول: "طافت برأسي أفكار كثيرة في ذلك الصيف. كنت طالبة متفوقة، وفكرة الرسوب تفزعني. لا أملك ترف إعادة عام دراسي، وكنت أريد النجاح في كل المواد". وأصبح عقلها أسير سيناريو كارثي تتخيل وقوعه مراراً وتكراراً. في ذهنها، تخيلت الحصول على درجات سيئة، وما سوف يعنيه هذا من فشل في الحصول على شهادة الثانوية العامة، وبالتالي لا فرصة في الحصول على عمل، ولا دخل مادي، ومن ثم التشرد، لينتهي بها المطاف "وحيدة تحتضر على طرف الطريق. بالنسبة لطلاب مثل دانة، تحمل بداية العام الدراسي أهمية كبيرة، حيث تمثل بداية رحلة قد تنتهي إما بالنجاح أو الفشل. لذلك، تصبح نهاية العطلة الصيفية بدايةً للضغط الشديد والقلق. وهذا هو ما يحفز الخوف في نفس دانة، فهي من الآن تخشى النتيجة التي ستحققها في عامها الجامعي الأخير، وتأثير ذلك على فرصها في سوق العمل.

اقرأ أيضاً: ما علامات الحزن الاستباقي؟ وكيف يمكن التعامل معه؟

تقول مارين كولومبل إن "بداية العام الدراسي تمثل تحولاً كبيراً". فبعد هدوء العطلة الصيفي تجد أن عليك استعادة نشاطك بالكامل من جديد والعودة إلى ممارسة روتين حياتك اليومي، فيغذي هذا التغير في إيقاع الحياة الأفكار السلبية حول ما قد يحدث مستقبلاً؛ ويثير هذا القلق استجابة عنيفة وغير متوقعة في أجسادنا". في بقية العام، يبث روتين الحياة اليومية الشعور بالاستقرار والطمأنينة فينا، لكن الانتقال من الإجازة إلى العمل يحمل معاني البداية الجديدة بكل احتمالاتها، وهو ما يخل بتوازننا النفسي والجسدي. ويحذر الأطباء النفسيون من أنه قد تمضي أسابيع على المرء قبل أن يستعيد إيقاع حياته الذي اعتاده، ومثلما يفاقم ضغط الأهل والمدرسة قلق الطلاب من العودة إلى المدرسة، تثير العودة إلى العمل قلق الموظفين بالقدر نفسه.

اقتربت العودة إلى صفوف الدراسة

تقول غادة: "عندما كنت طالبة، تملكني قلق حاد عند بداية العام الدراسي الجديد، فقد كنت أخاف عدم معرفتي لزملائي الجدد في الصف من جهة، ومن سير الأمور في العام الدراسي من جهة أخرى". تشعر غادة بالقلق على الرغم من أن هنالك وقتاً قبل بدء العام الدراسي والمخاوف المرتبطة به مثل عدم القدرة على إنشاء الصداقات، وحتى تستمتع بإجازتها وتمهد لاستقبال العام الدراسي المقبل بهدوء، فإنها تركز على الحاضر وتتجنب أي أسئلة تتعلق بعودتها إلى المدرسة. وتوضح ذلك، قائلة: "ربما يبدو السؤال عن العودة إلى المدرسة تافهاً، لكنه يبث في نفسي شعوراً بالاختناق". كانت تلك الأسئلة تنذرها باقتراب بدء المدرسة من جديد، فتثير فيها توتراً غير ضروري وتصيبها بالإرهاق الذهني، ويحفز تفكيرها في العودة إلى المدرسة قلقها من أنها لن تتمكن من الاستمتاع باللحظة الحالية، وأنها سرعان ما ستعود إلى إيقاع الحياة السريع. وإضافةً إلى النهاية المعلنة لفترة الراحة والعودة إلى الحياة سريعة الإيقاع، تحيي العودة إلى المدرسة ذكريات بعيدة.

توضح مارين كولومبل، قائلة إن "الأشخاص الذين يعانون القلق في حياتهم المهنية ربما مروا بفترات توتر في حياتهم الدراسية عندما كانوا مراهقين أو أطفالاً، فتستحضر أجسادهم هذه الأعراض من جديد". تستغرق أجسادنا وقتاً للتخلص من هذا "الارتباط الشرطي" الذي رسخته المدرسة في أذهاننا منذ الصِغر، كما أن القلق الاستباقي من العودة إلى المدرسة لا ينبع دائماً من داخلنا فقط، فحماس الآخرين يؤثر فينا أحياناً؛ تقول كولومبل: "إننا نتأثر بمجتمع كامل يعاود نشاطه في ذلك الوقت".

التعامل مع قلق العودة إلى المدرسة: استراتيجيات فعالة لتجاوز التجربة بسلاسة

هناك طرق فعالة للتغلب على القلق الاستباقي، ومنها أن تتحرر من السيناريوهات التي يتخيلها عقلك. تنصح مارين كولومبل، قائلةً: "بدلاً من الانشغال بتخيل ما سيحصل في المستقبل، ركز على الحاضر. وعندما تلاحظ أن أفكارك تتجه نحو أمور لم تحدث بعد، حاول توجيه انتباهك إلى ما يحدث في اللحظة الراهنة". لتحقيق ذلك، تقترح كولومبل أداء تمرين الحواس الخمس؛ تناول شيئاً من محيطك وتفحصه جيداً مستعيناً بحواسك الخمس: كيف هو ملمسه؟ هل له رائحة؟ هل يصدر صوتاً عند تحريكه؟ وإذا كان قابلاً للأكل، فكيف هو طعمه؟ يساعدك هذا التمرين على "إعادة تركيزك على اللحظة الحالية" و"ينقل انتباهك من عقلك إلى جسدك".

إلى جانب هذا التمرين، يمكن أن تكون أساليب مثل تمارين التنفس والتأمل وممارسة الرياضة أدوات فعالة في إدارة القلق الاستباقي. ولا تقلل في أثناء استعدادك للعودة إلى المدرسة من أهمية التعرض للضوء الطبيعي؛ اخرج إلى الهواء الطلق ورحب بالعالم من حولك. كما توصي كولومبل بزيادة تناول فيتامين د وأوميغا-3 لدعم سلامة العقل. وهناك نصيحة أخيرة للأشخاص الأكثر عرضة للقلق، إذا بدأ القلق يؤثر في حياتك اليومية، فستكون استشارة مختص في الصحة النفسية خطوة حكيمة وعليك ألا تتردد في اتخاذها.

اقرأ أيضاً: كيف يؤثر القلق في جودة نومك؟ وماذا تفعل لتتخلص منه؟

هل يجب أن تستعد مسبقاً للتعامل مع القلق؟

قد يصعب على من اعتادوا المعاناة من القلق الاستباقي في أوقات بعينها من العام تحديد إذا ما كان عليهم الاستعداد لمواجهته مسبقاً أم لا. تشير كولومبل إلى ذلك، قائلة: "بالنسبة للبعض، قد يكون التوقع والتخطيط المسبق مطمئناً لهم للغاية، فبالنسبة لهم، تعني استعادة الروتين استعادة الاستقرار. ولكن هذا الأسلوب يعود بالضرر على آخرين إذ يعمق قلقهم الاستباقي".

وتشرح الطبيبة النفسية أن أكثر من يتضرر في هذه الحالة هو الشخص المهووس بالكمال، لذلك، تنصح كولومبل هذا النوع من الأشخاص باغتنام فترات الراحة والعطلات لتصفية أذهانهم واستعادة القدرة على ترك الأمور تأخذ مجراها. فمثلاً، تجد غادة أن أيام العطلة تسمح لها بالاستعداد للعام الدراسي بكل طمأنينة. وتقول: "إنها فرصتي لتجديد طاقتي. الأمر أشبه بالبدء من الصفر، حتى أستقبل فترة جديدة بطاقة متجددة".