ملخص: يُعد الانخراط في الحياة الاجتماعية ومواقفها المختلفة إحدى أدوات تشكيل شخصية المراهقين؛ حيث يكتسبون من خلال هذه التفاعلات عدداً من المهارات والخبرات التي تجعلهم أكثر قدرة على فهم الآخرين والتعامل معهم. إلا أن اضطراب القلق الاجتماعي (SAD) قد يقف حائلاً دون ذلك ويسلبهم القدرة على الاندماج وتكوين علاقات قوية، فما هو القلق الاجتماعي عند المراهقين؟ وكيف يمكن علاجه؟ وما دور الوالدين في مساعدة أطفالهم على التعامل معه؟
في حين يُكسبنا كلّ من القراءة والتعليم في مراحله المختلفة معرفة جيدة ويوسّعان آفاقنا؛ إلا أن تعلّم مهارات الحياة الاجتماعية واكتساب خبراتها لا يتم من خلال الكتب والدروس في قاعة المحاضرات بل يحتاج إلى الانخراط في الحياة الاجتماعية والتعرّض لمواقف مختلفة تعزز قدراتنا على بناء علاقات قوية والتعلم منها. لذلك يهدد اضطراب القلق الاجتماعي (Social Anxiety Disorder) أو (SAD) لدى المراهقين قدرتهم على اكتساب معارف ومهارات مختلفة؛ حيث يتسبب في قلق شديد في المواقف الاجتماعية اليومية وخوف مزمن من مراقبة الآخرين أو أحكامهم ومن الشعور بالحرج أو الإذلال من أفعالهم.
وفي حين يدرك من يعانون من اضطراب القلق الاجتماعي أن خوفهم من الوجود حول الناس قد يكون مفرطاً دون وجود محفِّز فعلي له؛ إلا أنهم يكونون غير قادرين على التغلب عليه. ويمكن أن يتسبب ذلك في معاناتهم من القلق لأيام أو أسابيع قبل حدوث الموقف الفعلي الذي يخشونه، وقد يكون اضطراب القلق الاجتماعي لديهم مصحوباً باضطرابات القلق الأخرى مثل اضطراب الهلع أو اضطراب الوسواس القهري.
يمكن أن يقتصر اضطراب القلق الاجتماعي على نوع واحد من المواقف مثل الخوف من التحدث أمام الجمهور، أو يمكن أن يمتد ليشمل المواقف جميعها التي تتطلب من الفرد الوجود وسط جمع من الناس.
ووفقاً لاستشاري طب الأطفال هاني رمزي عوض؛ يختلف القلق الاجتماعي عن الخجل في عدة نقاط إذ ليس بالضرورة أن يعاني الأشخاص الخجولون من القلق الاجتماعي وبالعكس، فيمكن أن يكون الأشخاص الذين يعانون من القلق الاجتماعي ودودين ولديهم طلاقة في الحديث لكن يمنعهم الخوف من الرفض من الاندماج الاجتماعي والدخول في علاقات جديدة؛ ما يدفعهم للدخول في دائرة مفرغة من التفكير والتحليل والقلق. بينما لا يؤثر الخجل بالدرجة نفسها في الأشخاص الخجولين في المواقف الاجتماعية ولا يشعرون بالأعراض الجسدية نفسها التي يعاني منها مرضى القلق الاجتماعي.
أسباب اضطراب القلق الاجتماعي عند المراهقين
لا يوجد عامل محدد مسبب لاضطراب القلق الاجتماعي، فقد يُعزى إلى عدد من العوامل المؤثرة مثل الوراثة وكيمياء الدماغ والعوامل البيئية. وتشمل العوامل الشائعة التي يمكن أن تسبب اضطراب القلق الاجتماعي لدى المراهقين ما يلي:
- العوامل الشخصية: قد يكون الطفل الذي يتمتع بمزاج هادئ بطبيعته أو المنعزل أو غير الراغب في تجربة أشياء جديدة؛ أكثر عرضة للإصابة باضطراب القلق الاجتماعي عند دخوله مرحلة المراهقة.
- أسلوب التربية: يمكن أن يؤدي بعض أساليب التربية إلى إصابة الأطفال باضطراب القلق الاجتماعي، فإذا بالغ الوالدان في حماية طفلهما فهما يحرمانه من تجربة مستوىً صحي من التفاعل الاجتماعي أو المخاطرة؛ وبالتالي قد يفقد الطفل فرصة تعلم المهارات اللازمة للتعامل في مواقف معينة.
- التنمر: يمكن أن يؤثر التنمر في العديد من مجالات حياة الشخص بما في ذلك دفعه إلى الخوف من المواقف الاجتماعية.
- مشكلات الكلام: إذا كان المراهق يعاني من إعاقة في الكلام فقد يمثل ذلك تحدياً له ويمكن أن يؤثر سلباً في ثقته في التحدث إلى الآخرين.
- العنف الأسري: يمكن أن يُصاب الأطفال الذين يتعرضون للعنف الأسري أو لصدمات أو إساءة للإصابة باضطراب القلق الاجتماعي.
كيف يمكن علاج القلق الاجتماعي عند المراهقين؟
وفقاً لعوض؛ يتضمن علاج القلق الاجتماعي عند المراهقين العلاج النفسي (Psychotherapy) من خلال جلسات يتعلم فيها المراهق مهارات معينة تمكِّنه من مقاومة الأفكار السلبية التي تسيطر عليه وتعيد ثقته بنفسه، ويتم العلاج إما بشكل فردي أو من خلال مجموعة.
كذلك تشمل طرائق العلاج العلاجَ الدوائي مثل مضادات الاكتئاب وأدوية القلق، ويمكن أيضاً تناول الأدوية التي تسيطر على الأعراض العضوية للقلق كتسارع ضربات القلب؛ مثل حاصرات بيتا التي تقلل الضغط المرتفع وبالتالي تتحكم في حدة الأعراض.
ويشير عوض إلى أهمية تحلي المراهق بالصبر في انتظار نتيجة العلاج لأنه يأخذ فترة طويلة ربما تصل لسنوات. وهناك بعض الأمور التي يمكن أن يلجأ إليها المراهق لتساعده على التحسن؛ مثل الانتظام في ممارسة رياضة لتقليل القلق لديه وكذلك الحصول على عدد ساعات نوم كافٍ والأكل الصحي وتجنّب الوجبات السريعة وتقليل المشروبات التي تحتوي على كميات كبيرة من الكافيين.
كيف يمكن للوالدين مساعدة طفلهما على تجاوز القلق الاجتماعي؟
يؤدي الوالدان دوراً مهماً أيضاً في مساعدة طفلهما على تجاوز هذا القلق، ويمكن أن توفر النصائح التالية المقدَّمة من الطبيب النفسي الإكلينيكي فورست تالي (Forrest Talley) والقائمة على المواجهة حلاً لمواجهة القلق:
- قد يكون من المفيد تعليم ابنك المراهق التوقف قبل الاستجابة لأفكاره المقلقة: يمكّنه ذلك التوقف المؤقت من تحويل انتباهه عن مصدر القلق والتركيز على ما هو مهدئ وليس مزعجاً، وكلما قل تركيزه على الأفكار المقلقة قلت قوتها وتأثيرها فيه.
- مساعدته على التركيز على الأفكار الأكثر فائدة وليست تلك التي يعتقد أنها تجلب له السعادة: ذلك أكثر فعالية، وتكمن قوة هذا التكتيك في التركيز على أفكار مفيدة وحقيقية. على سبيل المثال؛ عند نجاحه في اختبار يمكن أن يستخدم عبارة: "لقد نجحت في الاختبار وحصلت على درجة جيدة" بدلاً من عبارة "أنا رائع في الرياضيات".
- وأخيراً، تجنب محاولة إنقاذ طفلك من المأزق الذي يسبب له القلق: حيث يزيد ذلك من خوفه دون قصد، فإذا تجنب الطفل مواجهة مسببات القلق لديه لن تكون هناك فرصة لتطوير المهارات اللازمة للسيطرة على هذه المخاوف، لذلك من الأفضل منحه المساحة للشعور بعدم الراحة ومحاولة الخروج من هذا الموقف.