ملخص: تصدّر مسلسل سفاح الجيزة منصات التواصل الاجتماعي خلال الأيام الأخيرة؛ حيث تفاعل الجمهور تفاعلاً كبيراً مع أحداثه، وبخاصة أنه يحكي قصة حقيقية. وتدور أحداث المسلسل حول السفاح الذي قتل أكثر من 4 أشخاص، وفي هذا المقال، نتحدث عن قصة المسلسل والأسباب النفسية التي قد تدفع أحد الأشخاص إلى التحول إلى قاتل متسلسل!
يتصاعد البخار من طنجرة الطبخ حيث يقوم أحدهم بإعداد الطعام وهو في حالة اندماج وهدوء تام؛ بينما يصدح في الخلفية صوت موال شعبي ينشد قائلاً: "العدل فوق الجميع، وبيعشقه المخلوق، وابن الوزير والغفير من التراب مخلوق"، وعلى الرغم من أن هذه الأجواء المنبثقة من الشاشة الصغيرة قد تبعث على الدفء، فثمة شعور طاغٍ بالخوف والقتامة نحس به بقوة، ثم ندرك مكمن هذا الخوف حين يفتح البطل ثلاجة المطبخ وتطل منها جثة متجمدة لإحدى السيدات! من هنا تحديداً، تبدأ أحداث المسلسل المصري "سفاح الجيزة" الذي أثار الجدل مؤخراً، فما قصة المسلسل؟ ولماذا قد يتحول أحد الأشخاص إلى قاتل متسلسل؟ إليكم الإجابة في المقال.
ما هو القتل المتسلسل؟ مسلسل "سفاح الجيزة" نموذجاً
يُعرّف مكتب التحقيقات الفيدرالي (The Federal Bureau of Investigation FBI) القتل المتسلسل بأنه: "سلسلة من 3 جرائم قتل أو أكثر، تُرتكب عادة بوصفها أحداثاً منفصلة؛ ولكن ليس دائماً، من قبل مجرم واحد يتصرف بمفرده"، والقاتل المتسلسل هو الشخص الذي يقوم بتلك الجرائم في مدة تزيد على الشهر مع وجود فترة تهدئة بين عمليات القتل.
وعلى الرغم من أن الإشباع النفسي هو الدافع المعتاد للقتل المتسلسل، فإن مكتب التحقيقات الفيدرالي يؤكد إن دوافع القتلة المتسلسلين يمكن أن تشمل أيضاً الغضب والبحث عن الإثارة والمتعة، وتحقيق المكاسب المالية، والبحث عن الاهتمام.
وقد تتم جرائم القتل بطرائق مماثلة، وقد يكون لدى الضحايا شيء مشترك، وأحياناً يبدو القتل المتسلسل شيئاً لا نراه أو نسمع عنه إلا في دُور السينما وكتب الجرائم وروايات الإثارة، وفي أحيان أخرى، ننظر إلى القتل المتسلسل على أنه يحدث في مكان بعيد تماماً مثل واقعة "جاك السفاح" في لندن الذي قتل أكثر من 5 نساء بطريقة مروعة خلال عام 1888 وكان يبعث برسائل إلى الشرطة ليسخر منهم ويعدهم بارتكاب جرائم قتل جديدة.
لكن الحقيقة هي أن القتل المتسلسل يحدث في أي مكان وزمان، ويمكن أن يكون قريباً وليس بعيداً؛ تماماً كما حدث في قصة "سفاح الجيزة" التي تحولت إلى مسلسل تلفزيوني أحدث ضجة كبرى على مواقع التواصل الاجتماعي.
وتدور أحداث مسلسل "سفاح الجيزة" حول قاتل متسلسل يُدعى "قذافي فراج عبد العاطي"، وقد قام قذافي بقتل 4 أشخاص وحُكم عليه بالإعدام؛ ولكن الحكم لم يُنفَّذ بسبب الطعن به، وقد استوحى المسلسل قصته من حكاية هذا القاتل ولكن أُضيف الكثير من التفاصيل المختلفة إلى العمل الفني الذي قام ببطولته عدة نجوم مصريين، وأدى دور السفاح الممثل أحمد فهمي الذي صرح بأن الدور كان صعباً للغاية ومرهقاً بدنياً ونفسياً، حتى أنه لجأ لطبيب نفسي حتى يساعده على فهم عمق الشخصية.
وتبدأ أحداث المسلسل في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2017، ويرتكز العمل في الأساس على تقنية الفلاش باك حيث نتنقل بالزمن مع القاتل ونرى جرائمه الوحشية التي ارتكبها في حق المقربين منه؛ مثل صديقته المقربة وعمته وزوجته الأولى، وقد كان بطل المسلسل شديد الذكاء؛ ولهذا كان يخطط لجرائمه جيداً دون أن يكشفه أحد.
3 سمات مشتركة للقتلة المتسلسلين
على الرغم من أن تحديد القاتل المتسلسل أمر صعب للغاية؛ حيث يوضح مكتب التحقيقات الفيدرالي إنه لا توجد سمات وخصائص تميز القتلة المتسلسلين عن غيرهم، فمع ذلك، هناك بعض السمات التي تُنذر بالأنشطة العنيفة التي قد ينخرط فيها الأشخاص؛ مثل:
- السلوك المعادي للمجتمع: يُعد السلوك المعادي للمجتمع أحد المؤشرات التي تنذر بأن الشخص لديه مشكلة كبرى. واضطراب الشخصية المعادية للمجتمع هو اضطراب نفسي معرَّف في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية على أن الشخص المصاب به لا يشعر بأي ذنب أو ندم! وتشمل العلامات الأخرى لهذا الاضطراب الكذب والعدوانية والفشل في التوافق مع الأعراف الاجتماعية وعدم المسؤولية.
- الهوس بالسيطرة: غالباً ما يسعى القتلة المتسلسلون إلى السيطرة الكاملة على إنسان آخر؛ وهذا ما حدث في مسلسل "سفاح الجيزة" حين حاول البطل الزواج من زينة، ولما قامت برفضه قرر أن يتزوج أختها حتى يكون قريباً منها ويُحكم سيطرته عليها. وفي الوقت الذي كانت تنوي زينة فيه الزواج من شخص آخر، غيّر مسار حياتها بالكامل وقام بتأجير أحد الأشخاص على أنه منتج سينمائي سوف يحقق لزينة النجاح الذي تحلم به، وحين التقطت زينة الطُعم وقررت أن تسافر إلى خارج البلاد من أجل تصوير مسلسل تاريخي، اختطفها في أحد البيوت المهجورة وربط قدميها بسلسلة حديدية حتى لا تستطيع الهروب!
- المهارة الاستثنائية في الظهور بمظهر مثالي: من غير الصحيح الافتراض بأن القتلة المتسلسلين يتجولون في الشوارع وهم يحملون سكيناً، ناهيك بأن علامات الشر لا تنضح من وجوه هؤلاء القتلة ولكن العكس تماماً هو الصحيح، فالقتلة المتسلسلون بارعون على نحو استثنائي في الظهور بمظهر مثالي لدرجة أنهم يصبحون فوق الشبهات ومن ثَمّ يصعب أن تشك في سلوكهم.
وهذا تجسد ببراعة في شخصية سفاح الجيزة؛ حيث كان باراً بأمه ويضع نغمة هاتف دينية ويحبه أهل منطقته جميعهم بسبب أعمال الخير التي يقوم بها. وفي هذا السياق، يوضح أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، هاشم بحري إن القاتل المتسلسل يصعب التنبؤ بسلوكه لأن شخصيته تكون بمنتهى الحرفية والترابط؛ حيث إن وجهه الخارجي خادع للغاية.
اقرأ أيضاً: ما هو اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع؟ وما علاجه؟
لماذا قد يتحول الأشخاص العاديون إلى قتلة متسلسلين؟
حاول علماء الجريمة لعقود من الزمن فهم الأسباب التي تجعل الأشخاص يتحولون إلى قتلة متسلسلين ويرتكبون جرائمهم الفظيعة، وعلى الرغم من أن القتلة المتسلسلين مختلفون للغاية في دوافعهم، فهناك بعض الأسباب التي قد تشرح لنا دوافع هذا التحول؛ ومنها:
- التنشئة الاجتماعية: يشير مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى أن القتلة المتسلسلين مثل البشر كلهم؛ هم نتاج العوامل الوراثية والتربية وتجارب الحياة التي خاضوها والاختيارات التي قاموا بها. وفي هذا السياق، تؤكد أستاذة علم النفس الشرعي والعدالة الجنائية في جامعة ديساليس، كاثرين رامسلاند (Katherine Ramsland) إن تفاعل القتلة المتسلسلين مع بيئاتهم الاجتماعية يختلف من قاتل للآخر، وذلك بناء على اختلاف الدوافع والخلفيات والأعمار والسلوكيات، إلى الاختلافات في علم وظائف الأعضاء والحالة النفسية والتصورات التي تؤثر في التفكير والقرارات؛ حيث يتعامل كل قاتل تعاملاً فريداً مع موقف معين في حياته، فالبعض ينجذب نحو العنف، ويمكن أن يكون هذا عنفاً دفاعياً أو عدوانياً أو ذهنياً أو اضطراباً نفسياً أو رد فعل.
- صدمات الطفولة: يتعرض الكثيرون من القتلة المتسلسلين لنوع من الصدمة في مرحلة الطفولة المبكرة ويكبتون استجاباتهم العاطفية نتيجةً لذلك؛ حيث إنهم لا يتعلمون أبداً الاستجابات المناسبة للصدمة. إنهم يكبرون وهم لا يعرفون كيف "يشعرون"، ويتعلمون بدلاً من ذلك كيفية إظهار ما يعتقدون أنه مشاعرهم، وفي حالة مسلسل "سفاح الجيزة"، فقد تعرض البطل لصدمة كبرى في أثناء طفولته حيث شاهد أمه وهي تقتل والده بوحشية شديدة، وحين كبر، قلّد طريقة أمه في القتل؛ حيث كان يقتل ضحاياه بالغل نفسه الذي شاهد والدته تقتل به أباه.
- انخفاض الاتصال بين اللوزة الدماغية وقشرة الفص الجبهي: يشرح أستاذ علم الصيدلة الجزيئية في جامعة أكسفورد، جون بارينغتون (John Parrington) إن دراسة تصوير دماغ أحد القتلة المتسلسلين توضح إن عقول القتلة المتسلسلين تفتقر إلى الاستجابات العاطفية التي تسمح لهم بالتعرف إلى آلام البشر الآخرين ومعاناتهم. وفي محاولة لتفسير هذا السلوك، اتضح أن هؤلاء القتلة لديهم انخفاض في درجة الاتصال بين اللوزة الدماغية (وهي منطقة في الدماغ تعالج المحفزات السلبية وتلك التي تؤدي إلى ردود أفعال مخيفة)، وقشرة الفص الجبهي التي تفسر استجابات اللوزة الدماغية، وعندما يكون الاتصال بين هاتين المنطقتين منخفضاً، فإن معالجة المحفزات السلبية في اللوزة الدماغية لا تترجم أي مشاعر سلبية قوية؛ وقد يفسر هذا سبب عدم شعور القتلة المتسلسلين بالذنب تجاه أفعالهم، أو عدم شعورهم بالحزن عندما يعاني ضحاياهم.
- الاستعداد البيولوجي للقتل: من المعروف أن السمات الجسدية مثل الشعر أو لون العين، تكون موروثة من الوالدين البيولوجيين، وأحياناً، ينشأ بعض الاضطرابات عن تشوهات وراثية، وحتى الميل إلى العنف قد يكون وراثياً؛ حيث أثبت الكثير من الأبحاث إن ثمة روابطَ بين الوراثة والسلوكيات العدوانية. على سبيل المثال؛ من المعروف أن نقص نشاط جين يسمَّى "الأوكسيديز الأحادي الأمين" (MAOI) يزيد خطر العنف لدى الأفراد الذين عانوا صدمات الطفولة. ووفقاً لأستاذ علم الجريمة، أدريان رين (Adrian Raine)؛ تسهم العوامل البيولوجية والاجتماعية في صنع القاتل، ويؤكد رين في كتابه "تشريح العنف" إن علم الوراثة والبيئة يعملان معاً من أجل الكشف عن تفسير سلوك العنف. وفي السياق نفسه، يعتقد المحلل في مكتب التحقيقات الفيدرالي، جيم كليمنتي (Jim Clemente) إن علم الوراثة يحمل السلاح، وشخصية القاتل المتسلسل تصوبه، وتجارب حياته هي التي تضغط على الزناد.
ما الدوافع وراء القتل المتسلسل؟
يوضح أستاذ علم الجريمة، سكوت بون (Scott Bonn) إن هناك بعض الدوافع للقتل المتسلسل ذكرها مكتب التحقيقات الفيدرالي بإيجاز؛ وهي:
- الغضب: وهو دافع قوي يسلط من خلاله القاتل غضبه تجاه مجموعة فرعية معينة من الأشخاص، وقد يسلط القاتل غضبه تجاه كل من يحاول الوقوف في طريقه مثل ما حدث مع سفاح الجيزة؛ حيث قتل زوجته لأنها تحدثت إليه بأسلوب غير لائق، وقتل خادمة أمه بوحشية شديدة لأنها طالبت بأموالها التي سبق وأخذها منها.
- المكسب المالي: قد يتورط القاتل المتسلسل في جريمة قتل رغبةً منه في الحصول على المكسب المالي، وهذا أيضاً حدث في مسلسل السفاح؛ حيث قام بقتل زوجة أحد أصحاب مصانع الملابس التي كانت على علاقة به واتهم زوجها بقتلها حتى يسيطر على المصنع، وقتل صديقه المقرب بعد أن استولى على أمواله كلها، وحين طالبه صديقه بتلك الأموال قتله على الفور.
- الأيديولوجية: أحياناً قد يكون الدافع لارتكاب جريمة قتل هو تعزيز أهداف فرد أو مجموعة معينة وأفكارها.
- الرغبة في الشعور بالقوة والإثارة: هي دافع يُشعر الجاني بالقوة أو البهجة عندما يقتل ضحاياه؛ حيث إن فعل القتل غايةٌ في حد ذاته.
- الذهان: هو حالة نادرة يعاني فيها الجاني مرضاً عقلياً شديداً ويقتل على وجه التحديد بسبب هذا المرض، وقد تشمل الحالة هلوسة سمعية أو بصرية أو جنون العظمة.
اقرأ أيضاً: ما هي العواقب النفسية والجسدية للعنف المنزلي على الأسرة؟
ما أنماط تفكير القتلة المتسلسلين؟
ينقسم نمط تفكير القتلة المتسلسلين إلى 5 مراحل تتكرر في عملية دائرية؛ وهذه المراحل تشمل:
- مرحلة التفكير المشوه: هي المرحلة النفسية المشتركة بين القتلة المتسلسلين جميعهم، فالقاتل غير قادر على تقييم تأثير الفعل المنحرف تقييماً صحيحاً لأنه يفشل في النظر إلى العواقب ويكون أكثر اهتماماً بالرضا العاطفي الذي يمكن أن ينتج من أفعاله.
- المرحلة التحفيزية: ينتقل إلى هذه المرحلة بسبب حدث واحد أو مجموعة أحداث، تكون حقيقية أو متخيلة، وعادة ما يُنظر إلى الحافز على أنه شيء شخصي، وتُنتج العقلية المشوهة للموضوع استجابة غير متناسبة مع الأحداث.
- مرحلة الرد السلبي الداخلي: في هذه المرحلة، يجب على القاتل أن يتعامل مع مشاعر النقص، وبخاصة عندما تكون ثمة رسائل سلبية من المجتمع المحيط به. وتجسَّد هذا في مسلسل "سفاح الجيزة" حين اتهمت الزوجة بطل المسلسل السفاح بأنه شخص بارد وغير مسؤول ونصاب، وفي هذه اللحظة، وحين واجه السفاح مشاعر النقص، قرر قتل زوجته.
- مرحلة الاستجابة السلبية الخارجية: يشعر القاتل في هذه المرحلة برغبته الجامحة بتأكيد تفوقه كشخص، دون أي نوع من الاهتمام بالعواقب المحتملة لأفعاله الإجرامية، وهنا تأتي مرحلة تنفيذ فعل القتل بعد اتخاذ القرار.
- عملية الاستعادة: عندما يقتل القاتل المتسلسل ضحيته الأولى، يقوم بتفعيل ما يُعرف بـ "الآلية الدورية"، فيدخل في عملية عقلية دائرية معقدة مثل الإدمان؛ ما يدفعه إلى القتل مرة أخرى.
كيف يمكن للقتلة المتسلسلين عيش حياة مزدوجة بهذه السهولة؟
مع عرض الحلقات الأولى من مسلسل سفاح الجيزة، تساءل المشاهدون عبر منصات التواصل الاجتماعي حول قدرته العجيبة على عيش حياة مزدوجة؛ كيف يكون شخصاً متديناً وباراً بأمه ويقوم بالكثير من أفعال الخير وفي الوقت نفسه يقتل بتلك الوحشية؟
في هذا السياق، يرى أستاذ علم الجريمة سكوت بون إن القتلة المتسلسلين يتنقلون بسهولة وبراعة بين الأدواء الاجتماعية بسبب قدرتهم على الانفصال نفسياً عن شخصياتهم المتعددة، وهو ما يعني القدرة على الظهور بشخصيات متناقضة ببراعة منقطعة النظير.
في النهاية، ما يزال العلماء يحاولون فك شيفرة القتلة المتسلسلين، وفي الوقت الذي يؤكد فيه علماء الوراثة إن الأمر برمته استعداد جيني، يجادل علماء النفس ويوضحون إن السبب هو سوء المعاملة في الصغر والهجر والتعرض للإساءة، وعلى الرغم من إثبات كلتا الحجتين خلال الأبحاث، فإن تلك الظاهرة ما زالت تحتاج إلى الكثير من الدراسة.