ملخص: تقول جمانة: "كنت أنتظر حتى ينشغل كل مساء لأفتش جيوبه، ولم يكن في وسعي النظر إلى كل غرض أعثر عليه إلا كدليل على خيانته لي، سواء وجدتُ قلماً جديداً أو بطاقة عمل أو اسماً غير مقروء على ورقة من دفتر يومياته أو أي شيء". وتتابع: "كذلك كنت أراقبه كل صباح بتمعن، وكان أدنى تغيير أو أدنى اهتمام بمظهره كافياً لأقتنع بانه سيقضي اليوم مع امرأة أخرى". حينما تكون الغيرة مرضية فإنها تتحول إلى كابوس، سواء للطرف المصاب بها أو لشريك حياته، فما أسبابها؟ وكيف يمكن التخلص منها؟ هذا ما يوضحه لنا مختصون نفسيون بالتفصيل في المقال التالي.
محتويات المقال
حينما تكون الغيرة مرضية فإنها تتحول إلى كابوس، سواء للطرف المصاب بها أو لشريك حياته، وإن لم تتمكن الأساليب العلاجية المختلفة من شفاء هذه الحالة تماماً فإنها تتيح السيطرة على آثارها السلبية.
ينسج مريض الغيرة قصة تدور حوله بوصفه الشخصية الرئيسية الضعيفة التي "تتعرض" إلى الخيانة الزوجية، وتصبح سلوكات الشريك كلها أدلة بالنسبة إليه على الجريمة التي سيكون ضحية لها، وحتى حينما يبرر الشريك تصرفاته ويثبت براءته فإنه لن يستمع إليه، فصور الخيانة الزوجية التي نسجها في مخيلته هذه تسيطر على ذهنه.
تقول جمانة: "كنت أنتظر حتى ينشغل كل مساء لأفتش جيوبه، ولم يكن في وسعي النظر إلى كل غرض أعثر عليه إلا كدليل على خيانته لي، سواء وجدتُ قلماً جديداً أو بطاقة عمل أو اسماً غير مقروء على ورقة من دفتر يومياته أو أي شيء"! وتتابع: "كذلك كنت أراقبه كل صباح بتمعن، وكان أدنى تغيير أو أدنى اهتمام بمظهره كافياً لأقتنع بأنه سيقضي اليوم مع امرأة أخرى".
ما العلاقة بين الغيرة والجنون؟
يقول الطبيب النفسي المتخصص في العلاج السلوكي المعرفي والمؤلف المشارك مع لوك باتري (Luc Patry) لكتاب "الرغبة في التحسّن" (L’Envie d’aller mieux)، آلان كروتنبرغ (Alain Krotenberg): "الغيرة هي حالة من حالات جنون الارتياب". ويضيف: "يتمسك الشخص المصاب بجنون الارتياب بفكرته، فإذا اقتنعت المرأة أن زوجها سيخونها مثلاً فإن لا شيء سيغير رأيها". لكن حينما تصل معاناة الشخص الغيور إلى حد لا يُطاق ولا يمكن احتماله، فإن ذلك يستلزم استشارة مختص نفسي، وهنا يتوقف الأمر على الأخير ليساعده على إدراك المستوى المرضيّ لغيرته.
ويتابع المختص: "أطلبُ من الشخص المصاب بالغيرة المرضية أولاً أن يسجل شدة مشاعر الغيرة لديه ومدى تواترها بانتظام، قبل أن تهاجمه نوبات الغيرة وفي أثنائها وبعد انتهائها؛ وهو الجانب المعرفي". بعد ذلك، ينتقل المعالج والمريض إلى استخدام أسلوب تقمُّص الأدوار، ويوضح المعالج: "يضع المريض نفسه مكان (ضحيته) وآخذ أنا دوره، ثم نعكس الأدوار، ويسمح هذا النهج السلوكي للمريض بإدراك أوجه المبالغة في تصرفاته وأفكاره؛ كما يمكن للأقارب المشاركة في العلاج من خلال تقمُّص الأدوار".
لن يتمكن أي شخص من إخراج شريك حياته من حالة الغيرة المرضية دون مساعدة؛ إذ يعاني الأخير قلقاً وسواسياً ومتفاقماً لا تمكن السيطرة عليه. تقول سوسن ذات الـ 39 عاماً: "أقسمتُ له مراراً وتكراراً أنني أحبه وأنه لا يمكن لسواه أن يجذبني؛ ولكن دون جدوى"! بعد أن خضعت سوسن للعلاج النفسي بنفسها، طلقت زوجها المصاب بالغيرة المرضية، وتتابع: "لأتجنب الجدال والمشاحنات معه؛ قاطعت أصدقائي جميعهم وتركت عملي، حتى وجدت ذات يوم أنني صرت حبيسة المنزل ولا أجرؤ على فعل شيء وأعاني الاكتئاب".
تقول مختصة العلاقات الزوجية، فيولين باتريسيا غالبير (Violaine-Patricia Galbert): "حتى لو انتهى الأمر بضحية الغيرة المرضية حبيسة المنزل ولم تعد ترى أحداً فإن الزوج الغيور لن يكتفي بذلك؛ إذ قد تصيبه الغيرة من أفكارها أيضاً فيقول لنفسه: لا تبدو سعيدة معي، لا بد أنها تفكر بشخص آخر".
وللتخلص من هذه الأفكار السلبية التي يسميها المختصون "التشوهات المعرفية"؛ فإنه على الشخص الغيور أن يعي مدلولاتها أولاً، وهذا ما يسعى بعض الأساليب العلاجية، ولا سيما التحليل النفسي، إلى الكشف عنه من خلال التركيز على ماضيه. وتوضح مختصة التحليل النفسي دينيس لاشود (Denise Lachaud): "العلاقة مع الأم في الطفولة هي علاقة حب لا يرغب الطفل في مشاركتها مع أيٍّ كان، والغيرة التي تسيطر عليه في حياته العاطفية في الكبر ليست إلا من آثار هذه العلاقة".
كيف يبرر الشخص الغيور دوافعه؟
سيطرت على الصحفي الطبي والمعالج ليو ليدري (Léo Lederrey) غيرة شديدة لمدة 20 عاماً حتى قرر أن يستشير المختصين، وبعد أن خضع لدورات عديدة من علاج الغشطالت والتجدد الروحي والطاقة الحيوية، تمكّن من التخلص من حالته الوسواسية.
وعن ذلك يقول: "تمكنتُ من إدراك سبب غيرتي، فقد ربتني أمي لوحدها إلى أن ظهر أبي مجدداً ذات مرة ليسرق مني حبها، ومنذ ذلك الحين أشعر بأن كل رجل يقترب أكثر من اللازم من امرأة تخصني، يحاول سرقة حبها مني". ويتابع: "إنها صدمة تمثل جزءاً من حياتي، وهي ندبة ستظل موجودة إلى الأبد؛ لكن العلاج مكنني من إدراكها ولذلك لم تعد تؤلمني".
تقول فيولين باتريسيا غالبير: "تعبّر الغيرة قبل كل شيء عن الرغبة في امتلاك الآخر"، وتختفي خلف هذه الرغبة في السيطرة حالة من الاعتماد العاطفي. تقول سوسن: "كان زوجي يحاول تبرير نوبات غيرته بأنه لا يمكنه العيش من دوني، وبأن فكرة البقاء بمفرده ترعبه"، ولذلك يتمحور دور المعالج حول إخراج الشخص الغيور من علاقة التماهي هذه من خلال غرس مبادئ الاستقلالية فيه، وتتابع فيولين باتريسيا غالبير: "الهدف هو تعليمه أن يزدهر وحده دون الآخر الذي يؤدي دور بديل له".
مفتاح العلاج: الثقة بالنفس
من الضروري أن يعمل الشخص الغيور على تعزيز تقدير الذات، فإذا كان يضطرب حينما لا يكون الآخر موجوداً إلى جانبه أو يعتقد على الدوام أنه مهدد بفقدانه لصالح طرف ثالث، فذلك بسبب شعوره بأنه غير جدير بالاحتفاظ به ولا يستحق حبه. وتقول فيولين باتريسيا غالبير: "ولذلك سيكون على الشخص الغيور أن يدرك قوته، والهدفُ أن يتيقن من أنه جدير بالاحتفاظ بالآخر، أو حتى أن حياته لن تنتهي إذا تخلى عنه، وأن لديه ما يكفي من الصفات ليحبه شخص ما من جديد".
وفقاً لليو ليدري، فإن تعلُّم المرء الثقة بنفسه ليتمكن من الوثوق بالآخرين، مهمةٌ صعبة قد تستغرق عاماً أو اثنين أو حتى ثلاثة، ويقول: "في النهاية، لا يتخلص المرء من غيرته ولكنه يتعلم التحكم فيها، وعلى الرغم من غيرتي الشديدة التي كانت تؤدي إلى انفصالي المتكرر فيما مضى، فأنا أعيش الآن مع زوجتي الحالية منذ 10 سنوات تقريباً".
ويتابع: "التحقَتْ للتو في دورة لتعليم اللغة الإسبانية. في الماضي كان رد فعلي التلقائي أن أسألها إلى من تحدثت وإذا كان في فصلها الكثير من الرجال، أما اليوم فبتُّ أتحكم أكثر في نفسي لأنني فهمت أن المشكلة مني وليست منها؛ ليس الأمر سهلاً دائماً لكن على أي حال لم تعد غيرتي تنغص علينا حياتنا".
مَن يغار أكثر الرجل أم المرأة؟
تشير الدراسات إلى أن الغيرة شعور ينتاب الرجال والنساء، ويتساوى الطرفان في مدى تواترها وشدتها لكنهما يختلفان في ردود أفعالهما؛ إذ تقول مختصة العلاج الزوجي أيالا مالاش باينز (Ayala Malach Pines): "في حين يغضب الرجال، فإن النساء يُصبن بالاكتئاب".
ويشير المختص النفسي آلان كروتنبرغ إلى أن الغيرة لدى النساء تكشف عن سلوك هستيري واكتئابي، أما لدى الرجال فتكشف عن شخصية وسواسية ومصابة بجنون الارتياب، والعلاج في هذه الحالة سيكون أصعب.
يرى التحليل النفسي أن الغيرة تمثل رغبة لا واعية في ارتكاب الخيانة، ولأنه لا يحتمل هذه الرغبة فإن الغيور يدافع عن نفسه بنسبها إلى الطرف الآخر، ويصعب تقبُّل آلية الإسقاط هذه والاعتراف بها، فالشخص الغيور لن يعترف بأنه يُسقط رغباته على شريكه؛ كما أن الأخير قد يستنتج في هذه الحالة بأنه الطرف الذي سيكون عرضة للخيانة والذي من حقه أن يغار، وفي هذه الحالة يجب أن يعترف كلاهما بأن هذه الرغبات لا شعورية ومن ثَمّ لا علاقة لها بالواقع.