ملخص: وجدت دراسة جديدة صلة بين الضيق النفسي وأنماط الأكل غير الصحية لدى المراهقين، ما يثير تساؤلاً: هل ثمة ارتباط مماثل لدى البالغين؟ وإن وجد، ما هي شدته؟ نستعرض في هذا المقال العديد من الدراسات حول العلاقة السببية بين الأكل غير الصحي والصحة النفسية، والنتائج التي توصلت لها.
محتويات المقال
- ما المنهجية العلمية التي اعتمدت عليها الدراسة؟
- نتائج الدراسة: توجد علاقة بين العادات الغذائية غير الصحية والضيق النفسي
- ما الرابط بين النمط الغذائي غير الصحي والصحة النفسية للأطفال والمراهقين؟
- هل تؤثر الأغذية غير الصحية على نفسية البالغين؟
- لماذا تؤثر الأطعمة التي تتناولها على الصحة النفسية؟
- تعرف إلى أفضل الأنظمة الغذائية للصحة النفسية
ما تأكله لا يؤثر في جسمك فحسب، بل في عقلك أيضاً. وينطبق هذا خصوصاً على المراهقين الذين يمرّون بمرحلة حاسمة من النمو والتطور. إذ إن العديد منهم يتبعون نمطاً غذائياً غير صحي، وهو ما قد يكون له آثار خطيرة على صحتهم النفسية وفقاً لدراسة حديثة نُشرت في ديسمبر/ كانون الأول من عام 2023، في دورية التقارير العلمية (Scientific Reports).
ما المنهجية العلمية التي اعتمدت عليها الدراسة؟
للبحث حول العلاقة بين الاضطرابات النفسية والنظام الغذائي غير الصحي بين المراهقين؛ اتخذ الباحثون من الضائقة النفسية معياراً لأنها تنذر باضطرابات في الصحة النفسية، بالإضافة إلى تأثيرها في الأداء الأكاديمي للمراهق، والتي قد يكون لها عواقب وخيمة ما لم يتم كشفها مبكراً وعلاجها.
وحلل فريق الباحثين بيانات المسح العالمي للصحة المدرسية (GSHS) من 61 دولة في الفترة ما بين 2009 - 2018. حيث تضم البيانات معلومات مفصلة حول نمط الحياة والعوامل النفسية والديموغرافية الاجتماعية:
- عوامل قياس الضائقة النفسية: هي الميول الانتحارية، والشعور بالوحدة، والقلق ومحاولات الانتحار. حيث اعتبر الباحثون أن من لديه اثنين أو أكثر من الصفات السابقة يعاني من ضائقة نفسية.
- عوامل قياس السلوكيات الغذائية غير الصحية: اعتبر الباحثون أن عدم كفاية تناول الفاكهة، والاستهلاك الأسبوعي للوجبات السريعة، وعدم كفاية تناول الخضار، هي معيار لنمط التغذية غير الصحي.
نتائج الدراسة: توجد علاقة بين العادات الغذائية غير الصحية والضيق النفسي
حلل الباحثون البيانات تحليلاً تلوياً يجمع بين دراسات مختلفة متباينة في حجم التأثير، لتقدير وسطي العلاقة بين العادات الغذائية غير الصحية والضائقة النفسية، فاستنتجوا:
- يعاني مراهق واحد من بين كل 6 مراهقين من أحد أشكال الضيق النفسي.
- انخفاض معدل انتشار الضيق النفسي بين الذكور مقارنة بالإناث، على الرغم من عدم وجود فروقات ذات دلالة إحصائية بين الجنسين في السلوكيات غير الصحية، وهو ما فسره الباحثون بارتفاع معدلات الاعتداء الجنسي والعنف المنزلي والمشكلات الداخلية لدى الفتيات.
- تضمنت الأنماط الغذائية غير الصحية الأكثر انخفاض استهلاك الفواكه والخضروات، وارتفاع استهلاك الوجبات السريعة والمشروبات الغازية.
- لوحظ عدم تجانس واضح في انتشار السلوكيات الغذائية غير الصحية والضيق النفسي باختلاف المناطق الجغرافية والعمر والحالة الاجتماعية والاقتصادية.
- كان الانتشار الأكبر للضائقة النفسية في المنطقة الإفريقية، والذي ربطه الباحثون بانتشار الأمراض مثل الملاريا وفيروس نقص المناعة البشرية (HIV)، وانتهاكات حقوق الإنسان في المنطقة.
اقرأ أيضاً: ما لا تعرفه عن مقاومة الاكتئاب بالغذاء الصحي
ما الرابط بين النمط الغذائي غير الصحي والصحة النفسية للأطفال والمراهقين؟
لم يحدد الباحثون في دراستهم العلاقة السببية بين الضائقة النفسية والسلوكيات الغذائية غير الصحية، لكنهم اقترحوا أن انخفاض الحالة المزاجية قد يدفع للانخراط في سلوكيات غذائية غير صحية، وفي دراسة سابقة، نشرتها المجلة الأميركية للصحة العامة (American Journal of Public Health)، ارتبط النظام الغذائي العالي المحتوى بالسكر المكرر والدهون المضافة، والأطعمة المصنعة والوجبات السريعة، بمشكلات عاطفية وسلوكية أكثر الأطفال والمراهقين. حيث أفادت الدراسة أن هذه الأغذية يمكنها التأثير على الأجزاء المسؤولة في الدماغ عن التعلم والذاكرة، والصحة النفسية.
علاوة على ذلك، وجدت دراسة منشورة في مجلة طب الأطفال (Pediatrics)، أن الأطفال الذين تناولوا كميات أقل من الخضروات والفواكه والأسماك الدهنية وغيرها من الأطعمة المرتبطة بالنظام الغذائي المتوسطي أكثر عرضة للإصابة بأعراض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، عبر آليات غير معروفة حتى الآن.
هل تؤثر الأغذية غير الصحية على نفسية البالغين؟
بالنسبة للبالغين، تباين تأثير الوجبات السريعة والأغذية غير الصحية على الصحة النفسية باختلاف الفئات العمرية، ففي البحث المنشورة في دورية علم الأعصاب الغذائي (Nutritional Neuroscience). أبدى كبار السن استجابة أقل للوجبات السريعة، بينما كان تأثير مضادات الأكسدة الموجودة في الفواكه والخضروات، والتي تحارب الالتهاب، أكثر وضوحاً. أي يمكنهم محاربة القلق والاكتئاب بزيادة الفواكه والخضروات والتقليل من الكربوهيدرات. في المقابل، سجل البالغين الذين تقلّ أعمارهم عن 30 عاماً، والذين تناولوا وجبات سريعة أكثر من 3 مرات في الأسبوع مستويات أعلى من الاضطراب النفسي.
اقرأ أيضاً: كيف يؤثر طعامك في صحتك النفسية؟
لماذا تؤثر الأطعمة التي تتناولها على الصحة النفسية؟
يتصل الجهاز الهضمي مع الدماغ من خلال الخلايا العصبية التي تنقل الرسائل بينهما، والتي قد تتأثر بعاملين وفقاً لباحثي جامعة هارفارد:
- السيروتونين: ينتج الجهاز الهضمي نحو 95% من الناقل العصبي السيروتونين، وهو الناقل المعني بتنظيم النوم والشهية وتحسين المزاج ومنع الألم. وبما أن الجهاز الهضمي مبطن بمائة مليون خلية عصبية، فلا بد أنه لا يساعد على هضم الطعام فحسب، وإنما أيضاً يساعد على توجيه العواطف.
- الميكروبيوم المعوي: يحتوي الجهاز الهضمي على مليارات البكتيريا الجيدة، والتي تؤدي دوراً أساسياً في تعزيز صحتك. يمكن للبكتيريا الجيدة أن تحمي بطانة الأمعاء من البكتيريا الضارة، وتحد من الالتهاب. كما تدعم امتصاص العناصر الغذائية، وتنشط المسارات العصبية بين الأمعاء والدماغ.
تحتوي الوجبات السريعة على نسبة عالية من الدهون المشبعة أو المتحولة، بينما يقل محتواها من الألياف ومضادات الأكسدة، ما قد يؤثر على توازن الميكروبيوم، ويحفز الجهاز المناعي بطريقة تؤدي إلى التهاب مزمن. يرتبط الالتهاب المزمن وفقاً للدراسة المنشورة في المجلة الدولية للعلوم الجزيئية (International Journal of Molecular Sciences) باضطرابات نفسية مثل القلق والاكتئاب.
علاوة على ذلك، يمكن للأغذية غير الصحية أن تحفز إفراز الجسم كميات كبيرة من هرمونات الإجهاد، وفقاً للدراسة المنشورة في دورية إن بي جي لعلوم الأغذية (npj Science of Food) ما يتسبب بتنشيط الخلايا الدبقية والنجمية. ينتج عن هذا التنشيط إطلاق وسطاء الالتهابات، مثل السيتوكينات والكيموكينات، والتي يمكن أن تساهم في التهاب الأعصاب وربما تؤدي إلى تفاقم الاضطرابات العصبية.
اقرأ أيضاً: ما تأثير بكتيريا الأمعاء في اضطراب مزاجك؟ وكيف تحسن عملها؟
تعرف إلى أفضل الأنظمة الغذائية للصحة النفسية
أشار أستاذ علم النفس بجامعة الكويت كامل الفراج، إلى أن معظم النواقل العصبية، مثل الدوبامين والسيروتونين، تتكون من أحماض أمينية، وهي اللبنة الأساسية للبروتينات، لذا فإن نقص البروتينات في النظام الغذائي قد يُضعف الجهاز العصبي ويؤثر على الصحة النفسية. ووفقاً للفراج، فإن الوجبة الغذائية الأنسب للصحة النفسية، هي التي تتكون من:
- بروتينات .
- خضروات وفواكه.
- نشويات، حيث تعد النشويات الغذاء الأساسي للدماغ.
وبالمثل، وضحت الدراسة المنشورة في المجلة الأميركية للطب النفسي (The American Journal of Psychiatry) انخفاض خطر الإصابة بالاكتئاب لدى من يتبع حمية البحر المتوسط بنسبة ما بين 25-35%، مقارنة بمن اتبع نظام غذاء غربي.
وهو ما ربطه الباحثون بكون حمية البحر المتوسط غنية بالخضروات والفواكه والحبوب غير المعالجة والأسماك والمأكولات البحرية، وتحتوي فقط على كميات متواضعة من اللحوم الخالية من الدهون ومنتجات الألبان، وتخلو من الأطعمة المصنعة والمكررة التي تميز النمط الغذائي الغربي.
اقرأ أيضاً: ما الأطعمة التي تحارب الخوف والقلق؟
من الجدير بالذكر أنه وعلى الرغم من أن الدراسات السابقة تثبت وجود علاقة بين الأنماط الغذائية غير الصحية، إلا أنها لا تعني بالضرورة وجود علاقة سببية، ولكن توفر أدلة كافية لإظهار أن سوء الأكل يؤثر على صحتك في مجالات متعددة. في الحقيقية، يمكن أن تكون العلاقة بين الضائقة النفسية وسلوكيات الأكل غير الصحية معقدة وثنائية الاتجاه.