لماذا يفقد البعض قدرته على التعبير عن مشاعره؟ وكيف يتغلب على هذه الحالة؟

4 دقيقة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: العمى العاطفي أو اليكسيثيميا هو صعوبة التعبير عن العواطف أو التعرف إلى مشاعر الآخرين، وقد صيغ هذا المصطلح على يد أستاذ الطب النفسي في كلية هارفارد للطب، بيتر سيفنيوس، ويمكن القول إن العمى العاطفي لا يُصنّف بصفته اضطراباُ نفسياً في الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية. وعلى الرغم من ذلك، غالباً ما يرتبط بحالات الصحة النفسية المختلفة مثل التوحد والاكتئاب، ولا يوجد سبب محدد وواضح للإصابة بالعمى العاطفي؛ لكن يُعتقد أنه قد يحدث لأسباب وراثية أو بسبب صدمات الطفولة، وأحياناً يكون عرضاً لبعض الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب واضطراب طيف التوحد، واضطراب ما بعد الصدمة، ولا يوجد علاج محدد حتى الآن لحالة العمى العاطفي. وعلى الرغم من ذلك، يمكن اللجوء إلى العلاج المعرفي السلوكي والعلاج السلوكي الجدلي، هذا إلى جانب العلاج بالموسيقا والفن؛ لأن المصابين بالعمى العاطفي قد يفضلون التعبير الإبداعي عن التحدث.

تتحكم مشاعرنا في سير يومنا بدرجة كبيرة، فقد يدفعنا الشعور بالإجهاد النفسي إلى التوقف قليلاً عن العمل من أجل التقاط أنفاسنا. وحين نحس بالملل، ربما نتناول قطعة من الكعكة إلى جانب قهوتنا الصباحية اليومية، وأحياناً يجعلنا الحزن نبحث عن طرائق مختلفة للوصول إلى السعادة. وعلى الرغم من ذلك، هناك بعض الأشخاص الذين يواجهون صعوبة بالغة في فهم مشاعرهم والتعبير عنها، وهم غالباً ما يكونون مصابين بالعمى العاطفي أو اليكسيثيميا (Alexithymia)، فما هو سبب هذه الحالة؟ وكيف يمكن التعامل معها؟ الإجابة من خلال هذا المقال.

ما هو المقصود بالعمى العاطفي أو اليكسيثيميا (Alexithymia)؟

صاغ أستاذ الطب النفسي في كلية هارفارد للطب (Harvard Medical School) بيتر سيفنيوس (Peter Sifneos) مصطلح "العمى العاطفي" أو اليكسيثيميا (Alexithymia) في سبعينيات القرن العشرين. وهو مشتق من الكلمات اليونانية "a-" (بمعنى "دون")، و"lexis" (بمعنى "كلمات")، و"thymos" (بمعنى "العواطف أو المشاعر")، ويُقصد به عدم وجود الكلمات اللازمة للتعبير عن المشاعر، أو صعوبة العثور على الكلمات لوصف المشاعر والعواطف.

وفي هذا السياق، يوضح الطبيب النفسي يحيى الحسين إن الأشخاص المصابين بعمى العواطف يجدون صعوبة بالغة في التعبير عن عواطفهم الشخصية أو التعرف إلى مشاعر الآخرين؛ حيث يتساوى عند هؤلاء الأشخاص حضور جنازة أو عرس؛ الأمر الذي يجسد تحدياً كبيراً في العلاقات الاجتماعية.

ولا يُصنّف العمى العاطفي بصفته اضطراباُ نفسياً في الدليل التشخيصي  والإحصائي الخامس للاضطرابات النفسية (DSM-5)، وعلى الرغم من ذلك فهو غالباً ما يرتبط بحالات الصحة النفسية المختلفة مثل التوحد والاكتئاب.

اقرأ أيضاً: تعرّف إلى أساليب إدارة العواطف وكيف يمكن أن تؤثر في حياتك

8 علامات تؤكد الإصابة بالعمى العاطفي؟

لا يعاني الأشخاص المصابون بالعمى العاطفي اللامبالاة؛ لكنهم يجدون صعوبة في التعبير عن مشاعرهم، وتتضمن علامات هذه الحالة ما يلي:

  1. صعوبة تحديد المشاعر التي يحسون بها.
  2. صعوبة تمييز الأحاسيس الجسدية التي تصاحب المشاعر؛ مثل ضيق الصدر عند الغضب.
  3. فقدان القدرة على استخدام المفردات اللغوية اللازمة لوصف المشاعر والتواصل بها مع الآخرين.
  4. أسلوب تفكير منطقي ومتشدد لا يأخذ المشاعر في الحسبان.
  5. مواجهة صعوبات في تحديد تعابير الوجه ونبرات الصوت.
  6. تجنب العلاقات الاجتماعية.
  7. عدم الاهتمام بمشاعر الآخرين.
  8. تجنب المواقف العاطفية أو الحميمة.

تعرف إلى أهم أسباب الإصابة بالعمى العاطفي

الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بالعمى العاطفي غير معروفة؛ لكن هناك بعض العوامل التي يمكن أن تزيد فرص الإصابة به مثل:

1. العوامل الوراثية: قد يكون العمى العاطفي مرتبطاً باختلافات في بنية الدماغ ووظيفته، وخاصة في المناطق التي تشارك في معالجة المشاعر؛ ما يعني أنه قد يكون هناك أساس بيولوجي ووراثي لهذه الحالة.

2. صدمات الطفولة: تسهم الصدمات أو الإساءة في مرحلة الطفولة في تطور العمى العاطفي، وأحياناً يواجه الأطفال الذين يعانون الإهمال العاطفي صعوبة في تعلم كيفية تحديد مشاعرهم والتواصل بها في وقت لاحق من الحياة. على سبيل المثال؛ إذا عوقب الطفل على البكاء أو التعبير عن الحزن، فقد يتعلم قمع هذه المشاعر ويواجه صعوبة في التعرف إليها حين يكبر.

3. المعايير الثقافية: هناك بعض الثقافات التي المعايير التي تثبط التعبير العاطفي. على سبيل المثال؛ في بعض الثقافات، يُعد من غير المناسب التعبير عن المشاعر علانية، وخاصة بالنسبة إلى الرجال.

4. الإصابة بإحدى حالات الصحة النفسية أو الجسدية: يرتبط العمى العاطفي ببعض الحالات النفسية مثل:

  • اضطراب طيف التوحد.
  • اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD).
  • الاكتئاب.
  • اضطراب الوسواس القهري.
  • اضطرابات الأكل.
  • تعاطي المخدرات.
  • اضطرابات القلق.
  • متلازمة توريت (Tourette syndrome).

علاوة على ذلك، قد يتزامن بعض الحالات الطبية مع العمى العاطفي؛ ومن أهم هذه الحالات:

  • مرض آلزهايمر.
  • إصابات الدماغ الرضحية.
  • ارتفاع ضغط الدم.
  • مرض السكري.
  • مرض باركنسون (Parkinson disease).
  • مرض هنتنغتون (Huntington disease).
  • التصلب المتعدد.
  • السكتة الدماغية.
  • الصرع.

كيف تكون الحياة مع العمى العاطفي؟

يُعطّل العمى العاطفي، في جوهره، التفاعلات اللازمة بين عواطف الفرد إدراكه وسلوكه؛ الأمر الذي يؤدي إلى فهم غير متماسك لعالمه الداخلي، على الجانب الآخر يسبب العمى العاطفي مجموعة من التحديات الكبرى في حياة المصابين به؛ بداية من صعوبة تكوين العلاقات مع الآخرين التي تؤدي إلى تفاقم مشاعر الوحدة والعزلة، مروراً بالانفصال العاطفي وتقليص القدرة على الوعي الذاتي والتأمل، وانتهاءً بعدم القدرة على التعامل مع مشكلات الحياة اليومية ما يصعّب تحديد الأسباب الجذرية للتوتر والقلق أو التعامل معهما على نحو فعال.

وقد يعاني هؤلاء الأفراد أيضاً مستويات مرتفعة من القلق والاكتئاب في أثناء معركتهم مع شعورهم بالانفصال العاطفي، ويمكن أن تتفاقم مشاعر القلق والاكتئاب من جراء الإحباط الناجم عن عدم القدرة على التواصل مع مشاعرهم الخاصة، أو مشاعر الآخرين.

ما هي الطرائق الممكنة لعلاج العمى العاطفي؟

لا يوجد علاج محدد للعمى العاطفي، وعلى الرغم من ذلك، هناك بعض الطرائق التي يمكن أن تسهم في التعامل معه؛ وذلك مثل:

  1. تحديد المشاعر باستخدام الإشارات البصرية: أحد التحديات الأساسية الذي يواجهه الأفراد المصابون بالعمى العاطفي هو تحديد مشاعرهم والتعبير عنها. وفي هذه الحالة، يمكن استخدام الإشارات البصرية من أجل سد هذه الفجوة، وعادة ما تتجسد الإشارات البصرية في:
  • الملصقات التي تعرض تعبيرات الوجه المرتبطة بمشاعر مختلفة.
  • استخدام نموذج عجلة المشاعر من أجل تدريب المصابين على اختيار الكلمات المناسبة للمشاعر.
  1. تطوير الوعي العاطفي: يعد تطوير الوعي العاطفي جانباً مهماً من جوانب التعامل مع العمى العاطفي، وهو يتضمن فهم المشاعر والتعرف إليها. قد يبدو الأمر مرهقاً في البداية؛ ولكن هناك خطوات يمكنك اتخاذها لتعزيز الوعي العاطفي مثل:
  • تدوين اليوميات: يمكن الاحتفاظ بمذكرة من أجل تدوين الأفكار والمشاعر على مدار اليوم، ومن خلال تتبع تلك المشاعر يمكن تحديد الأنماط المتكررة واكتساب نظرة ثاقبة في اكتشاف المشاعر، خاصة إذا كان العمى العاطفي نتيجة للإساءة أو الصدمة.
  • الإنصات إلى الآخرين: عند الانخراط في محادثات مع الآخرين يجب التركيز على فهم مشاعرهم ووجهات نظرهم وذلك من أجل تطوير المفردات العاطفية.
  1. العلاج المعرفي السلوكي (CBT): الذي يركز على تحديد أنماط التفكير والسلوكيات السلبية ويحاول تغييرها.
  2. العلاج السلوكي الجدلي (DBT): يساعد هذا النوع من العلاج الأشخاص على تعلم التنظيم العاطفي والمهارات الاجتماعية، وقد يكون مفيداً لتحسين العمى العاطفي.
  3. العلاج المرتكز على المشاعر (EFT): هو نوع متخصص من أنواع العلاج النفسي يستهدف الصعوبات العاطفية ويعزز النمو العاطفي. ويهدف العلاج المرتكز على المشاعر مساعدة الأفراد على فهم مشاعرهم وإدارتها من خلال استكشاف الأسباب الكامنة وراء التحديات العاطفية. وفي هذا السياق، يوضح استشاري العلاج الأسري محمد القرني إن العلاج المرتكز على المشاعر يتكون من 3 عوامل مهمة؛ وهي:
  • كيف تتكون المشاعر.
  • أهمية المشاعر في التفاعل الإنساني.
  • كيف ترتبط المشاعر بالأفكار والسلوك.
  1. العلاج بالفن والموسيقا: يمكن أن تساعد العلاجات الإبداعية؛ بما فيها العلاج بالفن والموسيقا، شخصاً يعاني العمى العاطفي؛ حيث يجد بعض الأشخاص أنهم تُمكنهم الاستفادة على نحو أفضل من حالاتهم العاطفية من خلال التعبير الإبداعي بدلاً من التحدث.