النسب مقلقة! ما الذي كشفته أحدث الدراسات عن العلاقة بين التوتر وأمراض القلب؟

4 دقائق
الإصابة بأمراض القلب
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: مهدي أفشكو)

ملخص: قد يكون التوتر على المدى القصير مفيداً ويساعد على النجاة من الخطر؛ لكن في المقابل، إذا استمر التوتر مدة أطول من اللازم، فقد يؤثر سلباً في الصحة الجسدية والنفسية. في الواقع، أظهرت الأبحاث العلمية الحديثة أن التوتر المزمن قد يُفاقم خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.

يؤكد أستاذ علم النفس المساعد بجامعة أم القرى السعودية، نايف عشق العصيمي، إن الصحة النفسية الجيدة هي القدرة على مواجهة الأزمات والتوافق النفسي والاجتماعي والشعور بالسعادة والرضا، وإن العلاقة بين الصحة النفسية والصحة الجسدية علاقة قوية؛ إذ تُظهر الدراسات الحديثة أن الأشخاص الذين يعانون التوتر المزمن أو القلق أو الاكتئاب يكونون أكثر عرضة إلى الإصابة بالمشكلات القلبية.

وتبرز هذه الدراسات بوصفها أدلة إضافية تدعم العلاقة بين الصحة النفسية وصحة القلب؛ إذ توضح كيف يمكن لتردي الصحة النفسية أن يفتح المجال أمام تفاقم خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. فما الذي توصلت إليه هذه الدراسات على وجه التحديد؟ إليك التفاصيل.

تمهيد للفهم: ما العلاقة بين التوتر وأمراض القلب؟

وجدت النسخة الأولية من دراسة منشورة في مجلة ميد آر إكس آي في (medRxiv) في يناير/كانون الثاني عام 2023، نفذتها مجموعة من الباحثين بقيادة أستاذ كلية الطب في جامعة تكساس (The University of Texas)، إيجوما إليازو (Ijeoma Eleazu)، أن التوتر المزمن يرتبط بقوة وعلى نحو ملحوظ بخطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية.

وقد بينت النتائج أن التوتر المزمن الناتج من عوامل نفسية أو اجتماعية أو مالية أو مزيج منها يزيد خطر الإصابة بتصلب الشرايين بنسبة 22%، وخطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية بنسبة 20%؛ بما فيها قصور القلب وأمراض الشريان التاجي.

ولُوحظ أن نسبة التأثر كانت أكبر عند النساء، وعند الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و45 عاماً، والأشخاص ذوي الدخل المنخفض ومستويات التعليم المنخفضة، والأفراد الذين يعانون بسبب العنصرية. يُذكر أن الدراسة شملت تقييم بيانات 2,685 شخصاً بالغاً لم يعانِ أيّ منهم أمراض القلب والأوعية الدموية، واستمرت الدراسة في متابعة المشاركين مدة 12 سنة.

وقد تطابقت هذه النتائج مع نتائج دراسات أُخرى؛ إذ وجدت دراسة منشورة في مجلة جاما نتورك (JAMA Network) عام 2021، وشملت 118,706 أشخاص لم تسبق لهم الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية في 21 دولة، أن ارتفاع مستويات التوتر يرتبط بخطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، ومرض القلب التاجي، والسكتة الدماغية، والوفاة.

كما وجدت مراجعة علمية منشورة عام 2018 في مجلة الكلية الأميركية لأمراض القلب (Journal of the American College of Cardiology)، أن التوتر قد يكون عامل خطر للإصابة باعتلال عضلة القلب، وهو مرض يسبب ضعف عضلة القلب.

ويمكن القول إن العديد من حالات الصحة النفسية قد تؤثر سلباً في صحة القلب والأوعية الدموية؛ إذ وجدت دراسة أخرى منشورة في مجلة سيركوليشن (Circulation) في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2023، أن القلق والاكتئاب يسرعان معدل اكتساب عوامل الخطر المرتبطة بأمراض القلب والأوعية الدموية الكبرى (النوبة القلبية والسكتة الدماغية) بنحو 35%؛ إذ أُصيب ما نسبته 38% من المشاركين في الدراسة ممن يعانون هذه الحالات النفسية بعامل خطر يرتبط بتطور أمراض القلب والأوعية الدموية؛ مثل ارتفاع ضغط الدم، أو داء السكري من النوع الثاني، أو ارتفاع نسبة الكوليسترول، وذلك قبل 6 أشهر بالمتوسط من الأشخاص الذين لم يعانوا الاكتئاب أو القلق.

ويقترح الباحثون أن الاكتئاب والقلق قد يحفزان تغيرات معينة في الدماغ تؤدي إلى تأثيرات سلبية في الصحة الجسدية؛ مثل زيادة الالتهاب وترسيب الدهون. وبناء على هذه النتائج، شجع مؤلف الدراسة الرئيسي، جيوفاني سيفييري (Giovanni Civieri)، الأشخاص الذين يعانون القلق أو الاكتئاب، على الخضوع إلى فحوص متكررة بغية تقصي عوامل الخطر التي ترتبط بالأمراض القلبية الوعائية، سواء أكانت ارتفاع ضغط الدم، أم ارتفاع نسبة الكوليسترول، أم السكري من النوع الثاني. جدير بالذكر أن الدراسة شملت جمع بيانات 71,262 شخصاً بالغاً وتحليلها خلال فترة امتدت بين عامَيّ 2010 و2020.

كيف يؤثر التوتر المزمن في صحة القلب؟

يُعزى تأثير التوتر المزمن في صحة القلب إلى تأثيره المباشر في الصحة الجسدية؛ إذ يسبب التوتر المزمن ارتفاعاً مستمراً في مستويات بعض الهرمونات مثل الكورتيزول والإبينفرين والنورإبينفرين؛ ما يؤثر في مستويات السكر في الدم، وزيادة الالتهابات، وإطلاق العديد من التفاعلات البيولوجية الأخرى التي تؤثر سلباً في صحة القلب.

بالإضافة إلى أن التوتر المزمن قد يدفع الأشخاص إلى تبني بعض السلوكيات السيئة؛ مثل التدخين أو الخمول أو الإفراط في تناول الطعام أو عدم تناول الأدوية الموصوفة؛ ما ينعكس سلباً على صحة القلب والأوعية الدموية. ويمكن القول إن تراكم الضغوط اليومية قد يزيد خطر الاصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية؛ وهذا يشمل:

  • التوتر المتصور: وهو مستوى التوتر الذي تعتقد أنك تتعرض إليه حالياً بغض النظر عن السبب. وقد ارتبطت المستويات العالية من هذا التوتر بأمراض القلب التاجية والوفيات المرتبطة بها.
  • التوتر الناجم عن العمل: ارتبط التوتر المرتبط بالعمل أو مكان العمل بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأمراض الدموية بنسبة 40%.
  • العزلة الاجتماعية: زاد كل من العزلة الاجتماعية والشعور بالوحدة خطر للإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية؛ مثل الأزمة القلبية أو السكتة الدماغية، بنسبة 50%.
  • التوتر في مرحلة الطفولة: ارتبط التعرض إلى أحداث مرهقة أو مؤلمة في مرحلة الطفولة بمستويات أعلى من الالتهاب وزيادة الإصابة بعوامل الخطر التي تُفاقم خطر الإصابة بأمراض القلب في وقت لاحق من الحياة.

7 إرشادات لرعاية صحتك النفسية وتقليل خطر الإصابة بأمراض القلب

قد يكون لتحسين الصحة النفسية تأثير إيجابي في صحة القلب والأوعية الدموية، وإليك كيف تقلل توترك وتعزز صحتك النفسية:

  • مارس الرياضة بانتظام، فهي تفيد صحتك النفسية وصحة قلبك. ضع هدفاً بممارسة التمرينات الرياضية لمدة 30 دقيقة على الأقل في معظم أيام الأسبوع.
  • اتبع نظاماً غذائياً صحياً ومتوازناً مع شرب الكثير من الماء.
  • احصل على قسط كافٍ ووافٍ من النوم لا يقل عدد ساعاته عن 7 ساعات ليلاً.
  • تعلم ممارسة تقنيات الاسترخاء؛ مثل تمرينات التنفس العميق، والتأمل، واليوغا، والتدليك، واليقظة الذهنية، والعلاج العطري؛ لأن من شأنها أن تخفف التوتر وتساعد على خفض ضغط الدم ومعدل ضربات القلب.
  • احرص على الانخراط في الأنشطة التي تستمتع بها، فاستمع إلى الأغاني، أو ارقص، أو شاهد فيلماً، أو مارس هواية.
  • تواصل مع الأصدقاء والعائلة الذين يقدمون الدعم العاطفي والمساعدة العملية، وابتعد عن الأشخاص السلبيين.
  • اطلب مساعدة المختص النفسي في حال الشكوى من أعراض لا تستطيع التعامل معها.

المحتوى محمي