ملخص: من المعروف أن الاضطرابات النفسية والعصبية تعوق حياة المرضى وتمنعهم من مزاولة أنشطة الحياة اليومية. وفي بعض الحالات، لا يستجيب المرضى إلى للعلاج النفسي والعصبي أو يحدث لهم الكثير من الأعراض الجانبية. في هذه الحالة، يمكن اللجوء إلى العلاج عبر التحفيز العميق للدماغ؛ حيث أُجريت جراحة لزراعة شريحة دماغية لمريضة أميركية كانت تعاني الصرع والوسواس القهري، وبعد الخضوع إلى الجراحة، تحسنت حالتها كثيراً، وإليكم التفاصيل الكاملة في هذا المقال.
محتويات المقال
اعتادت المريضة الأميركية آمبر بيرسون (Amber Pearson) أن تغسل يديها حتى تنزف، كما كانت ترتعب من فكرة تناول الطعام مع الآخرين خارج المنزل خوفاً من التقاط العدوى. وطوال يومها، كانت ترزح تحت ضغط اضطراب الوسواس القهري (OCD) ونوبات الصرع؛ ولكن هذا الوضع تغير تماماً بعد أن خضعت بيرسون إلى عملية زراعة جهاز كهربائي صغير يبلغ قطره 32 ملم في دماغها. وتُستخدم هذه التقنية من أجل التحفيز العميق للدماغ أملاً في أجل علاج نوبات الصرع واضطراب الوسواس القهري، وإليكم التفاصيل الكاملة لهذه العملية الجراحية.
ما هو التحفيز العميق للدماغ (DBS)؟
التحفيز العميق للدماغ (Deep brain stimulation) علاج يتضمن زرع جهاز يوصل تياراً كهربائياً مباشرة إلى مناطق معينة في الدماغ، ويعمل هذا التيار على تحسين جودة عمل تلك المناطق؛ حيث تحفز الكهرباء الموجودة في هذا التيار خلايا الدماغ؛ ما يساعد على تخفيف أعراض الكثير من الحالات الطبية. وعادة ما يصل التيار الكهربائي إلى الدماغ من خلال سلك واحد أو أكثر متصل بجهاز صغير مزروع تحت الجلد بالقرب من عظم الترقوة.
اقرأ أيضاً: ما التغيير الذي يحدثه الحزن الشديد في دماغك؟وكيف تخفف حدته؟
كيف تُجرى عمليات التحفيز العميق للدماغ؟
يستخدم الأطباء التحفيز العميق للدماغ من أجل علاج اضطرابات الحركة أو الحالات النفسية العصبية، وذلك عندما تصبح الأدوية أقل فعالية أو إذا كانت آثارها الجانبية تتداخل مع الأنشطة اليومية للشخص المريض. وقبل الخضوع إلى العملية، يطلب الطبيب المعالج من المريض تصويراً مفصّلاً بالرنين المغناطيسي (MRI) وتصويراً مقطعياً محوسباً (CT) للدماغ، من أجل تحديد الموضع الأفضل لوضع الجهاز.
بعد ذلك، يخدّر جراح الأعصاب المريض موضعياً لأنه يجب أن يكون مستيقظاً في أثناء الجراحة، وذلك قبل عمل شق صغير في رأسه. بعدها، تأتي مرحلة زرع سلك واحد أو عدة أسلاك داخل الدماغ. وبينما يفعل ذلك، سيطلب من المريض إجابة العديد من الأسئلة، أو قراءة الصور، أو النظر إليها، أو تحريك ذراعيه وساقيه ويديه وقدميه بطرائق معينة، من أجل التأكد أن الجهاز مزروع في المكان الصحيح. بعد أسابيع قليلة من إجراء العملية، يبرمج الطبيب الجهاز لتوصيل الإشارة الكهربائية. قد تستغرق عملية البرمجة هذه أكثر من زيارة واحدة على مدار أسابيع أو أشهر لضمان ضبط التيار على نحو صحيح وتقديم نتائج فعالة. في أثناء ضبط الجهاز، يسعى الطبيب إلى تحقيق التوازن الأمثل بين تحسين التحكم في الأعراض والحد من الآثار الجانبية.
وفي هذا السياق، يوضح أستاذ جراحة الأعصاب في جامعة كاليفورنيا (The University of California)، إدوارد تشانغ (Edward F. Chang)، إن زرع الجهاز الكهربائي في مناطق مختلفة من الدماغ يساعد على تسجيل البيانات العصبية. ومن خلال تحليل أنماط التفاعل بين مناطق الدماغ المعروفة بتورطها في الأمراض النفسية والعصبية، يمكن الحصول على نظرة أكثر تفصيلاً حول موضع الخلل، وبعد ذلك تأتي مرحلة تطوير التكنولوجيا لتصحيح ذلك الخلل.
ويعتقد أستاذ الطب النفسي في جامعة كاليفورنيا، فيكاس سوهال (Vikaas Sohal)، إن هناك ملايين المرضى النفسيين، الذين يجدون صعوبة في الاحتفاظ بوظائفهم أو إنجاز مهماتهم اليومية؛ لأنهم يعانون باستمرار بسبب أعراض أمراضهم. ولهذا؛ يأمل الباحثون في أن يساعدهم هذا الاختراع على عيش حياة أفضل.
اقرأ أيضاً: الارتجاع البيولوجي: تقنية نفسية جديدة يمكنها تخفيف آلامك
9 اضطرابات نفسية وعصبية يمكن علاجها بالتحفيز العميق للدماغ
توجد مليارات الخلايا العصبية في دماغ كل إنسان، وتتواصل هذه الخلايا بعضها مع بعض باستخدام الإشارات الكهربائية والكيميائية. ويوضح طبيب جراحة المخ والأعصاب، حسين درويش، إن هناك بعض الحالات التي تجعل الخلايا العصبية في أجزاء مختلفة من دماغك أقل نشاطاً. وحين يحدث ذلك، فإن تلك الأجزاء من دماغك لا تعمل على نحو جيد، وهنا تحدث الاضطرابات النفسية والعصبية. ويمكن للتحفيز العميق للدماغ علاج العديد من الاضطرابات النفسية والعصبية؛ مثل:
- خلل التوتر العضلي.
- داء باركنسون.
- اضطراب الوسواس القهري المقاوم للأدوية.
- آلزهايمر.
- اضطرابات الأكل.
- الصداع العنقودي.
- القلق.
- الاكتئاب الشديد المقاوم للأدوية.
- متلازمة توريت.
ما التأثير الذي لمسته المريضة الأميركية بعد إجرائها هذه العملية؟
خضعت المريضة الأميركية آمبر بيرسون إلى عملية زراعة جهاز في الدماغ من أجل علاجها من نوبات الصرع واضطراب الوسواس القهري. وأوضح جراح الأعصاب المصري الأميركي الذي أجرى العملية، أحمد رسلان، إن عمليات التحفيز العميق للدماغ ليست حديثة العهد، فقد سبق وأُجريت للأشخاص الذين يعانون الوسواس القهري؛ ولكن هذه هي المرة الأول التي يُدمج فيها الصرع في عملية العلاج.
وقد حاول الأطباء معرفة ما يحدث بالضبط داخل دماغ بيرسون عندما تقع في دائرة الهوس؛ حيث عُرّضت إلى الضغوط التي تزعجها، وبعد ذلك سُجّلت العلامات الكهربائية، وبهذه الطريقة، تمكنوا من عزل نشاط الدماغ المرتبط بالوسواس القهري على نحو فعال. وبعد الجراحة، كان الجهاز الثنائي البرنامج يراقب نشاط الدماغ المرتبط بالصرع والوسواس القهري.
ويؤكد رسلان إن هذا الجهاز هو الوحيد في العالم الذي يعالج الحالتين، وهو مبرمج على نحو مستقل؛ لذا فإن برنامج الصرع يختلف عن برنامج الوسواس القهري. وأضاف رسلان إن هناك دراسة بحثية تُجرى الآن في جامعة بنسلفانيا (The University of Pennsylvania) لمعرفة كيف يمكن تطبيق هذه التقنية على نطاق أوسع؛ ما يوفر أملاً كبيراً لكل المرضى في المستقبل.
وفيما يخص حالة بيرسون الصحية، فقد شرح رسلان إن حالتها تحسنت بعد مضي 8 أشهر من زراعة الجهاز، وبدأت الأعراض التلاشي بالتدريج؛ فبعد أن كانت بيرسون تقضي 9 ساعات يومياً في غسل يديها، أضحت تقضي 30 دقيقة في اليوم، واختفى خوفها من تناول الطعام بصحبة الآخرين في الخارج تماماً؛ حيث أكدت بيرسون قائلة: "أنا سعيدة مرة أخرى ومتحمسة للعيش والخروج مع أصدقائي وعائلتي بعد أن انقطعت عن هذا الأمر لسنوات".