ملخص: مع انتشار أسلوب العلاج بركوب الخيل أصبح الحصان حليفاً قوياً لبعض المعالجين النفسيين من أجل تخفيف آلام المرضى، وأضحى هذا الأسلوب العلاجي مصدر راحة للجسد عموماً، وللنفس خصوصاً.
تستلقي ليلى وسط مضمار الخيل، تتنفس بهدوء وعيناها مغمضتان، متكئة على ردف فرسها القزم ديمة. تدلّي ساقيها على جانبَيّ المهرة الرمادية اللون. يهمس المعالج النفسي نيكولا إيموند (Nicolas Emond) في أذنيها وهو يقف إلى جانبها قائلاً: "فكّري في موقف تشعرين فيه أنك بخير تماماً، ثم سجّلي ذلك في ذاكرتك، ويمكنك استخدام هذه الصورة الذهنية في حياتك اليومية باعتبارها مورداً لتجديد طاقتك".
بعد أن عاش منذ طفولته منغمساً في عالم الخيول، شارك هذا الطبيب النفسي في تأسيس الشركة الفرنسية للعلاج بركوب الخيل. فما هو هذا النوع من العلاج؟ إنه التكفّل العلاجي بشخص مريض بواسطة الحصان.
الحصان معلّم للنفس والقلب
كان الفيلسوف اليوناني كسينوفون (Xénophon) يقول في القرن الخامس قبل الميلاد: "الحصان معلم بارع، ليس للجسد فقط بل للنفس والقلب أيضاً". ويسعى العلاج بركوب الخيل إلى مداواة الأمراض النفسية مثل التوحد والانفصام والاضطرابات النمائية والاكتئاب والشعور بالضيق إلى غير ذلك.
تعاني أمل البالغة من العمر 45 عاماً من اضطراب ثنائي القطب، وكانت تزور الطبيب النفسي وطبيب الأمراض النفسية منذ 8 سنوات عندما اكتشف الأطباء إصابتها بسرطان الثدي، وشكّل هذا التشخيص لحظة تحوّل في حياة هذه المريضة التي كانت ترغب منذ فترة طويلة في تجربة العلاج بركوب الخيل.
تروي أمل تجربتها قائلة: "كنت أشعر أنني أدور في حلقة مفرغة مع العلاجات التقليدية، وأنني لم أعد أحرز أي تقدم، والأجمل في هذه التجربة العلاجية داخل الإسطبل أنها كانت غير مألوفة، وأعتقد بصراحة أنني كنت في حاجة إلى الطريقتين معاً".
يعمل العلاج بركوب الخيل بتنسيق مع المهن الطبية والاجتماعية وأشكال العلاجات الأخرى ليقترح إطاراً علاجياً مختلفاً أكثر حيوية ومرحاً، وأقل إثارة للقلق من عيادات الأطباء النفسيين.
وفي هذا الإطار، تابع نيكولا إيموند حالة الطفل الصغير جاد المصاب بحبسة سببت له اضطراباً خطِراً في القدرة على الكلام، ومع اتصاله المستمر بفرسه القزم اكتسب جاد تدريجياً ثقته بنفسه.
يحكي المعالج بركوب الخيل عن هذه التجربة قائلاً: "لقد استطاع جاد الذي كان قد فقد القدرة على النطق تماماً التحدث إلى فرسه، وأصبح يحدثني عن يومياته وعن عائلته وغير ذلك من الموضوعات، وأصبحت لديه رغبة في القدوم إلى المضمار من أجل التدرّب، وفي النهاية لم يعد يعاني أيّ مشكلة في التواصل". وبعد بلوغه سن 11 عاماً، عاد جاد للدراسة في مدرسة عادية.
الحصان مقياس للعواطف
هل يتحوّل أنبل ما دجّنه الإنسان؛ كما يقول الكاتب والمتخصص في العلوم الطبيعية، بوفون (Buffon)، إلى معالج نفسي؟ يوضح نيكولا إيموند ذلك: "الحصان لا يشفي؛ بل الإطار الذي يوظَّف فيه هو الذي يساعد على الشفاء، أي المريض الذي يرافقه معالج نفسي، والحصان ليس سوى وسيط في هذه العلاقة". إنه أداة مثل أوراق اللعب المستخدمة في الطب النفسي الإدراكي أو الأصوات في طريقة العلاج بالموسيقا؛ إلا أن للحصان ميزة حقيقة باعتباره مقياساً للعواطف، ومرآة تعكس ما يشعر به المريض.
ونظراً لأنه كان يمثل فريسة في وسطه الطبيعي قبل التدجين؛ طوّر الحصان قنوات شعورية جد متقدمة، تجعله قادراً على فهم كل ما يدور حوله. ويفسر نيكولا إيموند ذلك قائلاً: "يساعدنا الحصان على قراءة ما يدور في نفسية المريض، فعندما يشعر بالخوف أو الرضا، قد لا يتمكن المعالج النفسي من فهم ذلك فوراً؛ لكن الحصان يستطيع ذلك ثم يتفاعل معه، ويستطيع المعالج بدوره أن يفهم ما يحدث للحيوان".
منذ سنتين، تفرغت الحاصلة على شهادة في الطب النفسي، كارين مارتان (Karine Martin) للعلاج بركوب الخيل، فهي ترى أن حضور الحصان يسمح للعلاج النفسي بإحراز تقدم أسرع مما يحدث في الإطار العلاجي التقليدي. تقول كارين: "الحصان حيوان أصيل جداً، ولديه نظرة بريئة، فهو يتقبّل الناس كما هم. ولا يمكننا أبداً خداعه، ولا ربط علاقة معه إذا لم نكن على طبيعتنا".
الحصان رمز أمومة وأبوّة
في أول جلسة علاجية لها، طلب نيكولا إيموند من ليلى أن تجد طريقة للتواصل مع ديمة، وكانت ليلى أماً تعاني مشكلات في فرض سلطتها على أبنائها. وتمثّل التمرين الذي خضعت له في قيادة الفرس القزم دون الأخذ بزمامها حتى تمرّ عبر قضبان حديدية صفراء ومتوازية موضوعة على الرمال، في مواقع مختلفة داخل مضمار الخيل. وبعد عدة محاولات فاشلة، بدأ التواصل ينجح شيئاً فشيئاً بين ليلى وديمة.
وتتكون جلسة العلاج بركوب الخيل عموماً من 3 مراحل كبرى:
- التدرّب مع الحصان قبل ركوبه من خلال توجيهه وفهم ردود أفعاله.
- استمالة الحصان بتنظيفه ومشط شعره؛ ومن ثم تعلّم العناية بالآخر.
- التدرّب مع الحصان من خلال ركوبه والخضوع لبعض تمارين التوازن والاسترخاء وتبادل الأدوار. ولا تعد أي مرحلة من هذه المراحل إجبارية، ولا سيما مرحلة الركوب. والمغزى من وراء هذا كله هو تلك الرمزية المزدوجة التي يجسدها الحصان وفقاً لتحليل كارين مارتان: "فهو يجسد الأمومة والأبوّة في الوقت نفسه؛ إنه كائن ودود وناعم الملمس، بجسد ممتلئ من الجوانب كلها، يحملك على ظهره ليتجول بك بطريقة مريحة جداً تذكّر بهدهدة الأم لرضيعها. وكذلك فإنه حيوان قوي يتسم باندفاعه وعنفوانه وقواعد التعامل الخاصة به".
إنه حيوان كثيراً ما يثير الإعجاب، وهذا ما شعرت به لينا التي كانت خلال جلساتها العلاجية الأولى تجد صعوبة في الاستئناس بفرسها سيرين، ولم يكن من الممكن بالنسبة إلى لينا التي تمتلك اليوم حصاناً خاصاً بها أن تتعافى دونها. تقول عن تجربتها: "هذه الجلسات كلها ساعدتني على استعادة الثقة بالنفس، واستيعاب أن مصيري بيدي وحدي". هذا هو العلاج بركوب الخيل، أو ما يمكن أن نسمّيه "وضع القدم في الرّكاب".
اقرأ أيضاً: 5 فوائد نفسية لممارسة ركوب الخيل تعرّف إليها.