تُعد الدلافين كائنات ودودة ومبهجة بكل تأكيد. قد يعتبر البعض رؤيتها أو السباحة معها من أروع المغامرات الممكنة، فهي تتسم بالذكاء والانفتاح والتواصل الحسي مع البشر، ويعتقد العديد من العلماء اليوم أنها من أكثر الثدييات البحرية ذكاءً. لا تشتهر الدلافين بهذا فقط؛ بل يؤمن الكثيرون بتأثيرها المهدئ والشفائي في البشر واستُخدمت في تقديم العلاجات للمصابين بالاكتئاب والأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة والمصابين بالتوحد. فهل يمكن أن يقدم العلاج بالدلافين أملاً لبني الإنسان في معالجة بعض الأمراض والإعاقات المستعصية؟ هذا بالضبط ما سنعرفه في هذا المقال.
يساعد العلاج بالدلافين على تخفيف أعراض القلق والاكتئاب
يُعتبر العلاج بمساعدة الدلافين (Dolphin Assisted Therapy) تطوراً حديثاً نسبياً في مجال رعاية الصحة العقلية والنفسية، وهو نوع من العلاجات عن طريق السباحة مع الدلافين، ويُستخدم للأشخاص الذين يعانون من اضطرابات عقلية أو جسدية كشكل من أشكال العلاج.
رغم أن عالم هذه الكائنات كان مثيراً للعلماء منذ فترة طويلة، فقد اشتهر الطبيب النفسي والكاتب وعالم الأعصاب الأميركي جون ليلي المعروف بأنه كان خبيراً للتواصل بين البشر والدلافين، باكتشاف هذه التقنية في الخمسينيات من القرن الماضي؛ حيث وجد أن هذه الكائنات لها تأثير مهدئ في البشر ويمكن أن تساعد الأشخاص المصابين بالاكتئاب والقلق.
تم تطوير هذه التقنية لاحقاً وبالتحديد في السبعينيات بناءً على نظرية جون ليلي الذي كان مهووساً بأساليبه الغريبة في دراسة الدلافين والتواصل بين الأنواع البيولوجية؛ ولكن عمله ألهم جيلاً من العلماء وشجّعهم على دراسة الثدييات البحرية وتأثيراتها في البشر.
تأتي نظرية القدرات العلاجية للدلافين بناءً على كونها تصدر الموجات فوق الصوتية، وهي موجات ذات ترددات أعلى من نطاق السمع البشري ويمكن أن تؤثر في جسم الإنسان تبعاً للشدة والتردد.
ويتم استخدام الموجات في العلاجات الطبية لأمراض مثل الروماتيزم وسحق حصى الكلى وفي التهابات الجيوب الأنفية؛ ولكن لا توجد دراسات علمية كثيرة تؤكد القيمة العلاجية للموجات فوق الصوتية التي تصدرها الدلافين في علاج الاضطرابات النفسية والعقلية.
التفاعل مع الدلافين يمكن أن يساعد الأطفال المصابين بالتوحد
كانت بداية الترويج لبرامج السباحة مع الدلافين لمساعدة الأطفال المصابين بالتوحد في سنة 1971، حين سمحت عالمة الأنثروبولوجيا التربوية بيتسي سميث (Betsy Smith) لشقيقها من ذوي الاحتياجات الخاصة بالسباحة مع اثنين من الدلافين صغيرة السن؛ حيث لاحظت كيف أنها تعاملت معه بحنو وكأنها تتفهّم حالته الصحية، فأقامت بيتسي بعد ذلك برامج علاجية مجانية في فلوريدا، وكانت تلك بداية انتشار مفهوم العلاج بمساعدة الدلافين لمساعدة الاضطرابات الحركية والاكتئاب؛ ولكن الأكثر جذباً لهذه البرامج كانت أُسر الأطفال المصابين بالتوحد.
يوفر التفاعل مع الدلافين الفرصة للمصابين بالتوحد لاختبار تجربة حسية جديدة في المياه بوجود الدلافين، وتؤكّد هذا المدوِّنة والمصابة بالتوحد ليندي موبلي بقولها: "بالنسبة إلى شخص مصاب بالتوحد فإن الإحساس بالمياه أمر مذهل. من وجهة نظر المصابين بالتوحد يبدو الأمر وكأنك متدثّر ومحتضَن ببطانية من الماء! هذا الإحساس مهدئ ويوفر شعوراً بالأمان". لكنّها تضيف أيضاً أن العلاج بمساعدة الدلافين لا يقدم أي مزايا خاصة مقارنة بأشكال العلاج الأخرى.
ومن بين أكثر الاعتقادات شيوعاً بين مؤيدي العلاجات المرتبطة بالدلافين، أن ذبذبات الموجات فوق الصوتية من نقرات تحديد موقع الصدى للدلافين قد تغير الأنسجة البشرية والخلايا وموجات الدماغ. كما أن هذه المخلوقات قد تتواصل بطريقة ما مع الأشخاص الذين يواجهون صعوبة في التواصل مع الآخرين، وهي من سمات الإصابة بالتوحد بشكل عام.
لا توجد دلائل علمية كافية تؤكد القيمة العلاجية للدلافين
يبدو أن العلاج بمساعدة الدلافين لا يحظى بتأييد الجميع، فالكاتب والباحث في علم النفس المعقد هال هيرزوغ يكذّب تلك الادعاءات حول قدرات الدلافين "السحرية" -كما أسماها- التي تغذيها نوعية وسائل الإعلام التي تحرص على "الطبطبة" على جراح الآباء اليائسين من إعاقات وأمراض أبنائهم لأنهم ينجذبون بأعداد كبيرة إلى مئات البرامج العلاجية للسباحة مع الدلافين حول العالم آملين في تحسن صحة فلذات أكبادهم.
وفقاً لهال هيرزوغ؛ لا تستند معظم الادعاءات على تقارير منشورة في مجلات علمية محكمة بل على قصص شخصية أو تقارير ذاتية أو تجارب سيئة التصميم أجراها باحثون مهتمون بالربح المادي فقط.
ومن وجهة نظره؛ يمكن إيعاز التحسن الذي شوهد في المرضى الذي استعانوا بعلاج الدلافين إلى المشاعر الإيجابية والحالة النفسية الجيدة التي يمكن أن تخلقها التجربة الجديدة مع أكثر المخلوقات جاذبية على وجه الأرض وزيارة الأماكن الطبيعية الجميلة وقضاء بعض الوقت في الطفو في البحار الاستوائية، وكلها أمور توفرها برامج العلاج بمساعدة الدلافين.
ويؤيد هذا الرأي أيضاً الدكتور والأستاذ الفخري في علم البيئة وعلم الأحياء التطوري في جامعة كولورادو، مارك بيكوف (Marc Bekoff) الذي توصّل بعد مراجعته لتحليلات تفصيلية قام بها خبراء حول فعالية العلاج بمساعدة الدلافين إلى أن الدلائل العلمية على القيمة العلاجية للسباحة مع الدلافين ما زالت غير كافية وتتميز بالعديد من نقاط الضعف.
لا مجال للشك في أن التواجد بالقرب من الدلافين في بيئة طبيعية مبهجة وودودة قادر على التأثير بشكل إيجابي في نفسية الأطفال المصابين بالتوحد أو ذوي الإعاقة وأي شخص مصاب بالاكتئاب والقلق. وقد لا تحتاج الطبيعة والتجارب المرتبطة بها إلى دلائل علمية لإثبات أهميتها في تحسين الحالة النفسية، لذلك ينبغي خفض التوقعات بخصوص العلاج بالدلافين التي تكاد تصل إلى درجة التوهم والخيال بخصوص إمكانية العلاج النهائي بالعلاج بمساعدة الدلافين، فالأبحاث العلمية لم تجزم قطعاً بقيمتها العلاجية كما يتّم الترويج لها.