على الرغم من أن آلية العلاج بالتنويم المغناطيسي لا تزال لغزاً حتى اليوم إلا أن فعاليتها لم تعد كذلك. هل نشهد عودةً قويةً لتقنية التنويم المغناطيسي؟
- ما هو التنويم المغناطيسي؟
- هل ثبت العلاج بتقنية التنويم المغناطيسي علمياً؟
- كيف تسير جلسة التنويم المغناطيسي؟
- ما هي تقنيات التنويم المغناطيسي المختلفة؟
- هل كل شخص قابل للتنويم مغناطيسياً؟
- ما هي الآثار العلاجية للتنويم المغناطيسي؟
- ماهي الحالات التي لا يُستخدم فيها العلاج بالتنويم المغناطيسي؟
- هل يمكن لكل شخص ممارسة العلاج بالتنويم المغناطيسي؟
- هل يمكن للشخص تنويم نفسه مغناطيسياً؟
- هل يمكن للمعالج بالتنويم المغناطيسي أن يؤثر على المريض لا شعورياً؟
- هل يمكن وقوع أي حوادث خلال عملية التنويم المغناطيسي؟
- هل يمكن أن يعالج التنويم المغناطيسي الأمراض المزمنة؟
- فعالية التنويم المغناطيسي في علاج التوتر
شهدت السنوات الأخيرة استخداماً متزايداً لتقنية التنويم المغناطيسي العلاجية التي يزيد عمرها عن قرن من الزمان، ويبدو الأمر كما لو أنه يتم إعادة اكتشافها من جديد من قبل المعالجين النفسيين وعلماء النفس، أو من قبل الناس أنفسهم. نجيب فيما يلي عن 10 أسئلة متعلقة بالتنويم المغناطيسي في محاولة لفهم هذه التقنية العلاجية التي يبدو أنها تطلق العنان لأكثر قدراتنا الذهنية إثارةً للتساؤل.
1. ما هو التنويم المغناطيسي؟
لا يوجد تعريف محدد لتقنية التنويم المغناطيسي؛ إذ يختلف تعريفها من مختصٍ لآخر، وهي تُعتبر تقنية علاجية معقدة جداً لدرجة أن الممارسين لها يقولون إنه ليس هناك نوع واحد لها. أما المعلومة الوحيدة المؤكدة حول تعريف التنويم المغناطيسي هو أنه ليس حالة نوم؛ بل حالة وعي معدلة (EMC)، كما حالات الحلم، والنشوة، والاسترخاء، والتجارب الصوفية، والتأمل.
وتعمل حالة "النشوة المنوِّمة" المصاحبة للتنويم المغناطيسي على تعديل اليقظة العادية؛ التي تسمح لنا بممارسة الحياة اليومية. تتم عملية التنويم المغناطيسي ضمن بيئة بخصائص محددة؛ إذ يجب أن تكون بيئةً رتيبةً لا تخضع لأي متغيرات، أو منبهات شديدة، ويدخل الدماغ إثر هذه العملية في حالة افتقار للمعلومات، ليبدأ بعد ذلك إنتاجها بنفسه عن طريق رسم صور في اللاوعي الخاص بنا. وبهذه الطريقة فإننا نحلم بينما نظل واعيين، وعلى عكس حالة اليقظة العادية؛ حيث يركز الانتباه على العديد من المجالات في وقت واحد ويتحول بينها بسرعة، فإنه يركز خلال التنويم المغناطيسي، على موضوع أكبر وأكثر تحديداً. وبهذه الطريقة ينسى الشخص المنوَّم مغناطيسياً، شيئاً فشيئاً، الواقع الخارجي ليدخل إلى واقع داخلي ويندمج معه تماماً.
أما الاستثناء الوحيد على انفصال الشخص المنوَّم مغناطيسياً عن الواقع الخارجي، فهو استمرار سماعه لصوت المعالج؛ إذ تصبح كلماته حافزاً خاصاً جداً يزيد من قوة الإيحاء لدى الشخص المنوَّم ويؤدي هذا بعد ذلك إلى تغيرات نفسية أو فيزيولوجية غير عادية لديه (اختفاء فوري للألم الحاد أو الأكزيما، إلخ). لماذا؟ وكيف؟ لا يزال هذا الأمر لغزاً حتى يومنا هذا.
2. هل ثبت العلاج بتقنية التنويم المغناطيسي علمياً؟
من ناحية آثارها نعم؛ إذ تشير العديد من الدراسات إلى أن إيحاءات المعالج أثناء جلسة التنويم المغناطيسي تثير استجابات عصبيةً لدى الشخص المنوَّم. على سبيل المثال: تجربة التنويم المغناطيسي التي أجراها البروفيسور ستيفن كوسلين، من قسم طب الأعصاب في مستشفى ماساتشوستس العام في بوسطن في عام 1997؛ إذ قدم لمجموعة من ستة عشر شخصاً لوحة من الألوان المتدرجة ولوحة من الظلال الرمادية، وتم تسجيل ردود فعل أدمغتهم بواسطة التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني. وعندما طُلب من هؤلاء الأشخاص، أثناء التنويم المغناطيسي، "رؤية" اللوح الرمادي على أنه لوح ملون، تم تنشيط، إحدى مناطق التعرف على اللون في الدماغ، لذلك كان رد فعل الدماغ كما لو أنه رأى لوناً آخر بدلاً عن اللون الرمادي، وذلك بناء على إيحاء المعالج.
3. كيف تسير جلسة التنويم المغناطيسي؟
نم الآن! لا ليس كذلك، فهذه الصيغة هي تلك التي نراها في الأفلام فقط. تتم عملية التنويم المغناطيسي على يد معالج نفسي مختص، ويقوم ببناء العملية بشكل تدريجي. تستمر الجلسة 45 دقيقة، ويستلقي المريض على أريكة ويغمض عينيه، أو يثبت نظره في نقطة واحدة من الغرفة. يجلس المعالج على كرسي بجانب المريض ويطلب منه الاسترخاء وهي مرحلة "ما قبل الحث". ويستخدم بعض المعالجين معدات صوتيةً لتشغيل موسيقى هادئة، ثم يتحدثون في ميكروفون بصوت رتيب ويطلبون من المريض التركيز على مناطق معينة من الجسم، وهذه هي مرحلة "الاستقراء" التي تسمح له بتركيز انتباهه على نفسه، مع بدء الشعور بالنعاس.
يتحقق المعالج من حالة الشخص عن طريق مطالبته برفع يديه او تشبيك أصابعه معاً. وتعد استجابته للطلب دلالةً على دخوله في حالة النوم مغناطيسياً، ثم يكرر المعالج الإيحاءات للشخص بشكل مباشر مثل: (اختفى ألم ذراعك) أو غير مباشر مثل: "أنت في مكان جميل".
في نهاية الجلسة، يستيقظ المريض برفق بعد العد التنازلي، لاستعادة السيطرة على عضلاته والعودة إلى الواقع دون الشعور بتوعك. بعد ذلك؛ يعلّق كل من المريض والمعالج على الجلسة.
مثال: رجل يعاني أزمةً نفسيةً بسبب اقترابه من مرحلة التقاعد، تمكن أثناء خضوعه للتنويم المغناطيسي من العثور على ذكرى تغييرات أخرى؛ مثل: دخول المدرسة الابتدائية أو الثانوية أو الجامعة، أو الزواج، أو إنجاب زوجته لأطفال، إلخ. ويقوم مع المعالج بتحليل مقاومته لهذه الذكريات، مع محاولة الاستفادة من هذه التغييرات لبناء "سيناريو مثالي" يسمح له بإحداث تحول إيجابي داخلي.
- اقرأ أيضا: ما هو داء باركنسون؟
4. ما هي تقنيات التنويم المغناطيسي المختلفة؟
هناك أربع فئات:
التنويم المغناطيسي التقليدي: يؤدي المعالج بالتنويم المغناطيسي دوراً رائداً، فهو يدير الجلسة ويقدم للمريض إيحاءات "مباشرة" (تسمى "الأوامر")، بينما يكون دور المريض فيها سلبياً.
التنويم المغناطيسي شبه التقليدي: يقدم المعالج بالتنويم المغناطيسي، إيحاءات "مباشرة" و"غير مباشرة".
طريقة الحوار: يتم التركيز على الشخص وعلاقته مع المعالج من خلال الحوار والتواصل فيما بينهما.
تقنية التنويم المغناطيسي الإيركسية (Ericksonian): يشارك المريض في حالة التنويم المغناطيسي بشكل إيجابي، ويستخدم الاستعارات بحيث يمكن للعقل اللاواعي للمريض أن يختار الحلول لمشاكله بنفسه.
5. هل كل شخص قابل للتنويم مغناطيسياً؟
وفقاً لمقياس "قابلية التنويم المغناطيسي" الذي طورته جامعة ستانفورد، فإن 5% من الأشخاص يعانون من مقاومة التنويم المغناطيسي و10% فقط يمكنهم الدخول بسرعة في حالة من التنويم المغناطيسي العميق؛ لكن لا يزال سبب ذلك غير واضح، فحتى يومنا هذا، لا يوجد ارتباط واضح بين بنية الشخصية ومدى انسجامها مع الإيحاء الخاص بالتنويم المغناطيسي.
ما هي الآثار العلاجية للتنويم المغناطيسي؟
يستخدم أكثر من ألف معالج تقنية العلاج بالتنويم المغناطيسي في فرنسا. تشكل تقنية التنويم المغناطيسي في بعض الحالات، برنامجاً علاجياً كاملاً، بينما تشكل في حالات أخرى علاجاً مساعداً لعمل الطبيب.
- الإقلاع عن التدخين، بنسبة نجاح 80%، كما يساعد التنويم المغناطيسي أيضاً على محاربة آثار الانسحاب.
- الوزن الزائد والشره المرضي؛ إذ إن له دور دعم نفسي جيد في علاجات الوزن الزائد.
- محاربة الألم: رغم أنه لا يحل محل التخدير؛ إلا أنه يمكن للتنويم المغناطيسي أن يؤدي دوراً مكمّلاً يسمح بتخفيض جرعات الأدوية. كما أنه يُستخدم بشكل متزايد في جراحة الأسنان.
- الاضطرابات النفسية مثل: التوتر، والرهاب، والعصاب (الاضطرابات العصبية)، والقلق، والعجز والبرود الجنسي، ومشاكل الخوف من التحدث أمام الجمهور، واضطرابات الذاكرة، إلخ.
- اضطرابات الجهاز الهضمي؛ مثل: القرحة والتهاب القولون أو الإسهال الناجم عن التوتر.
- الأمراض النفسية الجسدية؛ مثل: الأمراض الجلدية (الأكزيما، والصدفية، إلخ)، والتشنج، والتهاب الأنف المتكرر، واضطرابات الصوت، والربو.
ما هي الحالات التي لا يُستخدم فيها العلاج بالتنويم المغناطيسي؟
- الاضطرابات النفسية الخطيرة؛ مثل الاكتئاب الحاد والفصام.
- آثار الانسحاب من المخدرات القوية.
- الأمراض المزمنة الخطيرة مثل السرطان.
6. هل يمكن لكل شخص ممارسة العلاج بالتنويم المغناطيسي؟
يمكن ذلك طالما أنه على دراية تامة بالتقنية؛ لكن البعض يظهرون موهبةً أكبر من غيرهم في ممارسة العلاج بالتنويم المغناطيسي. ولكي تصبح ممارساً محترفاً لهذا العلاج؛ يجب أن تكون قد درست الطب أو علم النفس؛ أي أن تكون محترفاً بالفعل في العلاج النفسي. يمكن بعد ذلك متابعة تدريب في التنويم المغناطيسي بفضل الدورات التي تقدمها الجمعيات التي تمثل مختلف "المدارس".
7. هل يمكن للشخص تنويم نفسه مغناطيسياً؟
في الواقع؛ يشير المختصون في الوقت الحالي إلى أن التنويم المغناطيسي يعتمد فعلياً على التنويم المغناطيسي الذاتي؛ إذ إن قوة التحويل أو الشفاء الحقيقية موجودة في عقل الشخص المنوَّم مغناطيسياً وليس في عقل المعالج. لذلك فإن عملية التنويم المغناطيسي الذاتي ممكنة تماماً؛ لكنها ليست ممارسةً سهلة. ويمكن الاستعانة في هذا الصدد بالأدلة العملية وأشرطة التسجيل الصوتية. ويبدأ التدريب بتعلم عملية الاستقراء (جلسة كل يوم في نفس الوقت، في نفس المكان، بنفس نوع الملابس، إلخ)، ثم تعلم الاسترخاء. كما يمكنك أيضاً تسجيل رسائلك الصوتية الخاصة والاستعانة بها.
8. هل يمكن للمعالج بالتنويم المغناطيسي أن يؤثر على المريض لا شعورياً؟
في السنوات الأخيرة، وضمن مواجهة الزيادة الكبيرة في حالات سفاح القربى المكتشفة تحت تأثير التنويم المغناطيسي في الولايات المتحدة، بدأ المتخصصون في الحديث عن "متلازمة الذكريات الكاذبة"؛ ما يدعو إلى التشكيك في دور المعالج بالتنويم المغناطيسي. ما هي هذه المتلازمة؟ في حال خضوعه للتنويم المغناطيسي، يمكن للمرء أن يتذكر الأحداث الحقيقية المنسية أو حتى "المكبوتة". كما يمكن لعقل المريض الخاضع للتنويم المغناطيسي العميق أن يصور له الأوهام وكأنها أحداث حقيقية، ولن يتمكن من تمييزها عن الذكريات الحقيقية، وذلك لأن دماغنا لديه إمكانية تعديل الحدث أو إعادة بنائه.
وهكذا، حتى الآن، لا توجد إجابة محددة حول حقيقة ذكريات الاعتداء الجنسي، أو ذكريات "الحياة السابقة"، أو تصورات الاختطاف خارج كوكب الأرض التي تم اكتشافها تحت التنويم المغناطيسي العميق، ولا حول تأثير المعالج بالتنويم المغناطيسي على المريض.
9. هل يمكن وقوع أي حوادث خلال عملية التنويم المغناطيسي؟
إن وقوع أي حوادث أثناء عملية التنويم المغناطيسي أمر مستبعد؛ إذ سيستيقظ المريض حتماً في نهاية الأمر، مع الإشارة إلى أنه لن يكون في حالة نوم من الأساس. وفي حال توقف المعالج عن تقديم الإيحاءات للمريض، فإن وظيفة التنويم المغناطيسي تتبدد من تلقاء نفسها. أما بالنسبة للتأثير السلبي المفترض لبعض المعالجين بالتنويم المغناطيسي على طريقة أفلام السينما، فهو مجرد أسطورة؛ إذ لا يمكن لأي ممارس للتنويم مغناطيسي إجبارك على فعل شيء يتعارض مع قيمك الأخلاقية. ولا يمثل التنويم المغناطيسي عملية غسل للدماغ، كما أنه لن يؤدي بك إلى الكشف عن أسرارك الخاصة ما لم ترغب بذلك. ومع ذلك، فلتجنب الدجالين؛ اتصل بإحدى الجمعيات المعترف بها رسمياً لاختيار معالج التنويم المغناطيسي الخاص بك.
10. هل يمكن أن يعالج التنويم المغناطيسي الأمراض المزمنة؟
يجيب عن ذلك اختصاصي جراحة الأنف والأذن والحنجرة، ومؤلف كتاب "شفاء الجسم بالتنويم المغناطيسي"، جيرارد أركاس قائلاً: "يمكن علاج بعض الأمراض المزمنة بالتنويم المغناطيسي؛ مثل طنين الأذن- على سبيل المثال- الذي لا تُظهر الأدوية نتائج ملموسةً في علاجه؛ إذ تم علاج 60% من الحالات بواسطة التنويم المغناطيسي، وذلك لأن تعديل الأوامر العصبية الحيوية أمر ممكن عبر الإيحاءات".
ويضيف: "إذا قررت- على سبيل المثال- في التنويم المغناطيسي الذاتي، تنشيط الدورة الدموية في قدمك اليسرى، فإن الأوعية الدموية سوف تتوسع تحت تأثير "التحويل" (نقل المعلومات إلى الخلايا)؛ إذ يسمح التنويم المغناطيسي، بالتأكيد، بإنشاء صلة وصل بين الجسد والروح، وتفعيل آليات الشفاء الذاتي لدينا".
فعالية التنويم المغناطيسي في علاج التوتر
تقول جين تيرنر؛ وهي رئيسة الجمعية الفرنسية للتنويم المغناطيسي، ومختصة نفسية، ومعالجة بالتنويم المغناطيسي:
"إلى جانب الإقلاع عن التدخين وعلاج الوزن الزائد؛ يُعتبر علاج التوتر من أكثر التطبيقات المطلوبة عند الحديث عن التنويم المغناطيسي. يمكن أن يسبب التوتر القلق والأرق وأحياناً حالات الاكتئاب المصحوبة باضطرابات جسدية. ويُعتبر التنويم المغناطيسي أكثر فعاليةً بكثير من التقنيات الأخرى- مثل "الاسترخاء البسيط"- في علاج التوتر، ويعود ذلك إلى تأثير التقنية العلاجية المريح بالنسبة للمريض، والمعزز بالصوت والحضور المطمئن للمعالج؛ ما يقلل من تأثير الضغوطات بسرعة مهما كان مصدرها. كما تسمح حالة التنويم المغناطيسي للمريض بالتخلص من أي موانع تعترضه بنفسه. على سبيل المثال: أُصيبت امرأة شابة بحالة شعور بالشلل عند اقتراب موعد مقابلة عمل مهمة ولم تعد قادرةً على النوم، رغم أنها كانت تعلم أن فرص حصولها على الوظيفة كبيرة جداً. خلال خضوعها للتنويم المغناطيسي؛ تمكنت من استعادة ذكرى مقابلة سابقة حيث كانت قد زيّفت المعلومات في سيرتها الذاتية واكتُشف أمرها، ثم قمنا معاً بتقييم خوفها، ووجدنا عتبةً مناسبةً لتحفيز/ إثارة "التوتر الجيد" حتى تتمكن من النظر إلى هذه المقابلة كمرحلة عابرة، وليس كحكم نهائي عليها".