يصف مصطلح الطفل الوحيد أو الطفل الواحد جميع الأطفال الذين يولدون لعائلات اختارت طوعاً أو إجباراً بقوة النظام أن تنجب طفلاً واحداً فقط.
وقد جعل قانون "الطفل الواحد" (One-child Policy)، الذي أقرته حكومة جمهورية الصين الشعبية في نهاية السبعينات، البلاد تستحوذ على اهتمام العلماء من مختلف الخلفيات والتجارب العلمية؛ كونها تمثّل أضخم تجربة عالمية إلى وقتنا الحالي.
وهنا لا يمكن تجاهل الزخم المستمر والدوافع القوية التي كانت تدور حول حقيقة التجربة الإجبارية في الصين لصناعة جيل جديد من الأطفال الوحيدين منذ إطلاقها وحتى بعد انتهائها في العام 2015.
دعونا نتعرّف أكثر على الأطفال الوحيدون وكيف يؤثرون على بيئتهم ويتأثرون بها نفسياً وعقلياً.
الأباطرة الصغار
في البداية، لا يزال يستمر الاهتمام بظاهرة الطفل الوحيد محفزاً لأن يتسابق العلماء في المجالات المختلفة مثل علم الاجتماع، وعلم النفس، وعلم الاقتصاد، وكثير من العلوم الإنسانية الأخرى لدراسة هذه التجربة.
بالإضافة إلى ما سبق، تظهر لدى الباحثون أيضاً الرغبة في فهم حياة هؤلاء الأطفال من جيل من تم وصفهم لاحقاً بـ "الأباطرة الصغار" (Little Emperors) ونشأتهم.
محور اهتمام وتركيز الكبار
تتفق الكاتبة الصينية ليو يي (Liu Yi) في كتابها "لست سعيدة: بيان من طفلة جيل الثمانينات الوحيدة" مع المصطلح السابق الذي ظهر نتيجة المعيشة الاجتماعية التي يترعرع فيها كثير من الفتية والفتيات الوحيدين، حسب تحقيق صحفي لصالح منصة "إن پي ار" (NPR).
فعلى سبيل المثال، يظهر الأطفال الوحيدون كمحور لكُل اهتمام الوالِدين وتركيزهما؛ حيث تقول ليو يي: "نحن التعساء، لأننا أطفال وحيدون. كَتَب علينا القدر سعادة أقل من أطفال الأجيال الأخرى. ونحن أيضًا المحظوظون - باهتمام الكثير من الكبار…".
السياق الأسري والاجتماعي لحياة الطفل الوحيد
يتحتم علينا فهم السياق الأسري والاجتماعي؛ حيث تؤدي الأسرة دوراً رئيسياً في الفروقات السلوكية بين الأطفال الوحيدين والأطفال الذين نشأوا في أسر لديها أكثر من طفل، حسب دراسة نُشِرَت عام 2017، أشرف عليها باحثون من الصين لصالح مجلة تصوير الدماغ والسلوك (Brain Imaging and Behavior).
وعلى الرغم من كون السياق الأسري والاجتماعي في التجربة الصينية متطرفاً للغاية، كونه أتى نتيجة إرغام العائلات بقوة القانون على إنجاب طفل واحد فقط؛ إلا أن كثرة الدراسات التي اعتمدت على أولئك الأطفال وبياناتهم جعلت من المهم فَهم المحاور الأساسية المتعلقة بتلك التجربة. وبناءً على ما يلي سوف نستطيع تصوّر التأثير النفسي على صحة الطفل الوحيد.
الآثار السلبية لقانون طفل الوحيد
راجعت دراسة صينية أخرى نُشِرَت عام 2019 لصالح مجلة "پلوس ون" (PLOS One) الأثر الذي جمع بين تراكمات تحولات اجتماعية، ونفسية، واقتصادية، وتراكمات أخرى في مدة تزيد عن 25 عاماً؛ حيث أوضح الباحثون أن التكلفة الفعلية لقانون
"الطفل الواحد" (One-child Policy) كانت ضخمة.
تشير الدراسة نفسها إلى أن تلك التعليمات الصارمة التي أقرّها القانون أثّرت على الوالِدين بشدة؛ حيث أثرت في خلق عواقب سلبية مثل زيادة عمليات الإجهاض وانتشار تفضيل الذكور على الإناث نتيجة القدرة على إنجاب طفل واحد والتعقيم الإجباري للوالِدين المخترقين للقانون.
بالطبع، إلى جانب الكثير من الخطوات الأخرى التي أدت لتداعيات نفسية جسيمة على الأسر، ومن ثَمَّ على الأطفال الوحيدين.
وفي نفس السياق؛ ومن نفس الدراسة السابقة، ذكر الباحثون مأساة وثِقل الألم النفسي على ما يقارب مليون أسرة تحتوي أمهات ممن قد تخطوا سن اليأس؛ أي ليس لديهنّ القدرة على الإنجاب مرة أخرى، وفجعوا بفقد أطفالهم الوحيدين.
وبناءً على ما سبق؛ قد تختلف التجارب العالمية الاختيارية عن التجربة السابقة من حيث السياق المتطرف والأنظمة الصارمة؛ إلا أنها تتشابه معها في كثير من النقاط الأساسية التي تتمحور حول حرية وسهولة الإجهاض، والتمييز الشخصي في اختيار جنس الطفل، وحقيقة إمكانية حدوث مأساة وفاة الابن بعد تخطي الأم سن اليأس، والكثير من النقاط الأخرى.
الاضطرابات النفسية والجسدية التي تصيب الطفل الوحيد
يصاب الأطفال الوحيدون أكثر من غيرهم ببعض من الاضطرابات النفسية الشائعة. فعلى سبيل المثال؛ وجدت دراسة نشرتها جامعة شاندونغ الصينية منتصف عام 2020، أن نسبة انتشار أعراض الاكتئاب والقلق أو كلاهما، جاءت أكبر في الأطفال الوحيدين حتى بعد حساب أثر العوامل المحتَمَل تأثيرها على النتائج مثل وقت النوم، وعادات الأكل، والعلاقة الأبوية، وأسلوب الأبوة والأمومة، والعلاقات الشخصية، وبعض العوامل الأخرى.
وفي المقابل، فقد وجد العلماء تحلّي الأطفال الوحيدين بقدرة أكبر على تحمل تبعات الجائحة الأخيرة والتي تتمثل في نشوء أعراض مثل الاكتئاب والقلق والحاجة لاهتمام الوالِدين وتركيزهما، حسب نتائج دراسة حديثة نشرها فريق بحثي صيني مطلع 2021 والتي تناولت أثر جائحة كوفيد-19 على الأطفال الوحيدين مقارنةً بالأطفال الذين نشأوا في أسر لديها أكثر من طفل.
بعض الاختلافات السلوكية في الإدراك والقَبول
تشير الدراسة المذكورة سابقاً أن بيئة الأسرة أيضاً تؤدي دوراً في الاختلافات الجوهرية بين الأطفال الوحيدين والأطفال بالأطفال الذين نشأوا في أسر لديها أكثر من طفل من حيث التطور الهيكلي للمخ والسلوكيات.
وتقصّى الباحثون الاختلافات من خلال مسح مناطق في الدماغ متعلقة بالإدراك -خصوصاً الذكاء والإبداع- من جهة، ومناطق متعلقة بالقبول - خصوصاً التواصل الاجتماعي والعطف والاتصال مع الآخرين من جهة أخرى.
وفقاً للدراسة؛ سجل الأطفال الوحيدون درجات أقل في القبول؛ ما يشير إلى ضعف في التواصل الاجتماعي والعطف والاتصال مع الآخرين. وعلى النقيض؛ فلقد سجّلوا درجات أكثر في الذكاء والإبداع مقارنةً بالأطفال الذين نشأوا في أسر لديها أكثر من طفل.
وفي دراسة أخرى نُشرَها علماء من أستراليا لصالح مجلة "ساينس" (Science)؛ أظهر الأباطرة الصغار أو الأطفال الوحيدون، سمات سلوكيةً شخصيةً غير اعتيادية؛ حيث كانوا أقل ثقة بالآخرين، وأقل جدارة بنيل ثقة الآخرين، وأكثر تجنباً للمخاطر، وأقل تنافسية، وأكثر تشاؤماً، وأقل سماعاً لصوت الضمير.
وفي الختام؛ يتحتم علينا أن نُدرك كيف يؤثر هؤلاء الأطفال على بيئتهم، وكيف يتأثرون بها، إلى جانب إجراء المزيد من الدراسات ذات المصداقية العالية في مختلف الدول حول العالم، وعدم الاكتفاء بالتجربة الصينية التي انتهت قبل خمس سنين.
ومن المؤكد أن البيانات سوف تساعدنا في فَهم كيف تتأثر صحة الطفل الوحيد النفسية، وبناء معرفة شاملة تسهّل علينا اتخاذ القرارات المناسبة المتعلقة بالإنجاب.