هل يمكن أن تؤدي الضغوط النفسية إلى الإصابة بالسرطان؟ العلم يجيب

4 دقيقة
الإصابة بالسرطان
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

كثيراً ما يفترض مرضى السرطان أنهم أُصيبوا بهذا المرض نتيجة معاناتهم الضغط النفسي، فما مدى صحة هذا الافتراض؟ قد يقول البعض إنه لو كان الضغط النفسي متورطاً فعلاً في الإصابة بالسرطان، لكان الناس جميعهم سيصابون به! لكن ومع ذلك، لا تُمكن تبرئة الضغط النفسي تبرئة تامة، فالعلاقة أكثر تعقيداً مما تبدو. لذلك؛ سنخصص هذا المقال لتوضيح العلاقة بين الحالتين، ونستعرض أحدث الدراسات في هذا المجال.

اقرأ أيضاً: كيف يؤدي الضغط النفسي إلى الإصابة بالبهاق؟ وكيف تتعامل معه؟

ما هو المقصود بالضغط النفسي؟

"الضغط النفسي" أو "التوتر المزمن" أو "الإجهاد النفسي" تسميات عديدة تصف حالة واحدة؛ وهي ما يختبره الإنسان عندما يكون تحت وطأة ضغط عقلي أو جسدي أو عاطفي. لكن من المعروف أن قليلاً من التوتر ضروري ومهم للنجاة في بعض الحالات؛ إذ يستجيب الجسم للتهديدات الخارجية بإفراز هرمونات التوتر؛ مثل الكورتيزول والأدرينالين والنورأدرينالين؛ التي ترفع ضغط الدم ومعدل ضربات القلب ومستويات السكر في الدم.

تساعد هذه الاستجابة المعروفة باسم "الكَرّ أو الفرّ" الشخص على إدارة التوتر اللحظي والتصرف بسرعة وقوة للهروب من التهديد المُتصوَّر أو قتاله. ومع ذلك، عندما تحدث على نحو مستمر نتيجة ضغوط الحياة أو العمل أو البيئة أو المسؤوليات اليومية أو المآسي، تصبح مضرة للجسم.

فوفقاً للطبيب النفسي، علي علقم؛ فإن العديد من الأمراض الجسدية قد تظهر أو تتفاقم نتيجة الحالات النفسية مثل التوتر؛ إذ وُجد أن الأشخاص الذين يعانون التوتر المزمن يعانون أيضاً في كثير من الأحيان مشكلات في الجهاز الهضمي وأمراض القلب والأوعية الدموية وضعف جهاز المناعة. علاوة على ذلك، يكونون أكثر عرضة إلى الإصابة بالصداع ومشكلات النوم وصعوبات التركيز والاكتئاب والقلق والإصابة بالعدوى الفيروسية؛ لكن ماذا عن السرطان؟ هل يكونون أكثر عرضة إلى الإصابة بالسرطان؟

اقرأ أيضاً: هل يسبب الضغط النفسي الإصابة بجرثومة المعدة؟ وماذا نفعل لتخفيفه؟

هل يسبب الضغط النفسي الإصابة بالسرطان؟ العلم يجيب

ليس واضحاً تماماً حتى الآن إن كان الضغط النفسي مرتبطاً بالسرطان أو لا؛ فلا يوجد دليل يثبت أن التوتر المزمن يؤدي إلى الإصابة بالسرطان على نحو مباشر؛ إذ إن الدراسات العلمية قد توصلت إلى نتائج متضاربة؛ فمنها ما وجدت صلة بينهما ومنها ما لم تجد. وإليك بعض هذه الدراسات:

  • ذكرت مراجعة منشورة في دورية الحدود في علم الأورام (Frontiers in Oncology) عام 2020، أن التوتر المزمن يحفّز نشوء الأورام ويعزز تطور السرطان.
  • وجدت دراسة منشورة في دورية الأدوية الوقائية (Preventive medicine) عام 2017، أن التعرّض المطوّل إلى ضغط العمل يزيد احتمالية الإصابة بسرطان البروستاتا.
  • لم تجد دراسة شملت نحو 100 ألف امرأة في المملكة المتحدة ونشرت في دورية أبحاث سرطان الثدي (Breast Cancer Research) عام 2016، أي أدلة تثبت وجود ارتباط بين مستويات التوتر المتصوَّرة والأحداث السلبية في الحياة مع خطر الإصابة بسرطان الثدي، على الرغم من أن العديد من النساء قد اعتقدن أن إصابتهن بسرطان الثدي ناتجة عن ضغط نفسي.
  • لم يجد تحليلٌ تلوي لـ 12 دراسة بحثية في أوروبا ونُشر في المجلة الطبية البريطانية (British Medical Journal) عام 2013، أي دليل واضح على وجود ارتباط بين الضغط النفسي الناتج عن العمل وخطر الإصابة بالسرطان.

اقرأ أيضاً: هل يؤثر الضغط النفسي في المصابين بمرض السكري؟

ما هي الآليات البيولوجية التي تسهم في جعل الضغط النفسي متورطاً إلى حد ما؟

على الرغم من أن العلاقة بين الضغط النفسي والإصابة بالسرطان ليست واضحة تماماً أو مباشرة؛ لكن يمكن القول إن التوتر المزمن قد يُفاقم خطر الإصابة بالسرطان على نحو غير مباشر وذلك من خلال عدة آليات؛ أولها أن التوتر المزمن يُضعف الجهاز المناعي، ما يقلل قدرة الجسم على محاربة الخلايا السرطانية، ويمكن لهرمونات التوتر مثل النورأدرينالين وغيرها أن تعزز نمو الورم وانتقاله.

علاوة على ذلك، قد يؤدي التوتر المزمن إلى تبني سلوكيات مضرة مثل التدخين والإفراط في تناول الطعام واستهلاك الكحول والخمول؛ وهي سلوكيات من شأنها أن تفاقم مخاطر الإصابة بالسرطان.

اقرأ أيضاً: هل يسبب الضغط النفسي الشيب المبكر؟ وما الذي يمكنك فعله لمواجهته؟

كيف يؤثر الضغط النفسي في تطور السرطان الموجود مسبقاً؟

إذاً ومرة أخرى، على الرغم من أن العلاقة بين الضغط النفسي وظهور السرطان ليست واضحة تماماً، فإن العديد من الدراسات الحديثة قد أظهر أن الضغط النفسي يؤثّر فعلاً في زيادة انتشار الورم أو انتقاله إلى أعضاء أخرى من الجسم.

على سبيل المثال؛ وجدت دراسة أُجريت على الفئران ونُشرت في دورية أبحاث السرطان (Cancer Research) في مارس/آذار 2024، أن الضغط النفسي المزمن يُفاقم تطور سرطان القولون والمستقيم؛ إذ تؤدي هذه الضغوط إلى إحداث خلل في التوازن البكتيري  في الأمعاء على نحو يعزز نمو الورم.

بالإضافة إلى ذلك، كشفت دراسة أُخرى أُجريت على الفئران أيضاً ونُشرت في دورية الخلايا السرطانية (Cancer Cell) في فبراير/شباط 2024، أن التعرض المزمن إلى الهرمونات الناتجة عن التوتر المسماة بـ "الغلوكوكورتيوكريدات" (Glucocorticoids) يُحدِث تغيرات في الخلايا المناعية المعروفة بـ "العدلات" (Neutrophils)؛ ما يجعل الأخيرة  تزيد إنتاج هياكل تُسمى "مصائد العدلات" خارج الخلية. وقد أسهمت هذه المصائد اللاصقة في خلق بيئة ساعدت خلايا السرطان على النمو في الأعضاء البعيدة.

وقد لوحظت هذه النتائج في العديد من الدراسات الأُخرى؛ إذ وجدت دراسة منشورة في دورية الدماغ والسلوك والمناعة (Brain, Behavior, and Immunity) عام 2020، أن التوتر المزمن يسهم في تطور أورام الدماغ وانتشارها؛ إذ يؤدي إلى زيادة الالتهاب وضعف الاستجابة المناعية الخلوية وخلق بيئة مواتية لنمو الورم.

اقرأ أيضاً: بين الواجبات التقليدية والعمل: تعرّف إلى أسباب الضغط النفسي عند المرأة

6 نصائح تساعدك على مواجهة التوتر المزمن

على الرغم من عدم وجود دليل يثبت أن اتباع طرائق صحية للتعامل مع التوتر المزمن أو التخلص منه يمنع الإصابة بالسرطان؛ لكن اتباع هذه النصائح سيضمن أن يتمتع جسمك بصحة جيدة ومناعة قوية، وإليك أهم النصائح:

  1. تعلَّم استراتيجيات إدارة التوتر من خلال ممارسة اليوغا والتأمل والتنفس العميق واليقظة الذهنية.
  2. مارس التمارين الرياضية بانتظام.
  3. اتبع نظاماً غذائياً صحياً غنياً بالفاكهة والخضروات والحبوب الكاملة والأسماك، مع الحد قدر الإمكان من الأطعمة المصنعة والسكريات.
  4. نل قسطاً كافياً من النوم وحافظ على روتين نوم صحي.
  5. ابنِ علاقات اجتماعية قوية عن طريق التواصل المنتظم مع الأصدقاء والعائلة.
  6. لا تتردد في طلب مساعدة المختص النفسي لمعالجة التوتر المزمن الذي لا تُمكنك إدارته بنفسك.