كيف يمكن التخفيف من شدة الضغوط النفسية للحامل؟

4 دقائق

"الحمل هو وقت قلق على أي حال، وبالنسبة إليّ كان الحمل الصحي أمراً أساسياً للغاية، فلم أخاطر بأي شيء، لقد فعلت كل ما أخبرتني به القابلة. لقد قمت بالكثير من القراءة على الإنترنت ولكنها في الواقع ساعدتني، لقد استمتعت تماماً بالقراءة عن أشياء معينة. في بعض الأحيان زاد ذلك من قلقي؛ لكنني شعرت عموماً بأنني جاهزة".

كان هذا بعضاً مما حكته كاتي عن القلق في أثناء الحمل، وهو لا يمثل سوى جزءٍ صغير من الضغوط النفسية للحامل. نعم، يتعرض الجميع لقدر من التوتر والقلق الذي يسبّب الضغط، وهو يشكّل جزءاً طبيعياً من الحياة. تختلف هذه الحالة عند المرأة أثناء واحدة من أهم المراحل في حياتها، فالضغوط النفسية للحامل لا تؤثر في حياتها هي فقط بل في حياة الجنين أيضاً.

ورغم أن مرحلة الحمل تتسم ببعض الإجهاد وتقلبات المزاج التي تسببها التغيّرات الهرمونية؛ بإمكان الأحداث الخارجية المثيرة للتوتر زيادة قلق الأم واكتئابها، وربما تستطيع كل امرأة عاشت تجربة الحمل أن تؤكد أن الضغوط النفسية والحمل معادلة في غاية الصعوبة، لذلك سيوضح هذا المقال كيف تظهر أعراض الضغط النفسي على الأم، وكيف يمكنها مساعدة نفسها على إدارة التوتر والقلق المسبّبين للضغط.

أنواع الضغوط النفسية للحامل

الضغط النفسي الطبيعي في مرحلة الحمل

الحمل هو المرحلة التي يخضع فيها جسم المرأة لبعض التغييرات الجذرية؛ أحدها يتضمن عدم انتظام هرموناتها، فالهرمونات عبارة عن نواقل كيميائية يتم إنتاجها في الغدد الصماء، ثم تنتقل عبر مجرى الدم إلى أجزاء مختلفة من الجسم حيث تؤدي دوراً حيوياً في تنظيم العمليات المختلفة في أجسامنا؛ بما في ذلك التمثيل الغذائي والجهاز المناعي والحالات المزاجية والدافع الجنسي.

لذلك نجد أن التحضيرات المرتبطة بقدوم مولود جديد والمخاوف المتعلقة بعملية الولادة تثير التوتر والقلق؛ وبالتالي تتحول إلى ضغوط نفسية في ظل مستويات الهرمونات المتغيرة بسبب الحمل، وهذا هو نوع الضغط الذي تعتبره الطبيبة النفسية الأميركية شاري لوسكين (Shari I. Lusskin) ضغطاً جيداً لأنه يحفز الحامل خلال أوقاتٍ صعبة، فتقوم بأفضل ما يمكن للعناية بنفسها وجنينها.

الضغط النفسي السام أثناء الحمل

لطالما أكد العلم أن التوتر المسبب للضغط هو الاستجابة الطبيعية للجسم في مواقف الخطر أو التهديد، فهو كما وصفته الأستاذة المساعدة في علوم الصحة العامة من جامعة روتشستر الأميركية، أمينة عليو (Amina Alio) مثل احتياطي الطاقة الذي نلجأ إليه عند الحاجة، وهو قابل لأن يُستنفذ إذا تم استخدامه كثيراً من قِبل الأشخاص الذين يتعرضون لمواقف عصيبة يومياً؛ حيث تكون هرمونات التوتر لديهم دائماً مرتفعة، فيكون هذا بمثابة نقطة التحول من الضغط الطبيعي والمقبول إلى الضغط السام.

وتضيف أمينة أن الضغوط الثابتة الناجمة عن التوتر والقلق بسبب مشكلات ليست بالضرورة كبيرة، يمكن أن تتحول إلى إجهاد مزمن، وبالنسبة للمرأة الحامل التي تكون دائماً قلقة على سبيل المثال بشأن شريك يسيء معاملتها، أو الطريقة التي تُعامل بها في العمل بسبب التمييز أو التحرش مثلاً؛ تصبح هذه المواقف العصيبة المزمنة "سامة" لجسمها، وتؤدي إلى العديد من المشكلات الصحية الجسدية والعقلية والعاطفية التي تؤثر فيها وفي جنينها.

الأضرار التي يمكن أن تسببها الضغوط النفسية للحامل

ارتبط الإجهاد الأمومي وفقاً لخبراء صحة الأم والطفل من وكالة مارش أوف دايمز (March of Dimes)، بتجربة الولادة غير الجيدة مثل الولادة المبكرة ووفيات الرضع أو انخفاض وزن الجنين عند الولادة؛ حيث تسبب المستويات المرتفعة للكورتيزول المعروف بكونه هرمون التوتر، أضراراً جسيمة تمس صحة الأم والجنين. ومن بين الآثار الخطيرة التي حددتها وكالة "مارش أوف دايمز":

  • تسبب الضغوط الحادة في المراحل الأولى من الحمل زيادة احتمالات الولادة المبكرة؛ حيث وجدت دراسة أن النساء اللواتي عايشن تجربة حادث انفجار مركز التجارة العالمي في سبتمبر/أيلول 2001، عانين من حالات حمل قصير في المتوسط.
  • يمكن أن يسبب الإجهاد المزمن مضاعفات لدى الجنين مثل عيوب القلب الخلقية وارتفاع الضغط والتأخر في النمو.
  • الضغط الناجم عن حداد الحامل على موت شخص ما يزيد من احتمالات مشكلات السمنة لدى الطفل نتيجة تعرُّض الجنين للضغط الشديد.
  • النساء اللواتي يتعرضن لضغطٍ عالٍ في المرحلة الأولى من الحمل لديهن احتمالات أكبر لإنجاب أطفالٍ يعانون من التوحد.
  • يوجد احتمال ارتباط ضعف رد الفعل الإدراكي (Impaired Cognitive Reaction) لدى المراهقين بسبب ارتفاع مستويات الكورتيزول التي تعرضوا لها في المرحلة الجنينية جراء الضغوط النفسية لأمهاتهم.

اقرأ أيضاً: هل تؤثر نفسية الحامل في الجنين؟

نصائح ضرورية للتعامل مع التوتر والقلق أثناء الحمل

لا بد أن التعرف إلى الأخطار المصاحبة والآثار الجسيمة للضغط النفسي للحامل قد يثير هلعك! لم يكن ذلك مقصدنا من هذا المقال، فهدفنا هو إلهامك لمساعدة نفسك أو دعم المرأة الحامل في حياتك وتشجيعها سواء كانت شريكة حياة، أختاً أو صديقة.

لذلك سوف نقترح عليك أفضل خمس طرق ينصح بها خبراء الصحة العامة من بن ميديسن (Penn Medicine) التابع لجامعة بنسلفانيا الأميركية، للمساعدة على تقليل الضغط الذي يصيب المرأة خلال فترة الحمل، و نلخصها كما يلي:

1. التركيز على التنفس

تساعد أي تقنية من تقنيات التنفس بعمق على إدخال كمية إضافية من الأكسجين إلى الجسم؛ ما يساعد العضلات والجسم على الاسترخاء. يمكن تجربة التأمل أثناء حصولك على تدليك مثلاً.

2. إعطاء الأولوية للراحة

النوم هو أسهل ما يمكن أن يحصل لامرأة حامل في أشهر الحمل الأولى؛ ولكنه يصبح صعباً في مراحله اللاحقة حيث يكون الجنين قد أصبح كبيراً بما يكفي لجعل النوم تجربة غير مريحة للأم، إضافة إلى التغيرات الهرمونية المتزايدة، فعندما لا تحصل الحامل على قسطٍ كافٍ من النوم يزيد ذلك من مستويات توترها. لذا ينصح الخبراء بربط وقت النوم بطقوس مهدئة مثل أخذ حمامٍ دافئ أو احتساء كوب من الأعشاب المهدئة أو الاستماع إلى الموسيقى.

3. الرياضة والنشاط البدني

من المفيد إدماج روتين رياضي يومي بسيط، لأن النشاط البدني يحفز الجسم على إفراز الإندورفين وهو الهرمون الذي يحسن المزاج ويخفف أعراض القلق والاكتئاب؛ مثل المشي في الهواء الطلق.

4. الأكل المتوازن

المزيج الجيد من الأطعمة الصحية وشرب الماء هو أحد أفضل أشكال الرعاية الذاتية، فالاختيارات الغذائية الصحية تضمن للحامل الحصول على احتياجاتها واحتياجات جنينها والشعور بالقوة الجسدية والعقلية.

5. التنفيس عن المشاعر السلبية

لا ينبغي الاستهانة بفائدة مشاركة المشاعر المقلِقة مثل الخوف مع شخص آخر، فمن خلال التحدث إلى أمهات وحوامل عاشوا تجربة الحمل والولادة كاملة، أو حتى كتابة الأفكار في دفتر يوميات، سيسهل عليكِ تنظيم مشاعركِ وإدراكها من زاوية مختلفة عما كان يدور في رأسك، لهذه الطريقة القدرة على المساعدة في تهدئة العقل وتقليل التوتر.

بالتأكيد لا يمر الحمل دون بعض التوتر والقلق والخوف، غير أن الضغوط النفسية للحامل، خاصة إذا كانت من النوع السام، تؤثر سلباً على المدى القصير والطويل في صحة الأم والجنين الذي سيصبح مراهقاً وبالغاً يعاني من مشكلات سببها يرجع إلى هرمونات التوتر التي تشرّبها حرفياً في المرحلة الجنينية. قد تصيبنا نتائج الدراسات بالمزيد من القلق والخوف؛ ولكن الحلول متاحة وتطبيقها يعتمد على مدى إدراكك للخطورة الكامنة وراء الضغط النفسي الحاد خلال مرحلة الحمل.

المحتوى محمي