كيف تجري الصيانة الدورية لصحتك النفسية؟

7 دقيقة
صيانة دورية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: تتطلب الصحة النفسية اهتماماً مستمراً؛ تماماً كما تحتاج الآلات إلى صيانة دورية، ومن أجل تحقيق ذلك، إليك 9 خطوات مهمة: أولها ممارسة اليقظة الذهنية لتحسين التركيز وتقليل التوتر، عبر التركيز على اللحظة الحالية ومراقبة أفكارك ومشاعرك وأحاسيسك الجسدية دون انتقاد، والانخراط في أنشطة إبداعية مثل الرسم أو الكتابة أو الرقص أو العزف، فهي أنشطة تخفف الضغط النفسي وذات تأثير علاجي. وفي السياق نفسه، تسهم تقوية الروابط الاجتماعية في زيادة السعادة وتقليل الشعور بالعزلة. من المهم أيضاً فرض حدود صحية للحفاظ على الطاقة والرفاهية، فضلاً عن ممارسة الامتنان لتحسين المزاج وتقليل المشاعر السلبية. وبالطبع، لا بُد من الحصول على نوم كافٍ لتعزيز الأداء العقلي والعاطفي، واتباع نظام غذائي صحي يدعم الصحة الجسدية والنفسية، وممارسة الرياضة بانتظام لتعزيز الحالة المزاجية وتحسين الوظائف الإدراكية. ختاماً، من المهم استشارة مختص نفسي إذا واجهت صعوبات عميقة قد تكون خارج نطاق قدرتك على التعامل معها بمفردك.

يشير المعالج النفسي، أسامة الجامع، إلى أن الصحة النفسية تحتاج إلى رعاية واهتمام مستمرَين لتعزيز قدرتها على التوازن والصمود؛ مثلما تحتاج الآلة، مهما كانت جبّارة، إلى صيانة دورية لتعمل بكفاءة، فكيف إذاً تُجرى أعمال الصيانة النفسية؟ في الواقع، إن العناية بالنفس أمر شخصي إلى حد كبير، فما قد يناسب شخصاً ما قد لا يناسب شخصاً آخر؛ لذا من المهم أن تستكشف ما قد يجعلك تشعر بالرضا ويعزز رفاهيتك النفسية؛ الأمر الذي قد يستغرق بعض الوقت والتجربة للعثور على ما يناسبك. لتسهيل المهمة قليلاً، إليك 9 نصائح فعالة للحفاظ على الصحة النفسية وتعزيزها، وفوائد كل خطوة وكيفية تنفيذها.

9 نصائح لصيانة الصحة النفسية

الاهتمام بالصحة النفسية يعني تخصيص الوقت لتنفيذ ما يساعدك على العيش على نحو أفضل، وتحسين صحتك الجسدية والنفسية؛ ما يساعد في المحصلة على إدارة التوتر وزيادة الطاقة وتقليل خطر الإصابة بالأمراض. من المهم معرفة أنّ حتى الأفعال الصغيرة للعناية بالذات قد يكون لها تأثير كبير، وإليك ما يمكنك فعله.

اقرأ أيضاً: ما الآثار السلبية لزيادة الوعي بالصحة النفسية؟

1. مارس اليقظة الذهنية

يُقال إننا لا نملك من الوقت، إن كنا نملك، سوى اللحظة الراهنة، فالماضي قد ولّى والمستقبل ربما لا يأتي؛ لكن غالباً ما ترانا مستغرقين في التفكير فيما سيحدث مستقبلاً أو فيما جرى في الماضي من أحداث لا يمكن تغييرها، مفوّتين بذلك فرصة عيش الحاضر في كثير من الأحيان؛ بل ومخاطرين بصحتنا النفسية، فقد يؤدي القفز من فكرة إلى أخرى إلى الإصابة بالتوتر والقلق. فما الحل إذاً؟

الحل، أو لنقل أحد الحلول، هو ممارسة اليقظة الذهنية التي تسمح بالتوقف والتركيز على الحاضر وتنمية الشعور بالهدوء، وذلك عبر الوعي بالأفكار والمشاعر والأحاسيس الجسدية في اللحظة الراهنة دون إصدار أحكام. تعزز اليقظة الذهنية القدرة على الاستمتاع بالحياة وتزيد فهم الذات، وتحدّ من أعراض القلق والاكتئاب والتوتر، وتخفّض ضغط الدم، وتحسِّن النوم.

تُمكنك ممارسة اليقظة الذهنية بطرائق مختلفة؛ مثل التأمل والتنفس واليوغا، وقد تجد أن بعض الأساليب أسهل وأمتع من غيره؛ لذا تحلَّ بالصبر حتى تجد ما يفيدك حقاً؛ لكن حاول أن تخصص بعض الوقت يومياً، سواء صباحاً أو مساءً، لجعل اليقظة عادة متأصلة في روتينك.

يمكنك البدء بنهج 4-7-8 من تمارين التنفس، وذلك عبر الجلوس في مكان هادئ، ثم التنفس بعمق من خلال أنفك مدة 4 ثوانٍ، وحبْسِ أنفاسك مدة 7 ثوانٍ، ثم الزفير بصوت عالٍ من خلال فمك مدة 8 ثوانٍ. يُنصح بتكرار العملية 4 مرات فقط عند البدء لأول المرة، ثم تمكن زيادتها لاحقاً إلى 8 أنفاس كاملة.

أو يمكنك أن تطبِّق طريقة 5-4-3-2-1؛ وهي أن تستخدم حواسك لملاحظة البيئة من حولك. على سبيل المثال؛ اجلس في مكان مريح وهادئ، ثم سمِّ 5 أصوات يمكنك سماعها، و 4 أشياء تُمكنك رؤيتها، و3 أجسام يمكنك لمسها في مكان جلوسك، ورائحتَين يمكنك شمهما، وطعماً واحداً يمكنك تذوقه. يُذكر إن ممارسة اليقظة الذهنية تكون أشبه بتعلم مهارة جديدة؛ كلما مارستها أكثر، باتت أسهل وأكثر فائدة.

اقرأ أيضاً: كيف توظف اليقظة الذهنية في علاج القلق والتوتر؟

2. انخرط في أنشطة إبداعية

يقول المعالج النفسي، أسامة الجامع، إن الأنشطة الممتعة التي قد ينظر إليها الأشخاص على أنها رفاهية أو ترف؛ هي في الواقع علاج للصحة النفسية. ويوصي بألا ينتظر الشخص حتى يمتلك وقت فراغ كافياً لممارستها؛ وإنما عليه أن يجعلها من أولويات روتينه اليومي.

وبالفعل، تساعد الأنشطة مثل الرسم أو الكتابة أو الرقص أو العزف أو الحرف اليدوية على تخفيف التوتر والقلق والضغط النفسي، وتعزيز احترام الذات. فكيف تدمج هذه الأنشطة في روتينك؟ في البداية، ابحث عن نشاط إبداعي تحبه، وخصص وقتاً يومياً أو أسبوعياً للانخراط في هذا النشاط، يمكنك أن تخصص 15 دقيقة يومياً في الوقت المستقطع بين المهام، أو أن تمارسه مع بعض الأصدقاء؛ ما يزيد فائدته. وتذكّر، ليس من الضروري أن تكون محترفاً، فالانخراط في النشاط الإبداعي أكثر أهمية من النتيجة.

3. قوِّ علاقاتك الاجتماعية

تُعَّد العلاقات الاجتماعية ذات المغزى جزءاً لا يتجزأ من الصحة النفسية، سواء كانت علاقة عائلية أو صداقة أو شبكات اجتماعية، فهي تزيد السعادة وتقلل الضغط النفسي وتعزز الشعور بالانتماء وتساعد على التعايش والتأقلم خلال الأوقات الصعبة، هذا دون أن ننسى ما قد تُحدِثُه الوحدة والعزلة الاجتماعية من آثار سلبية في الصحة النفسية وزيادة مخاطر الإصابة بالاكتئاب والقلق وحتى الخَرف.

إذاً لصيانة الصحة النفسية، عليك تعزيز الروابط مع الآخرين، وذلك بأن تكون استباقياً في الحفاظ على العلاقات. حدِّد مواعيدَ منتظمةً للّقاءات مع الأصدقاء أو العائلة، حتى لو كانت افتراضية، أو تطوَّع، أو انضمَّ إلى مجموعات دعم أو إلى أي مجموعة من الناس تجد بينك وبينهم قاسماً مشتركاً.

اقرأ أيضاً: دراسة استمرت 50 عاماً تكشف ما الذي يمكن أن تفعله العزلة بعقلك

4. افرض حدودك الصحية

كثيراً ما نشعر بالإرهاق والتوتر لا لشيء إلا لأننا نبالغ في إرضاء الآخرين على حساب احتياجاتنا وحدود طاقاتنا، سواء كان ذلك على مستوى العلاقات أو في العمل أو في مجالات أخرى من الحياة. لذلك؛ يعد وضع الحدود الصحية أمراً ضرورياً من أجل تعزيز الصحة النفسية والرفاهية العاطفية، علاوة على أنه يزيد احترام الذات ويزيد الشعور بالاستقلالية.

فكيف تفرض حدودك الصحية؟ عليك أولاً أن تفكر في احتياجاتك وقيمك وطاقتك وتفهمها جيداً، وأن تحدد المجالات في حياتك التي تشعر فيها بالإرهاق أو عدم التقدير، ثم توضِّح حدودك باستخدام ضمير المتكلم "أنا" للتعبير عن مشاعرك، وتكون محدداً وحازماً بشأن ما هو مقبول وما هو غير مقبول بالنسبة إليك. أعد توضيح حدودك إذا تجاوزها أحد ما مع تنفيذ أي عواقب سبق أن حددتها. وبالطبع، قد تتغير الحدود مع تغير الظروف والحياة؛ لذا لا بأس من إعادة تقييمها وتحديثها وتوضيحها مرة أخرى.

5. مارس الامتنان

يعتاد بعض الناس على ما يمتلكونه ويشعرون أنه أمر مضمون ومسلَّم ببقائه، فيسعون، خصوصاً مع النزعة الاستهلاكية التي تميز هذا العصر، إلى اقتناء المزيد من كل شيء، سواء من المقتنيات أو الإنجازات أو المال أو الأصدقاء؛ ما قد يسبب الشعور بعدم الرضا وغيره من المشاعر السلبية. وبالطبع، ليس الحل هو الحصول على المزيد؛ وإنما ممارسة الامتنان في كثير من الأحيان.

فللامتنان فوائد كبيرة للصحة النفسية؛ إذ يعزز المشاعر الإيجابية ويقلل السلبية منها؛ مثل التوتر وعدم الرضا والحسد، ويحسِّن قدرة الفرد على التعامل مع التحديات، ويعزز الروابط الاجتماعية، وقد يقلل أعراض القلق والاكتئاب أيضاً.

لممارسة الامتنان، دوِّن يومياً، قبل النوم مثلاً، بعض الأشياء والجوانب الإيجابية التي تقدرها وتشعر بالامتنان لوجودها؛ قد تكون أشخاصاً أو تجاربَ أو أحداثاً، وابحث عن الجوانب الإيجابية في المواقف الصعبة، مع تقدير المكتسبات البسيطة في الحياة التي قد تعدّها من المسلمات؛ مثل الطبيعة أو المنزل أو العائلة. تدرّب على التعبير عن الامتنان من خلال الكلمات أو الإيماءات لتعزيز العقلية الإيجابية. تذكر أن الامتنان لا يعني تجاهل المشاعر السلبية أو قمعها؛ وإنما عدم السماح للسلبية المفرطة بالسيطرة عليك.

6. احصل على قسط كافٍ من النوم

ليس غريباً أن يكون النوم هو أحد أهم أركان الصيانة للصحة النفسية، فالنوم الجيد يحسِّن كلٍّ من أداء الدماغ والمزاج والصحة؛ في حين قد تؤدي قلَّتُه إلى التعب والانفعال وضعف التركيز والقلق المتزايد.

لذلك؛ احرص على النوم مدة 7-9 ساعات كل ليلة، وحاوِل أن تتبع روتيناً هادئاً قبل النوم؛ مثل الاستحمام بمياه دافئة، أو  قراءة كتاب ما، أو الاستماع إلى الموسيقا الهادئة، أو تمارين التمدد الخفيفة، أو التأمل. وفي السياق تفسه، من المفيد أن تخفف أضواء الغرفة وتمتنع عن استخدام أي أجهزة إلكترونية قبل النوم، فالضوء الصادر عن هذه الأجهزة سيوهم الدماغ بأن الوقت مازال نهاراً؛ ما سيؤخر موعد نومك. أيضاً، حافظ على جدول النوم ثابتاً حتى في عطلات نهاية الأسبوع.

اقرأ أيضاً: ما هو اضطراب النوم القهري؟

7. اعتنِ بغذائك

لا يمكن فصل الصحة النفسية عن الجسدية، فإن ساءت إحداهما ساءت الأُخرى، وأهم ما يمكنك أن تفعله في هذا السياق هو أن تتزوّد بالطعام العالي الجودة الذي سيكفل أن يعمل جسمك على أحسن وجه، فما تؤكله يؤثّر في بنية الدماغ ووظيفته بصورة مباشرة؛ أي يؤثّر في المحصلة في مزاجك.

لذلك؛ حاول قدر المستطاع أن تتبع نظاماً غذائياً صحياً ومتوازناً؛ وهذا يعني الإكثار من الخضروات والفاكهة المتنوعة، وتناول وجبات أساسية تحتوي نشويات غنية بالألياف؛ مثل البطاطا أو الخبز (المصنوع من الحبوب الكاملة) أو الحبوب الكاملة. بالإضافة إلى الحرص على تناول البروتينات يومياً لكن باعتدال؛ مثل اللحوم والدجاج والأسماك والبيض، واختيار الزيوت والدهون الصحية وتناولها بكميات قليلة.

تذكر أن النظام الغذائي الصحي يمنح الجسم الطاقة الكافية، ويحسِّن الحالة المزاجية، ويقلِّل الالتهابات المرتبطة بمشكلات الصحة النفسية، ويساعد على التفكير بوضوح؛ في حين أن النظام الغذائي الغني بالأطعمة المصنعة والسكريات يسهم في تقلبات المزاج والتعب ويفاقم أعراض الاكتئاب والقلق.

اقرأ أيضاً: كيف يؤثر نقص الحديد في الصحة النفسية؟

8. مارس الرياضة بانتظام

فوائد التمارين الرياضية للصحة النفسية ليست غريبة على أحد؛ لكن لنذكّر بها قليلاً. تحفّز التمارين الرياضية إفراز الإندورفين؛ وهو الهرمون الطبيعي الذي يخفف الألم ويحسِّن الحالة المزاجية، وتخفِّض مستويات هرمونات التوتر مثل الكورتيزول والأدرينالين، فضلاً عن أنها تساعد، عند ممارستها بانتظام، على تخفيف أعراض الاكتئاب وتقليل خطر الانتكاس، وتعزيز احترام الذات، وتحسين الوظائف الإدراكية.

وبالطبع، قد يكون التمرّن 30 دقيقة يومياً خلال 5 أيام في الأسبوع صعباً بالنسبة إلى شخص غير معتاد؛ لذا ابدأ بأهداف بسيطة قابلة للتحقيق، حتى لو كان المشي 5 دقائق في اليوم، ثم اجعل أهدافك أكبر تدريجياً عندما تكتسب الزخم.

سيساعدك أيضاً أن تستخدم محفزات محددة لجعل التمرين تلقائي؛ مثل استخدام التذكيرات، أو ضبط المنبه على ساعة محددة، أو وضع الملابس الرياضية في مكان محدد على مرأى ناظريك. ومن المهم أن تختار النشاط الذي يناسب ذوقك وقدراتك ونمط حياتك، فليس من الضروري ممارسة رفع الأثقال لمجرد أنك تعتقد أن هذا مهم. تذكر أن الأمر لا يتعلق بالكمال؛ بل بالاتساق.

اقرأ أيضاً: دراسة: نمط الحياة الخامل يضر بالصحة النفسية

9. استشر متخصص

كما هي الحال مع الآلات والأجهزة؛ فإن بعض أعمال الصيانة يتطلب متخصصين أكثر خبرة منك؛ كذلك الأمر هنا أيضاً، فبعض المعاناة النفسية خارج نطاق سيطرتك، ولن تستطيع في بعض الأحيان ترميمها بنفسك، وإهمالُ هذه النقطة قد يفاقم الوضع سوءاً.

لذلك؛ لا تتردد في استشارة معالج نفسي إذا كنت تعاني مشاعر ساحقة من العجز أو اليأس أو الحزن العميق مدةً تزيد على أسبوعين، أو أثّرت هذه المشاعر في أداء مهامك اليومية أو أثّرت سلباً في علاقاتك الشخصية أو العمل، أو في حال لاحظت تغيّرات في أنماط نومك، أو أمراض جسدية غير مبررة، أو نوبات غضب أو كوابيس متكررة. سيساعدك المختص النفسي أو المعالج او الطبيب على تشخيص حالتك وإدارتها بأفضل أسلوب ممكن.