صديق طفلك الخيالي دليل على إبداعه وقوة خياله

3 دقائق
الصديق الخيالي

في يوم من الأيام؛ يحدثك طفلك عن صديق له يحب أن يشاركه أوقاتاً كثيرة، ويستمتع باللعب والحديث معه. يحدثّك عن صفاته وملامحه، ما يحب وما يكره، وكيف يفضّل أن يقضي أوقات فراغه، وكذلك كيف يتصرّف خلال أوقات غضبه، بالإضافة إلى طرق تعبيره عن مشاعره.

على الرغم من وصف طفلك الدقيق لتلك الشخصية؛ فإنها قد لا تعدو سوى صديق وهمي خلقه طفلك في خياله، وبنى له عالماً خاصاً له بضوابطه وحدوده. قد يكون ذلك سبباً لقلق الآباء والأمهات على أطفالهم؛ لكن الأمر ليس بهذا السوء؛ بل ربما يحقق له هذا الوهم فوائدَ قد لا يحصل عليها من دون خلق ذلك الصديق الخيالي.

ما هو الصديق الخيالي؟

على الرغم من أن رؤية أو التحدّث إلى شخص غير موجود في الحقيقة قد يكون إشارةً لمرض عقلي عند الكبار؛ فإن الأمر ليس كذلك بالنسبة للأطفال.

يُعرف هذا الرفيق غير المرئي بالصديق الوهمي، وقد يمثّل حضوراً منتظماً في حياة الطفل. هؤلاء الأصدقاء هم نتاج خيال الطفل، ويمكن أن يأتوا بجميع الأشكال والأحجام والألوان والأنواع، فقد يكون ذلك الصديق إنساناً أو حيواناً أو كائناً خرافياً يحتاج الطفل إلى خلقه عند قضاء وقت فراغ بمفرده ليتمكن من ابتكار صديق خيالي.

كذلك؛ قد يكون لهذا الصديق الخيالي صفات خاصة مثل تحدّثه بلغة معينة دون غيرها، أو أنه يحب أشياء بعينها، وقد يظهر هذا الصديق أو الأصدقاء الخيالين بمفردهم أو بمجموعات، ويمكن أن يكون الأصدقاء غير المرئيين جزءاً من حياة الطفل والأسرة لسنوات.

في دراسة للتعرّف إلى تصورات الوالدين عن الأصدقاء الوهميين لأطفالهم، أظهرت النتائج أن 60% من الأطفال لديهم أكثر من صديق مُتخيَّل؛ منهم 67% اتخذوا شكلاً بشرياً، و19% اتخذوا شكلاً حيوانياً. أشارت الدراسة أيضاً إلى أن تلك الشخصيات الوهمية تؤدي دوراً مهماً بالنسبة للأطفال، وتشاركهم في حل المشكلات وإدارة العاطفة، والتغلب على الوحدة، بالإضافة إلى استكشاف السلوكيات والأدوار المختلفة.

هل كل طفل له صديق خيالي؟

يلعب معظم الأطفال الصغار ألعاب التخيّل، ويتفاعلون مع حيواناتهم المحشوة أو الدمى أو غيرها من الألعاب الخاصة كما لو كانوا أحياء. يُعتَبَر تنوع الأشكال التي يأتي بها الأصدقاء غير المرئيين دليلاً على قوة الخيال لدى الأطفال.

وفقاً لبحث أجرته مارغوري تايلور؛ عالمة النفس بجامعة أوريغون الأميركية، وزملاؤها فإن 37% من الأطفال في سن السابعة يأخذون اللعب التخيلي خطوة أبعد ويخلقون صديقاً غير مرئي.

وجد الباحثون أيضاً أن هؤلاء الأصدقاء الوهميين قد لا يتعاونون دائماً مع الطفل، تماماً مثل الأصدقاء الحقيقيين، وأن حوالي ثلث الأطفال الذين لديهم أصدقاء غير مرئيين، اشتكوا من أن صديقهم غير المرئي لم يأتِ دائماً عند الاتصال به، أو لم يغادر عند الطلب منه، أو تحدث بصوت عالٍ، أو أنه فعل أشياءَ مزعجة.

على الرغم من أن الأطفال يختبرون بوضوح التفاعلات مع أصدقائهم غير المرئيين لدرجة قد تشكك من حولهم في أنهم على دراية بأنهم أصدقاء وهميون؛ فإن البحث أظهر أن الأطفال يعرفون أن هؤلاء الأصدقاء ليسوا حقيقيين.

كذلك، فإن 77% من الأطفال المشاركين في الدراسة أجابوا بالإيجاب عندما سُئلوا عما إذا كان لديهم صديق وهمي. كان ذلك واضحاً في وصف الأطفال لهؤلاء الأصدقاء باستخدامهم عبارات مثل "هي حيوان مزيف"، "لقد خلقته للتو في رأسي"، و "إنه ليس في الحياة الواقعية".

لماذا يخلق الأطفال أصدقاء خياليين؟

قد يبدو من المنطقي أن الأطفال الذين يخترعون أصدقاء غير مرئيين قد يشعرون بالوحدة أو يعانون من مشاكل اجتماعية؛ لكن الأمر ليس كذلك في الحقيقة.

في الواقع؛ بالمقارنة مع أولئك الذين لم يخلقوا لأنفسهم أصدقاء وهميين، فالأطفال الذين لديهم أصدقاء متخيلون يميلون إلى أن يكونوا أقل خجلاً، وينخرطون في المزيد من التفاعل مع أقرانهم، ويعملون بشكل أفضل في المهام التي تنطوي على تخيّل كيف يمكن لشخص آخر أن يفكر في أمر ما.

إن وجود صديق وهمي ليس دليلاً على أن الطفل مضطرب؛ يمكن للأصدقاء الوهميين أن يكونوا مصدراً للراحة عندما يواجه الطفل صعوبات، فيؤدون في مثل تلك الحالات دوراً مهماً في تأقلم الطفل مع تلك المواقف الصعبة والتجارب المؤلمة.

كذلك؛ يمكن للطفل خلق هذا الصديق كي يستمع له ويشعر بدعمه، أو لكي يساعده أن يقوم بأشياء لا يستطيع الطفل تنفيذها  بمفرده، بالإضافة إلى أنه يكون خاصاً بالطفل وحده؛ ما يجعله يشعر بالتحكم. علاوة على ذلك، فإنه لا يُصدر أحكاماً على الطفل أو يعاقبه إذا أخطأ.

يمكن للأصدقاء الخياليين أيضاً مساعدة الأطفال في التغلب على المخاوف واستكشاف الأفكار أو اكتساب مهارات مهمة من خلال الاعتناء بهم. كذلك؛ يمكن للأصدقاء الوهميين مساعدة الأطفال في بناء مهارات حل المشكلات، كما أن اتخاذ القرارات لهؤلاء الأصدقاء الوهميين يساعد الأطفال على اكتساب الثقة.

الصديق الخيالي نافذة على عالم الطفل

إن الصديق الخيالي هو بمثابة نافذة على عالم الطفل الخفي وما يفكر به، ومن ثم يكون فرصة للآباء للتعرّف على مخاوف الطفل أو الأشياء التي يصعب عليه التعبير عنها بدقة.

فإذا تحدث طفلك مثلاً عن أن ذلك الصديق الوهمي خائف من تكوين صداقات، فإنه يوفِّر لك فرصة مهمة للتحدث من خلالها عن شيء قد يزعجه، فالطريقة التي يلعب بها الأطفال مع أصدقائهم الوهميين أو يتحدثون عنهم يمكن أن تخبرك كثيراً بما يشعرون به.

لأنه في بعض الأحيان يكون من الأسهل على الأطفال الكشف عن مشاعرهم من خلال طرف ثالث؛ حيث لا يوجد سبباً للضغط عليهم لتحمُّل ملكية المشاعر، لذلك قد تكون تلك فرصة جيدة للآباء لسؤال الطفل -بطريقة غير مباشرة- عن تلك المخاوف أيضاً والتعرّف على مصادر قلقه.

إذا كان لطفلك صديق غير مرئي، فإن ذلك أمر لا يدعو للقلق؛ يمكنك طرح أسئلة لمعرفة المزيد عن ذلك الصديق الخيالي وقد تتمكن من التعرّف حينها على أشياء كثيرة عن اهتمامات طفلك الحالية أو رغباته أو مخاوفه.

المحتوى محمي