كيف تنتقل الصدمات النفسية عبر الأجيال؟ وماذا نفعل لتخفيف تأثيرها؟

5 دقيقة
الصدمة النفسية العابرة للأجيال
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

هل تعلم أن الصدمة النفسية التي تعرض لها أحد والديك قبل ولادتك بوقت طويل قد تفسر سبب شعورك بالقلق طوال الوقت؟ حيث إن الأحداث المؤلمة والصادمة لا تتوقف عند حد معين، ولا يقتصر الأمر على العواقب العاطفية والجسدية والنفسية التي تستمر أسابيع وأشهراً وحتى سنوات، بل قد يمتد ذلك الأمر إلى الأجيال المستقبلية في العائلة، بما يُعرف باسم "الصدمة النفسية العابرة للأجيال" (Transgenerational trauma)؛ فكيف يمكن أن تنتقل الصدمات النفسية من جيل إلى آخر؟ وماذا تفعل لتخفيف تأثيرها؟ الإجابة من خلال هذا المقال.

ما هي الصدمة النفسية العابرة للأجيال؟

يشير مصطلح "الصدمة النفسية عبر الأجيال" (Transgenerational trauma) إلى الانتقال اللاواعي للتجارب المؤلمة إلى الأجيال اللاحقة؛ حيث يجد الأشخاص في الجيل التالي أنفسهم يُظهرون أعراض الصدمة دون أن يختبروا الصدمة بأنفسهم، وعادة ما تحدث الصدمة النفسية عبر الأجيال بسبب الحروب أو التعرض للفقر الشديد، وفي بعض الأحيان يمكن أن تنشأ جراء التعرض للعنف والإساءة في مرحلة الطفولة.

10 أعراض للصدمة النفسية العابرة للأجيال

تؤكد الجمعية الأميركية للطب النفسي (American Psychological Association) أن الصدمة النفسية العابرة للأجيال تنتقل وراثياً من الجيل الذي يعاني الصدمة إلى الأجيال اللاحقة، وتختلف الأعراض باختلاف الأجيال، لكنها عادة ما تشمل:

  1. الشعور بالخجل.
  2. زيادة مشاعر القلق والاكتئاب.
  3. الإحساس بالذنب.
  4. الشعور المتنامي بالضعف والعجز.
  5. انخفاض احترام الذات.
  6. فرط اليقظة.
  7. الانسحاب الاجتماعي وتجنب الآخرين.
  8. الخوف غير العقلاني من التعرض للإصابة أو الموت.
  9. انعدام الشعور بالأمان.
  10. الإحساس بالغضب والإحباط.

اقرأ أيضاً: كيف تغير الصدمات النفسية بنية دماغك وردود فعلك؟

ما الذي يمكن أن يسبب الصدمة النفسية العابرة للأجيال؟

الصدمة التي حدثت لأجدادك يمكن أن تؤثر تأثيراً مباشراً في عائلتك، لكن عموماً، عادة ما يمتد تأثير الصدمة عبر الأجيال إذا تُركت دون علاج، وفيما يلي بعض الأحداث المؤلمة التي قد تؤدي إلى صدمة نفسية تنتقل عبر الأجيال:

  1. التعرض للحرب.
  2. الإبادة الجماعية.
  3. الكوارث الطبيعية.
  4. المجاعات.
  5. عدم الاستقرار الاقتصادي والركود والفقر المدقع.
  6. التجارب المؤلمة في مرحلة الطفولة مثل الإساءة والإهمال وانفصال الوالدين.
  7. العنف المنزلي.
  8. تجربة السجن.
  9. الاعتداء الجسدي والجنسي.

كيف تنتقل الصدمة النفسية بين الأجيال؟

تنتقل الصدمات النفسية عبر العائلات مثل لون الشعر والعينين والإرث الثقافي والمجتمعي، وهناك العديد من الطرائق التي يمكن أن تنتقل من خلالها الصدمة النفسية بين الأجيال مثل:

1. استجابة الصدمة 

إذا كنت تواجه ضغوطاً نفسية مزمنة أو عشت حدثاً صادماً، سوف ينشّط دماغك استجابات القتال والهروب والتجمد لمساعدتك على البقاء، والتي تُعرف باسم استجابات الصدمة، وعلى الرغم من أن هذه الاستجابات قد تكون مفيدة على المدى القصير فإن البقاء على هذا الوضع مدة طويلة قد يضر بصحتك النفسية، حينذاك سوف يتعلم دماغك السلوك التكيفي اللازم للحفاظ على سلامتك، وقد تنتقل هذه التكيفات إلى الأجيال القادمة وسوف يكون من الصعب التخلص منها، ويمكن القول إن العيش في وضع استجابة الصدمة يرتكز بالأساس على الخوف وعادة ما يمنعك من التقدم في حياتك.

2. العوامل السلوكية والعقلية المباشرة 

إن جذور الصدمات النفسية التي تنتقل عبر الأجيال تكمن في البداية بالتجارب المؤلمة التي مر بها شخص واحد وغالباً ما تكون هذه الصدمات غير واعية وترتبط بمشاعر الذنب والعار، ولا يتلقى الأشخاص المتأثرون الدعم المناسب، وكل هذا من شأنه أن يمنع معالجة هذه الصدمة.

ومن ثم فإن الصدمات غير المعالجة قد تؤثر على الطريقة التي يبني بها الأشخاص علاقاتهم مع أطفالهم، على سبيل المثال، قد يعتقد الآباء أن الإيذاء الجسدي عبر الضرب هو أفضل طريقة لتربية أطفالهم، لكن هذا الأمر يؤدي في النهاية إلى امتداد الصدمة بين الأجيال.

على الجانب الآخر، يمكن أن يؤثر اضطراب ما بعد الصدمة في كيفية تصرف الآباء وتفاعلهم مع أطفالهم، حيث يؤدي الاضطراب إلى أعراض مثل الانسحاب الاجتماعي، والتباعد العاطفي، أو الغضب. قد تؤثر هذه الأعراض في كيفية تعلم أطفالهم رؤية العالم والتفاعل معه، ما قد يؤدي إلى تطوير مهارات غير صحية مثل صعوبة التواصل مع الآخرين.

3. علم الوراثة فوق الجينية 

يُعرّف مركز السيطرة على الأمراض (CDC) علم الوراثة فوق الجينية بأنه دراسة تأثير السلوكيات والبيئة المحيطة في طريقة عمل الجينات، ويفترض علم الوراثة فوق الجينية أن التجارب والعوامل الخارجية قد تؤدي إلى تغييرات جينية، ويمكن القول إن البشر لديهم أكثر من 25000 جين موجود في الحمض النووي، وقد تكون بعض الجينات خاملة لكنها تنشط بناءً على البيئة المحيطة.

على سبيل المثال، عندما تتعرض لصدمة نفسية يستجيب حمضك النووي بتنشيط الجينات التي تساعدك للبقاء على قيد الحياة في أثناء وقتك العصيب، وهذه الجينات التي تنشط من أجل الاستعداد للمواقف الخطرة في المستقبل، تنتقل إلى أبنائك من أجل إعدادهم للأحداث المؤلمة المحتملة.

وفي هذا السياق، يوضح المختص النفسي، عبد الله الجطيلي، أن التجارب الصادمة تُحدث تغييرات في النشاط الجيني؛ حيث إن الأشخاص الناجين من الحروب أو الذين تعرضوا لضغوط نفسية يصاب أطفالهم باضطرابات نفسية مثل القلق والاكتئاب أكثر من باقي الأطفال.

اقرأ أيضاً: لماذا تتوقف حياة البعض عند الصدمات النفسية بينما ينجو منها البعض الآخر؟

ما هو تأثير الصدمات النفسية التي تنتقل عبر الأجيال؟

إن آثار الصدمة النفسية التي تنتقل عبر الأجيال متعددة الأوجه، ويمكن أن تؤثر في الصحة النفسية والعاطفية والجسدية، وذلك على النحو التالي:

1. التأثيرات النفسية 

قد يعاني الأفراد الذين يواجهون صدمة تنتقل عبر الأجيال القلق أو الاكتئاب أو اضطراب ما بعد الصدمة (Post-Traumatic Stress Disorder)، وقد يواجهون صعوبة في تكوين علاقات عاطفية أو يظهرون سلوكيات تنبع من استجابات الصدمة الراسخة التي ورثوها.

2. التأثيرات العاطفية 

يمكن أن تؤثر الصدمات التي تنتقل عبر الأجيال في كيفية تعامل الأفراد مع العلاقات الاجتماعية؛ فقد يطورون آليات تكيف ضارة، مثل تعاطي المخدرات أو العزلة الذاتية أو الانسحاب الاجتماعي، أو قد يجدون صعوبة في بناء الثقة بالعلاقات.

3. التأثيرات الجسدية 

تؤدي ضغوط الصدمة النفسية إلى ضغوط عواقب صحية وجسدية؛ حيث يغيّر الإجهاد المزمن نظام استجابة الجسم ويزيد خطر الإصابة بأمراض صحية مختلفة، بما في ذلك أمراض القلب والسكري.

كيف يمكن تخفيف آثار الصدمة النفسية العابرة للأجيال؟

يمكن أن يكون التعافي من الصدمات، وخاصة عندما تكون صدمة عبر الأجيال، أمراً مرهقاً، وقد يستغرق الكثير من الوقت، خاصة أن الصدمة قد بدأت منذ وقت طويل واستمرت في الظهور بطرائق متعددة عبر أجيال مختلفة، وعلى الرغم من ذلك، هناك بعض النصائح التي قد تخفّف تأثير الصدمة النفسية العابرة للأجيال، منها على سبيل المثال:

1. تعّرف إلى تاريخ عائلتك

حتى تبدأ رحلتك في التعافي، تحتاج إلى معرفة المشكلات الماضية، ولهذا تحدّث مع عائلتك حول ما حدث في محاولة لفهم تأثير الصدمة فيك، وإذا كان أفراد عائلتك غير قادرين على التحدث، حاول أن تطلب ذلك من المحيطين بهم مثل الأقارب أو الأصدقاء.

2. حدّد تأثير الصدمة

قد يكون التعامل مع آثار الصدمة بين الأجيال أمراً صعباً؛ لأنه سيجعلك تواجه صعوبة في التعرف إلى تلك الآثار، خاصة أنك لم تختبر الصدمة اختباراً مباشراً، ولهذا ابدأ في تحديد المشاعر والسلوكيات التي ورثتها، مثل الغضب والحزن والقلق.

3. تقبّل الصدمة 

القبول لا يعني الموافقة على الصدمة أو رفضها، لكن تعلُّم قبول الصدمة التي حدثت لأجدادك أو أفراد عائلتك، يشير ببساطة إلى عدم إنكار حقيقة تجربتك، ما قد يتيح لك البدء بالتعافي والمضي قدماً في رحلة حياتك.

4. اسمح لنفسك بالحزن 

لم يتمكن أجدادك من التعامل تعاملاً صحياً مع الصدمة التي تعرضوا لها، ولهذا ظلّت تلك الصدمة عالقة في أجسادهم وجيناتهم، لا تفعل الأمر نفسه، واسمح لنفسك بالحزن وعبّر عن مشاعرك، حيث إن تمكين جسدك من التخلص من الصدمة عبر الحركة والتعبير الإبداعي والضحك والبكاء يمكن أن يساعد جسدك على معالجة أي ضغوط مخزّنة منك ومن الأجيال الماضية.

5. مارس الرعاية الذاتية 

حاول أن تتعلم كيف تعتني بنفسك عاطفياً وجسدياً؛ يمكنك على سبيل المثال ممارسة الرياضة وتقنيات الاسترخاء وقضاء بعض الوقت في الهواء الطلق واتباع نظام غذائي صحي.

6. اطلب المساعدة النفسية المتخصصة

إذا لم تتمكن من التعامل مع أعراض الصدمة النفسية العابرة للأجيال، عليك الاستعانة بالطبيب النفسي المتخصص، والذي يمكن أن يستخدم:

  • علاج إزالة حساسية حركة العين وإعادة المعالجة (EMDR): الهدف من علاج إزالة حساسية حركة العين وإعادة المعالجة هو استخدام حركات العين المتخصصة وتحفيز الدماغ الثنائي لمساعدتك على معالجة التجارب المؤلمة دون الشعور بتأثيرها الكامل.
  • العلاج المعرفي السلوكي (CBT): يساعد العلاج المعرفي السلوكي على تحديد المعتقدات وأنماط التفكير السلبية وتقديم طرق لمواجهتها، وإعادة صياغتها بطرائق تخفف آثار الصدمة.

المحتوى محمي