ملخص: ثمة علاقة معقدة بين الصداع والألم النفسي؛ ففي كل مرة تشعر فيها بالضيق أو الحزن أو حتى القلق والتوتر، سيداهمك ألم حاد في رأسك. هذا الألم هو الصداع، وأحياناً يتفاقم هذا الصداع من جراء القلق والتوتر ويسمى بـ "الصداع النفسي"، وإليكم المعلومات كلها حوله في هذا المقال.
محتويات المقال
هل سبق لك أن شعرت بالصداع دون سبب مرضي واضح؟ هل داهمك دون مقدمات ذلك الألم في رأسك واستمر طوال اليوم ثم توقف من تلقاء نفسه؟ الحقيقة أنك لست وحدك، فهناك العديد من الأشخاص الذين يعانون الصداع بصفة متكررة. وفي الكثير من الأوقات، يتفاقم هذا الصداع بسبب التوتر أو القلق أو اضطراب الحالة المزاجية. وفي هذه الحالة، يُعد الألم صداعاً نفسياً. وعلى الرغم من أن الصداع النفسي لا يهدد الحياة، فإنه يؤثر في مسار يومك على نحو كبير، فكيف يمكن علاجه؟ الإجابة من خلال هذا المقال.
ما الصداع النفسي؟
يعد الصداع الصورة الأكثر شيوعاً للألم؛ حيث إنه منتشر بشدة ويعانيه معظم الناس بين الحين والآخر. والصداع ألم في منطقة الرأس ويمكن أن يمتد إلى الرقبة، وإذا كنت متوتراً أو قلقاً بخصوص شيء ما، فقد تعاني الصداع النفسي. وفي الوقت نفسه، يمكن أن يؤدي التعرض إلى الصداع الشديد أو المتكرر إلى تفاقم أعراض القلق.
ووفقاً للمؤسسة الأميركية للصداع النصفي (American Migraine Foundation)؛ فإن قُرابة نصف الأميركيين الذين يعانون الصداع النصفي يعانون القلق أيضاً. إذاً؛ الإصابة بالصداع قد تجعلك قلقاً، أو يمكن أن يكون الصداع أحد الأعراض الجسدية لقلقك.
كيف يرتبط الصداع بالألم النفسي؟
يرتبط الصداع مع حالات الصحة النفسية ارتباطاً وثيقاً؛ حيث توصلت دراسة بحثية استقصائية نشرتها المكتبة الوطنية الأميركية للطب (The National Library of Medicine) عام 2020 وأُجريت على أكثر من 6,000 شخص، إلى نتيجة مفادها أن الأشخاص الذين يعانون الصداع النصفي، أكثر عرضة إلى الإصابة بالاضطرابات النفسية بمقدار الضعفين مقارنة بأولئك الذين لا يعانون الصداع النصفي.
ووفقاً لما ذكرته مؤسسة الصداع النصفي الأميركية (The American Migraine Foundation)؛ فالأشخاص الذين يعانون الصداع النصفي أكثر عرضة إلى الإصابة بالاكتئاب بمقدار 5 مرات من أولئك الذين لا يعانون الصداع النصفي.
وتتفاقم وتيرة هذه التأثيرات مع زيادة نوبات الصداع، والحقيقة أن العلاقة بين الصداع والألم النفسي معقدة للغاية وغير واضحة: هل الصداع يؤدي إلى الاضطرابات النفسية؟ أم إن الاضطرابات النفسية هي التي تؤدي إلى الصداع؟ الجواب معقد لكن من المحتمل أن تكون العلاقة بينهما ثنائية الاتجاه؛ حيث يؤدي كل منهما إلى الإصابة بالآخر.
وفي سياق متصل، أكدت دراسة علمية نُشرت عام 2021 في مجلة الاضطرابات العاطفية (Journal of Affective Disorders)، إن الأشخاص الذين لديهم أشقاء مصابون بالصداع النصفي كانوا أكثر عرضة إلى الإصابة بالاكتئاب بنسبة 40% مقارنة بأولئك الذين ليس لديهم أشقاء مصابون.
وبالمثل؛ فأولئك الذين لديهم أشقاء يعانون الاكتئاب كانوا أكثر عرضة إلى الإصابة بالصداع النصفي بنسبة 45%، وتشير هذه النتائج إلى أن كلاً من الصداع والاضطرابات النفسية قد يحدث بسبب العوامل الوراثية أو المحفزات البيئية أو كلتيهما.
اقرأ أيضاً: ما أسباب السعال النفسي؟وكيف يمكن علاجه؟
6 أعراض للصداع النفسي
يواجه العديد من الأشخاص الذين يعانون اضطراب القلق الصداعَ النصفي أو صداع التوتر المزمن الذي يصاحبه الكثير من الأعراض؛ مثل:
- الألم على جانبَي رأسك، وقد يستمر عدة ساعات أو أيام.
- صعوبة التركيز.
- تراجع جودة النوم.
- الشعور بالألم عند لمس فروة الرأس أو عضلات الكتفين أو الرقبة.
- الشعور بالألم والضغط خلف العينين.
- الحساسية للضوء والصوت.
ما أسباب الصداع النفسي؟
يعد الصداع النفسي أحد الأعراض الشائعة للكثير من الاضطرابات النفسية. ربما يتعلق الأمر بكيفية عمل الدماغ؛ حيث تستخدم الخلايا الموجودة في دماغك؛ التي تتحكم في الحالة المزاجية والنوم والألم، مادةً كيميائية تسمى "السيروتونين" لإرسال الرسائل بعضها إلى بعض. وعندما يُصاب الأشخاص بالصداع، تصبح هذه الخلايا أكثر نشاطاً من المعتاد؛ فيؤدي ذلك إلى تغيير مستويات السيروتونين لديك ما قد يعمل على تفاقم الشعور بالقلق؛ ومن ثَمّ تُصاب في نهاية الأمر بالصداع النفسي. وهناك العديد من الأسباب الأخرى التي قد تسهم في تفاقم أعراض هذا الصداع؛ مثل:
- التعرض إلى الإجهاد: يؤكد الطبيب النفسي إبراهيم حمدي إن الصداع من أكثر الأعراض الجسدية العصبية التي تدل على التعرض إلى الإجهاد النفسي. يشبه الأمر أن يطلق جسدك صافرات الإنذار حتى يخبرك بضرورة الانتباه إلى صحتك، ففي الكثير من الأحيان، يحدث الصداع النفسي كرد فعل جسدي على الاضطراب العاطفي الذي تعانيه.
- الحساسية للألم: يُعتقد أن الأشخاص الذين يصابون بالصداع النفسي بانتظام قد يكونون أكثر حساسية تجاه الألم؛ حيث يمكن أن تؤدي هذه الحساسية إلى مزيد من الألم في رأسك.
- التوتر العضلي: عندما تشعر بالقلق، يستجيب جسمك، ويستعد للتعامل مع مصدر قلقك، ومن هنا يحدث التوتر العضلي؛ ولكن مع القلق الطويل الأمد، يتحفز جسمك من أجل البقاء في حالة من اليقظة المتزايدة، وهذا يسبب توتر العضلات، بدلاً استرخائها على نحو طبيعي؛ ويؤدي إلى زيادة الشعور بالصداع النفسي.
- اضطرابات النوم: يعاني العديد من الأشخاص الذين يعانون القلق، صعوبةً في النوم، وهذا سبب شائع آخر لنوبات الصداع النفسي.
- استخدام الشاشات مدة طويلة: يؤكد مختص جراحة المخ والأعصاب طارق درويش، إن الصداع النفسي يمكن أن ينجم عن استخدام الشاشات مدة طويلة، إما عبر استعمال الهاتف وإما عبر الجلوس على الكمبيوتر ساعات طويلة. ويضيف درويش إن السبب يمكن أن يكون بسبب النوم بوضعية سيئة.
اقرأ أيضاً: كدمات الحزن: كيف تنعكس معاناتك النفسية على صحتك الجسدية؟
3 اضطرابات نفسية تتداخل مع الصداع
قد يؤثر صداع التوتر المزمن الذي يستمر أسابيعَ أو أشهرَ في نوعية حياتك. على سبيل المثال؛ قد يمنعك من التركيز على عملك وإنجاز المسؤوليات والمهام اليومية. ويتداخل الصداع النفسي مع العديد من الاضطرابات النفسية؛ مثل:
- الضغط النفسي والصداع: عندما نشعر بالضغط النفسي، تطلق أجسامنا هرمونات التوتر مثل الكورتيزول؛ التي يمكن أن تؤدي إلى توتر العضلات وانقباض الأوعية الدموية في الرأس والرقبة؛ وهذا بدوره يمكن أن يؤدي إلى الصداع النفسي الذي يتجسد على هيئة ضغط يشبه وجود رباط محكم الضيق حول الرأس.
- نوبات القلق والذعر والصداع: يمكن أن تسبب نوبات القلق والذعر الصداع النفسي، وغالباً ما يكون مصحوباً بأعراض أخرى مثل سرعة ضربات القلب وضيق التنفس والشعور بالهلاك الوشيك. وفي هذه الحالة، قد يكون الصداع بسبب استجابة الجسم إلى التهديدات المتصورة أو الإثارة المتزايدة.
- الاكتئاب والصداع: يمكن أن يظهر الاكتئاب جسدياً، ويكون الصداع من الأعراض الشائعة. والحقيقة أن العلاقة الدقيقة بين الاكتئاب والصداع النفسي ليست مفهومة تماماً؛ ولكن قد تكون الاختلالات الكيميائية في الدماغ من العوامل المسهمة. وعلى صعيد آخر، يمكن أن تشمل أعراض الاكتئاب صعوبة في التركيز، والشعور بالذنب، وفقدان الاهتمام بالهوايات، وصعوبة العمل أو التواصل الاجتماعي، وتؤدي هذه الأعراض إلى التوتر والقلق الذي يمكن أن يسبب الصداع النفسي.
كيف يمكن علاج الصداع النفسي؟
لا يمكنك تجنب التوتر اليومي؛ لكن تُمكنك السيطرة على التوتر قدر الإمكان ومن ثَم تقليل تكرار الصداع النفسي وشدته، وذلك من خلال الطرائق التالية:
- فكر في تقنيات الاسترخاء: تعمل هذه التقنيات على تخفيف أعراض التوتر والقلق ومن ثم تقليل احتمال حدوث الصداع النفسي، ومن أهم أمثلة تقنيات الاسترخاء:
- الاستماع إلى الموسيقا أو الرقص.
- قراءة كتاب.
- اللعب مع حيوانك الأليف.
- ممارسة تمارين التنفس العميق.
- تخصيص وقت للتأمل أو اليوغا.
- قلل مهامك: بدلاً من وضع قائمة طويلة بالمهام التي يجب إنجازها يومياً، قلل مهامك اليومية، واسأل نفسك ما الذي يجب فعله حقاً، وما المهام التي يمكن أن تنتظر ، وما الذي لا تحتاج إلى فعله اليوم. لا بأس في أن تقول "لا" لبعض المهام.
- تناول الطعام الصحي: يمنحك النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضروات والحبوب الكاملة المزيد من الطاقة ويساعدك في السيطرة على التوتر.
- احصل على قسط كافٍ من النوم: تضغط قلة النوم على جسمك وقد تؤدي إلى إطلاق هرمونات التوتر مثل الأدرينالين والكورتيزول؛ ولهذا يجب أن تحصل على قسط كافٍ من النوم حتى تقلل شعورك بالتوتر.
- غيّر طريقة تفكيرك: في كل مرة تتوقع فيها أن تسير الأمور كما خُطط لها، سوف يداهمك التوتر؛ ولهذا عليك تغيير طريقة تفكيرك. كن مستعداً، ونظّم يومك؛ ولكن توقع التحديات، وجهز نفسك من أجل التعامل معها، وحاول ألا تقلق بشأن الأشياء التي لا يمكنك التحكم فيها.
- خذ قسطاً من الراحة: إذا شعرت بالإرهاق من العمل، خذ قسطاً من الراحة من أجل تصفية ذهنك. قد يؤدي بعض تمارين التمدد البطيئة أو المشي السريع إلى تجديد طاقتك. وإذا كنت تحس بالإجهاد، خذ إجازة وابتعد عن روتينك اليومي.
في النهاية، يمكن القول إن معظم حالات الصداع النفسي لا تستدعي القلق؛ ولكن إذا كان الصداع يعوق أنشطتك اليومية أو عملك أو حياتك الشخصية، فاطلب المساعدة من طبيبك النفسي. قد تكون متوتراً؛ ولكن ربما يكون هناك شيء آخر ويجب عليك إجراء الفحوصات اللازمة من أجل الاطمئنان على صحتك.