في حين يُسرع الوالدان لإسعاف طفلهما ما أن يُصاب بكسر أو جرح، فإن معاناته من ألم نفسي قد لا تحظى بنفس الاهتمام؛ ما قد يدفع المراهق للصمت حول آلامه النفسية وعدم التعبير عنها. كيف بإمكانك تحسين "الصحة النفسية عند المراهقين"؟
يؤخر ذلك الأمر من اكتشاف المرض النفسي لدى المراهق؛ حيث تظل حالته غير مكترَث أو مُعتَرَف بها؛ وبالتالي تظل غير مُعالَجَة. ينتج عن ذلك الفشل في معالجة الاضطرابات إلى استمرارها إلى مرحلة البلوغ، ويحد من فرص عيش حياة مُرضية للبالغ.
الصحة النفسية عند المراهقين
إن المراهقة هي وقت حيوي للنمو الجسدي والنفسي، يحدث خلالها عدد من التغيُّرات التي تستمر مع الطفل في المراحل العمرية اللاحقة. كما تُعد تلك المرحلة ذروة ظهور المرض العقلي؛ حيث يعاني نصف الأشخاص الذين يصابون بمرض عقلي من نوبتهم الأولى قبل بلوغهم سن 18 عاماً.
يُعدّ الظهور المبكر للمرض العقلي مؤشراً مهماً للتنبؤ بالنوبات المستقبلية. ومع ذلك، فإن المراهقين والشباب هم الأقل طلباً وتلقّياً للعلاج من الأمراض العقلية والنفسية.
في حين يتزايد الوعي بضرورة الاهتمام بالصحة النفسية شيئاً فشيئاً؛ حيث زاد الاعتراف بالدور المهم الذي تؤديه الصحة النفسية في تحسين جودة الحياة وتحقيق أهداف التنمية المستدامة في السنوات الأخيرة؛ إلا أن معاناة الأشخاص المصابين بأمراض عقلية في كثير من الأحيان من التمييز والوصم، وعدم الحصول على الرعاية الصحية المطلوبة، ما زالت مستمرة.
أكثر الاضطرابات شيوعاً خلال فترة المراهقة
تشير الإحصاءات إلى أن واحداً من كل سبعة أطفال تتراوح أعمارهم بين 10 و19 عاماً، يعاني من اضطراب عقلي؛ وهو ما يمثل 13% من العبء العالمي للمرض في هذه الفئة العمرية.
كذلك؛ يُعتبر الاكتئاب، والقلق، والاضطرابات السلوكية، من بين الأسباب الرئيسية للمرض والعجز بين المراهقين. وتشير التقديرات إلى أن 3.6% ممن تتراوح أعمارهم بين 10-14 عاماً و 4.6% ممن تتراوح أعمارهم بين 15-19 عاماً، يعانون من اضطراب القلق.
كما ينتشر الاكتئاب بنسبة 1.1% بين المراهقين الذين تتراوح أعمارهم بين 10-14 سنة، ونسبة 2.8% ممن تتراوح أعمارهم بين 15 و19 عاماً. يوثّر كل من الاضطرابين كثيراً على المواظبة في الدراسة والعمل، ويمكن أن يؤدي الانسحاب الاجتماعي الناتج عنهما إلى تفاقم العزلة والشعور بالوحدة.
كذلك، فعادة ما تظهر اضطرابات الأكل؛ مثل فقدان الشهية العصبي والشره المرضي، خلال فترة المراهقة وبداية مرحلة البلوغ؛ والتي تتضمن سلوكاً غير طبيعي في الأكل، مصحوباً في معظم الحالات بمخاوف بشأن وزن الجسم وشكله. بالإضافة إلى ذلك؛ تظهر الحالات التي تتضمن أعراض الذهان بشكل أكثر شيوعاً في أواخر مرحلة المراهقة أو بداية مرحلة البلوغ.
الإسعافات الأولية لتحديد ومعالجة الأمراض النفسية
لسد تلك الفجوة بين انتشار الاضطرابات النفسية بين المراهقين، وحصولهم على الدعم المناسب؛ تم تصميم برنامج الإسعافات الأولية للصحة النفسية للشباب والمراهقين (MHFA)، بهدف إزالة الخوف والتردد من بدء المحادثات حول مشاكل الصحة العقلية من خلال تحسين الفهم، وزيادة الوعي، وتوفير خطة عمل تعلّم الناس تحديد ومعالجة المرض النفسي المحتَمَل بشكل آمن ومسؤول.
كذلك؛ تهدف تلك الإسعافات الأولية إلى المساعدة في التعرُّف على العلامات التحذيرية للمرض النفسي، وتقديم المساعدة وقت الحاجة. عندما يتم تجهيز المزيد من الأشخاص بالأدوات التي يحتاجون إليها لبدء حوار مع المراهقين الذين يعانون من اضطرابات نفسية، يمكن لعدد أكبر منهم الحصول على المساعدة التي يحتاجون إليها، ويكون للمسعفين في مجال الصحة النفسية هدف سامٍ هو إنقاذ الأرواح.
صُمِّمَ ذلك التدريب لتعليم الآباء، وأفراد الأسرة، ومقدمي الرعاية، والمعلمين، وغيرهم، كيفية مساعدة المراهقين من سن 12 إلى 18 عاماً الذي يعانون من اضطرابات الصحة العقلية والأزمات النفسية.
يهدف التدريب لتعلُّم كيفية مساعدة الشباب في حالات الأزمات وغير الأزمات، والاطلاع على مخاوف الصحة النفسية الشائعة بين الشباب، وتقليل الوصمة والنبذ الاجتماعي، بالإضافة إلى التعرف على علامات وأعراض مشاكل الصحة العقلية وتعاطي المخدرات.
بالإضافة إلى ذلك؛ يهدف التدريب لتزويد البالغين بالمهارات اللازمة لاستخدام خطة عمل، لمساعدة الشباب الذين قد يواجهون مشكلة أو أزمة تتعلق بالصحة العقلية والنفسية؛ مثل الانتحار.
زيادة الوعي وتقليل النبذ الاجتماعي
تبدأ فعالية الإسعافات الأولية للصحة النفسية بزيادة الوعي، وتعديل المعتقدات الخاطئة عن الاضطرابات النفسية؛ ما يعزز قدرة التعرف عليها؛ وبالتالي التعامل معها بطريقة فعّالة.
في مراجعة منهجية حول مدى الوعي بتلك الإسعافات الأولية، أظهرت جميع الدراسات تحسينات كبيرة في المعرفة، والوعي، وكذلك نوايا وسلوكيات المساعدة في كل من المشاركين البالغين والشباب.
كما أظهرت المراجعة أدلة مشجّعة على فوائد طويلة الأمد بعد التدريب، مع توصيات بضرورة إجراء المزيد من الدراسات في البلدان غير الغربية، والسكان المعرضين للخطر، والأوساط المهنية المختلفة.
أيصاً؛ في مراجعة أخرى لعدد من الدراسات التي تُقيّم التدريب على الإسعافات الأولية للصحة العقلية، أظهرت النتائج أن معظم المسعفين الأوليين في مجال الصحة العقلية، هم نساء في منتصف العمر.
كما أن ذلك التدريب قد أتى بثماره بعد 5-6 أشهر؛ حيث تم تحسين التوافق مع المهنيين الصحيين حول العلاجات، وتحسين سلوك المساعدة، وزيادة الثقة في تقديم المساعدة للآخرين، وتقليل التمييز الاجتماعي مع الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات عقلية.
وأخيراً؛ أن تكون على دراية بكيفية إسعاف شخص عزيز عليك من نوبة هلع أو اكتئاب شديد هو أمر شديد الأهمية، ينقذك من الوقوف عاجزاً، ويمنحك قوة المعرفة والوعي اللازمين للمساعدة وتحسين "الصحة النفسية عند المراهقين".