ما الذي كشفته الدراسات العلمية عن السمات المشتركة بين أسعد الناس؟

6 دقيقة
تحقيق السعادة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: شاهدت منذ عدة سنوات فيلم "السعي نحو السعادة" (The Pursuit of Happyness)؛ وهو بطولة النجم الشهير ويل سميث. وقتذاك، اندمجت كثيراً مع رحلته الشاقة والطويلة؛ لكن الفيلم لم يكن سعيداً كما توقعت وأصابني بالإحباط. الآن أدرك جيداً فلسفة هذا الفيلم، فالسعي نحو السعادة لا يعني بالضرورة أن الطريق ستكون سهلة؛ لكن الرحلة تستحق أن تُخاض، وهذه أهم سمات الأشخاص السعداء، فهم يسلكون دوماً طريقهم الخاصة حتى لو كانت صعبة، وإليك في هذا المقال السلوكيات التي تجمع أسعد البشر.

يقضي الكثير من الناس معظم حيواتهم سعياً وراء السعادة، ففي عصرنا الحديث أضحى سر السعادة مصدر قلق متزايد؛ حيث إن زيادة الأمان المالي أعطتنا الكثير من الوقت للبحث عن المتعة والمعنى والسعادة، فمع تغير العصور وتبدل الزمان، لم يعد إنسان العصر الحديث قلقاً من البحث عن الطعام؛ بل أصبحنا قلقين بشأن كيفية عيشنا الحياة على نحو أفضل. أحياناً نعتقد أننا سنكون أكثر سعادة لو جنينا المزيد من المال، وفي أوقات أخرى نشعر بأن سعادتنا ستتحقق حين نصل إلى النجاح المهني، فما سر السعادة حقاً؟ وما السلوكيات التي تجمع أسعد البشر؟ الإجابة من خلال هذا المقال.

كيف يمكن تحقيق السعادة؟

تُعرف السعادة بأنها المشاعر الإيجابية التي نحس بها في أثناء ممارسة الأنشطة الممتعة في حيواتنا اليومية. وعندما نفكر في السعادة، فإننا في معظم الأوقات نقصد الأشياء التي تجلب لنا المتعة الفورية؛ مثل وجبة لذيذة، أو كتاب مفضل، أو يوم من الاسترخاء على الشاطئ.

وعلى الرغم من أن هذه الملذات تجلب السعادة، فإن الأمر غالباً ما يكون مؤقتاً؛ وذلك لأن دفقة السعادة تختلف عن حالة الرضا التي تعمل على نحو مختلف وتستمر مدةً أطول.

ووفقاً لما ذكره أستاذ علم النفس في جامعة بنسلفانيا (University of Pennsylvania)، مارتن سيليغمان (Martin Seligman)؛ فإن السعي إلى تحقيق السعادة يختلف من شخص إلى آخر؛ ولكن معظم الأفراد يحاولون تحقيق السعادة عبر الطرائق التالية:

  1. السعي إلى المتعة: الأشخاص الذين ينتمون إلى هذه الفئة يبحثون عن السعادة من خلال المتعة؛ ولهذا فهم يجيدون الاستمتاع بالأنشطة الحياتية المختلفة، ويحاولون جعل ملذاتهم تدوم أطول وقت ممكن، وعادة ما يبحث هؤلاء الأشخاص عن الإثارة أملاً في الحصول على المزيد من دفقات السعادة.
  2. تحقيق النجاح المهني: يبحث هؤلاء الأفراد عن السعادة عبر النجاح المهني؛ ولهذا فإنهم ينخرطون في العمل اليومي، وينغمسون بعمق في الأنشطة الجادة التي يمكن أن تحقق أهدافهم إلى درجة أنهم يبدون غير مبالين أو مهتمين بباقي مناحي الحياة؛ لكن هؤلاء الأشخاص يخافون فكرة انقضاء الوقت دون تحقيق أهدافهم الحياتية الكبرى.
  3. البحث عن المعنى: هذا النوع من السعادة مشتق من البحث عن الفضيلة والمعنى، ويرتبط بالوفاء بالمسؤوليات، والاستثمار في الأهداف طويلة المدى، والاهتمام برفاهية الآخرين، والارتقاء إلى مستوى المُثُل العليا وتحقيق الخير.

ويعتقد سيليغمان إن الأشخاص الذين يبحثون عن المعنى أو تحقيق النجاح المهني عادة ما يكونوا أكثر سعادة من هؤلاء الذين يسعون إلى المتعة، ويوضح سيليغمان إن الأنشطة التي تركز فيها طاقتك واهتمامك لها تأثير كبير في إحساسك بالسعادة.

اقرأ أيضاً: كيف تؤثر السعادة على صحتنا البدنية والنفسية؟

8 علامات تخبرك بأنك تعيش حياة سعيدة

يؤكد استشاري الطب النفسي، وليد هندي، إن السعادة مفهوم نسبي، وإنهت تختلف من شخص إلى آخر. ومع ذلك، فقد أشار مدير الأبحاث في مؤشر غالوب الوطني للصحة والرفاهية (the Gallup National Health and Well-Being Index) ومؤلف كتاب ‫"المناطق الزرقاء للسعادة: دروس من أسعد الأشخاص في العالم" (The Blue Zones of Happiness: Lessons From the World’s Happiest People) الذي أمضى 20 عاماً في دراسة السعادة وسلوكيات الأشخاص السعداء، دان ويترز (Dan Witters)، إلى أن هناك بعض العلامات الرئيسة التي يمكن أن تخبرك بأنك تعيش حياة سعيدة؛ مثل:

  1. تدير أموالك بحكمة وتعيش في حدود إمكانياتك، ولديك ما يكفي من المال لتفعل ما تريد.
  2. تستطيع تحديد الأهداف والوصول إليها.
  3. تخصص الوقت الكافي للجلوس مع الأهل والأصدقاء.
  4. تتعلم شيئاً جديداً أو مثيراً للاهتمام كل يوم.
  5. تتناول5 حصص من الفواكه والخضروات 4 أيام على الأقل كل أسبوع.
  6. تمارس الرعاية الذاتية وتعامل نفسك بلطف ورحمة.
  7. ترغب في مشاركة سعادتك وفرحك مع الآخرين.
  8. تشعر بالامتنان أغلب الوقت ومشاعرك الإيجابية أكثر حضوراً من السلبية.

وأحد الأشياء المهمة الذي يجب ذكره هو أن السعادة ليست حالة من النشوة المستمرة والمتعة التي لا تنضب، فالأشخاص السعداء يشعرون بالحزن والإحباط والغضب والملل والوحدة من وقت إلى آخر؛ لكنهم حين يواجهون تلك المشاعر، يكون لديهم إحساس كامن في نقطة عميقة في دواخلهم، بأن الأمور سوف تتحسن، وأنهم يستطيعون التعامل مع هذه الحالات، وأن السعادة قادمة مرة أخرى لا محالة وسيشعرون بها قريباً.

اقرأ أيضاً: على طريق السعادة: الخطوات الأولى التي علينا سلكها

ما السلوكيات التي تجمع أسعد البشر؟

يميل الأشخاص السعداء إلى اتباع مجموعة معينة من السلوكيات التي تخلق السلام في حيواتهم وتجعلهم يستمتعون بتفاصيل الحياة اليومية؛ وذلك مثل:

  1. حب الذات: يؤكد أستاذ علم النفس الأميركي ومؤلف كتاب "السعي نحو السعادة" (Pursuit of Happiness)، ديفيد مايرز (David Myers)، إن الأشخاص السعداء يحبون أنفسهم، ولديهم تقدير وألفة واحترام إيجابي لذواتهم؛ ولهذا فإنهم قادرون على النظر إلى التحديات باعتبارها انتكاسات مؤقتة أو فرصاً للنمو.
  2. ممارسة اليقظة الذهنية: يُستخدم مصطلح "اليقظة الذهنية" على نطاق واسع في علم النفس، ويعني في الأساس الانتباه عن قصد إلى اللحظة الحالية، والانخراط الكامل فيما تفعله في الوقت الحاضر، دون التفكير في الماضي، أو الانشغال بأمر المستقبل، والأشخاص السعداء يعلمون جيداً أن الحياة لا تقتصر فقط على السعي إلى تحقيق هدف تلو الآخر؛ ولكن الأمر يتعلق  بالاستمتاع بالرحلة على طول الطريق.
  3. تطوير استراتيجيات التكيف الصحية: يواجه الأشخاص السعداء صعوبات وتحديات مرهقة في حيواتهم؛ ولكنهم مع ذلك يستطيعون مواجهة تلك التحديات، وذلك عبر تطوير استراتيجيات التكيف الصحية مثل التنفس العميق والتأمل والذهاب في نزهة على الأقدام وقراءة الكتب والطهو، واللعب مع حيوان أليف أو التحدث إلى أحد الأصدقاء المقربين.
  4. التفكير الإيجابي: لا تسير الحياة على وتيرة واحدة أبداً، وليست الأوقات كلها جيدة، والطريق لن تكون ممهدة على الدوام؛ لذلك حين تأتي الأحداث السيئة يفكر الأشخاص السعداء بطريقة إيجابية من خلال 3 استراتيجيات:
  •  أولاً: يركزون وقتهم وطاقتهم على الأمور التي تمكن السيطرة عليهم.
  • ثانياً: يعرفون متى يجب عليهم المضي قدماً إذا لم تنجح استراتيجيات معينة أو إذا كان الأمر خارج نطاق السيطرة.
  • ثالثاً: يدركون جيداً أن هذه الأحداث السيئة سوف تمر، والرحلة قد تكون وعرة أحياناً؛ إلا أنها لن تستمر إلى الأبد.
  1. عيش الحياة التي يريدونها: أكثر ما يندم عليه الأشخاص حين يتقدمون في السن هو أنهم لم يملكوا الشجاعة الكافية من أجل عيش الحياة التي يريدونها؛ ولكن السعداء لا يفعلون ذلك؛ إنهم يعيشون حيواتهم بطريقتهم الخاصة وليس الحياة التي يتوقعها الآخرون منهم، علاوة على أنهم يركزون بصفة خاصة على آمالهم وأهدافهم وأحلامهم.
  2. ممارسة الامتنان: يركز الأشخاص السعداء على ما لديهم وليس على ما لا يملكونه، وعلى الرغم من أنهم يريدون المزيد في حيواتهم المهنية وعلاقاتهم وحساباتهم المصرفية وما إلى ذلك، فإن التفكير فيما لديهم بالفعل والتعبير عن الامتنان له يجعلهم أكثر سعادة. وفي هذا السياق، أوضحت دراسة علمية أجرتها جامعة كاليفورنيا (The University of California) أن الامتنان يخفف المشاعر السلبية ويزيد مستوى السعادة. كل ما عليك فعله لتحقيق ذلك هو كتابة 3 أشياء جيدة حدثت لك كل يوم، وبعد ذلك سيعتاد عقلك التفكير في الأشياء الجيدة.
  3. تطوير الهوايات: شيء آخر يفعله الأشخاص السعداء وهو ممارسة الهوايات التي يحبونها؛ حيث إن امتلاك هواية يمنحك شيئاً تتطلع إليه، علاوة على أنها توفر منفذاً للإبداع ويمكن أن تمنحك أيضاً شعوراً بالإنجاز، سواء كان ذلك بالرسم، أو الطبخ، أو العزف على آلة موسيقية، أو بممارسة الكتابة؛ إذ توصلت دراسة علمية نشرتها مجلة الشخصية وعلم النفس الاجتماعي (Journal of Personality and Social Psychology) إلى نتيجة مفادها أن معالجة التجارب السلبية من خلال الكتابة تحسن الحالة المزاجية وتعزز الشعور بالرضا.
  4. الاتساق مع قيمهم الخاصة: يعيش المرء في حالة من السعادة حين تعكس سلوكياته معتقداته الراسخة؛ قد يعني هذا إعطاء الأولوية لوقت العائلة، أو التطوع من أجل قضية يؤمن بها، أو السعي إلى تحقيق النمو الشخصي المستمر. المهم هنا هو مواءمة حياتك مع قيمك التي تؤمن بها، وأن تكون صادقاً مع نفسك؛ لأن السعادة رحلة شخصية، وما يجلب السعادة لشخص ما، قد لا يكون له التأثير نفسه في شخص آخر. الأمر كله يتعلق باكتشاف ما يناسبك، وما يتوافق مع قيمك، ويجعلك تشعر بالرضا.
  5. تقدير متع الحياة الصغيرة: نعلق أحياناً في روتين الحياة اليومية، وعلى الرغم من أن هذا الروتين يعد أمراً جيداً، فإن الانشغال به قد يمنعنا من تقدير متع الحياة الصغيرة؛ ولكن الأشخاص السعداء يعرفون جيداً مدى أهمية تلك المتع الصغيرة ولهذا فإنهم يستمتعون بوجبة الطعام الساخنة وكوب القهوة الصباحي والهواء المنعش والمحادثات البسيطة مع أصدقائهم.
  6. السعي نحو السعادة: لا أحد يستيقظ من النوم وهو يشعر بالسعادة كل يوم، والأشخاص السعداء ليسوا استثناء؛ لكن الفرق الجوهري بينهم وبين غيرهم هو أنهم يبذلون الجهد من أجل سعادتهم لأنهم يعرفون جيداً أن الانغماس في روتين الحياة اليومية ربما يسحبهم بعيداً عن السعادة والإيجابية. ولهذا؛ فإنهم يقيمون حالتهم المزاجية باستمرار ويتخذون القرارات التي تضع سعادتهم في المقدمة.
  7. امتلاك عقلية النمو: تنقسم عقليات الأفراد إلى فئتين؛ العقلية الثابتة وعقلية النمو. مع العقلية الثابتة، تعتقد أنك لا يمكنك التغيير؛ وهذا يجعلك غير قادر على التعامل مع تحديات الحياة اليومية لأن أي شيء يبدو أكبر مما يمكنك التعامل معه؛ الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى شعورك باليأس والإرهاق. أما الأشخاص أصحاب عقلية النمو فيؤمنون أنه يمكنهم التحسن ببذل الجهد؛ وهذا يجعلهم أكثر سعادة لأنهم أفضل في التعامل مع الصعوبات، بالإضافة إلى أنهم يتفوقون في الأداء على أصحاب العقلية الثابتة لأنهم يتعاملون مع التحديات على أنهم فرص للنمو.
  1. ممارسة الرياضة: غالباً ما يمتلك الأشخاص السعداء أداة سحرية لتحسين حالاتهم المزاجية؛ وهي ممارسة التمارين الرياضية، ومن المعروف أن النشاط البدني يحفز إنتاج الإندورفين؛ وهو مادة كيميائية في الدماغ تعمل كمحسن طبيعي للمزاج، فالرياضة لا تحافظ على لياقتهم وصحتهم فحسب؛ بل إنها تلعب أيضاً دوراً مهماً في سعادتهم ورفاهيتهم بصفة عامة. وفي هذا السياق، ينصح المؤلف دان ويترز الذي درس السعادة طوال 20 عاماً، بضرورة ممارسة الرياضة  30 دقيقة يومياً مدة 3 أيام في الأسبوع على الأقل، ويضيف ويترز إن هناك عدة عوامل تعزز إحساس المرء بالسعادة مثل سهولة الوصول إلى الطبيعة والمناطق الخضراء والمساحات المفتوحة.
  2. الابتسام: أكدت دراسة علمية نُشرت في مجلة البحوث في الشخصية (Journal of Research in Personality) عام 2022 إن الأفراد الأكثر سعادة لديهم نمط من السلوكيات المتكررة؛ ومن أهم تلك السلوكيات هي الابتسامة؛ وذلك لأن الأشخاص السعداء يميلون إلى نشر الإيجابية في حيواتهم اليومية. ولهذا؛ فإنهم يبتسمون كثيراً ويتصرفون بمرح. وأضافت الدراسة أن الأشخاص غير السعداء أيضاً لديهم أنماط متكررة من السلوكيات الضارة مثل الشعور بالذنب والغضب وانتقاد الذات.

المحتوى محمي