بينما يعاني المصاب بالاكتئاب انخفاضَ الطاقة والرغبة بالعزلة والانطواء على ذاته وأفكاره وأحاسيسه، فإن نوعاً أشد خطورة من الاكتئاب قد يصيب الفرد بالجمود وفقدان القدرة على الحركة أو إبداء أي رد فعل أو استجابة. يُعرف هذا النوع من الاكتئاب بـ "الذهول الاكتئابي"، فما هو؟ وما هي أسبابه وطرائق علاجه؟
محتويات المقال
ما هو الذهول الاكتئابي؟
الذهول الاكتئابي (Catatonic Depression) هو نوع فرعي من الاكتئاب يعاني المصاب به حالة طويلة من الجمود أو عدم القدرة على الحركة. هذه الحالة عبارة عن مزيج من اضطراب الاكتئاب الشديد (Major Depression Disorder) وحالة من الذهول؛ حيث قد لا يتمكن الفرد من التحدث أو الحركة أو الاستجابة لمحيطه. في الطبعة الخامسة من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية والعقلية (DSM)؛ التي نشرتها الجمعية الأميركية للطب النفسي، صنف الباحثون هذه الحالة على أنها اضطراب اكتئابي حاد مع مظاهرَ ذهانية.
وفقاً لمختص علم النفس، عبد الله آل دربا؛ فإن الذهول الاكتئابي أو ما يُعرف أيضاً بـ "الغشية الاكتئابية"، من أسوأ أنواع الإكتئاب وأشدها وأخطرها؛ حيث يبقى المصاب ملازماً الفراش، دون حراك، فلا يأكل ولا يتحدث إلى أحد، ويبدو كمَن عاد إلى حالة بداية الطفولة؛ إذ يحتاج إلى مساعدة الآخرين له في إطعامه وتغسيله وما إلى ذلك.
اقرأ أيضاً: كيف يمكن لهذه العلامة البسيطة أن تكون إشارة لإصابتك بالاكتئاب؟
تعرف إلى أعراض الذهول الاكتئابي
يعاني المصابون بالذهول الاكتئابي نوباتٍ من أعراض كل من اضطراب الاكتئاب الشديد والذهول. تستمر نوبات الاكتئاب عادة مدة أسبوعين على الأقل؛ بينما قد تستمر نوبات الذهول بين ساعات وأيام. لكن في حالات الذهول الاكتئابي، تصبح هذه النوبات مزمنة وتستمر أسابيعَ أو سنوات.
تتضمن أعراض اضطراب الاكتئاب الشديد:
- الشعور بالحزن واليأس وعدم القيمة.
- انخفاض الاهتمام بما كان مثيراً وممتعاً في السابق.
- صعوبة التركيز.
- انخفاض الطاقة والتعب.
- اضطراب النوم والشهية.
- الأفكار والميول الانتحارية أو إيذاء النفس.
أما بالنسبة إلى الذهول، فينبغي للمصاب أن يعاني 3 أعراض على الأقل من الأعراض التالية ليشخص الطبيب حالته بالذهول:
- عدم القدرة على الحركة.
- الصمت؛ ويُقصد به رفض التحدث أو الاستجابة لفظياً.
- التموضع؛ وهو الحفاظ على وضعية معينة فتراتٍ زمنيةً طويلة.
- التصلب العضلي أو التخشب؛ وهو حالة غير مقصودة ومتطورة من التموضع وأكثر شدة منها.
- الوسادة النفسية؛ وفي هذه الحالة يستلقي المصاب بالذهول الاكتئابي على ظهره بحيث يكون رأسه مرفوعاً على بُعد بضع سنتيمترات من السرير؛ وكأن هناك وسادة غير مرئية ترفع رأسه، مع الثبات على هذا الوضع فترةً طويلة من الزمن.
- السلبية؛ وهي عدم الاستجابة أو المعارضة للتحفيز الخارجي.
- الانفعالات النفسية؛ مثل الشعور بالقلق أو الأرق.
- إيكوبراكسيا (Echopraxia)؛ أي المحاكاة الحركية لتصرفات شخص آخر أو تقليدها لا إرادياً.
- اللفظ الصدوي؛ وهو تكرار لا إرادي لكلام الآخرين.
- الحركات النمطية المتكررة وغير الهادفة؛ مثل هز بعض أعضاء الجسم.
- السلوكيات غير الطبيعية؛ مثل القفز عوضاً عن المشي الطبيعي.
اقرأ أيضاً: كل ما تريد معرفته عن الاكتئاب
لماذا قد يصاب البعض بالذهول الاكتئابي؟
لم يتمكن الباحثون من تحديد الأسباب الدقيقة لهذه النوبات التشنجية في الجسم خلال الذهول الاكتئابي؛ لكنهم اقترحوا عدة نظريات تشمل:
- التغيرات في بنية الدماغ أو وظيفته؛ ما قد يجعل الدماغ أقل استجابة لبعض الهرمونات.
- الاستجابة لتغييرات كبيرة في الحياة؛ مثل وفاة أحد الأحباء أو الطلاق أو فقدان الوظيفة.
- وجود ما يعوق مسارات بعض النواقل العصبية؛ مثل السيروتونين والدوبامين والغلوتامات وحمض غاما أمينوبوتيريك (GABA)؛ التي ترتبط بوظائف الدماغ وتنظيم الحالة المزاجية.
- وجود تاريخ عائلي للإصابة بالاكتئاب أو غيره من حالات الصحة النفسية.
- وجود بعض المشكلات الصحية؛ مثل اضطراب النوم والألم المزمن، أو اضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط.
- التشوهات في المهاد أو الفصوص الجبهية في الدماغ.
- الاستجابة لحالة خوف مفرط؛ حيث تشير إحدى النظريات التطورية إلى أن الجمود قد يكون آلية دفاع قديمة حفّزتها مشاعر الخوف من الحيوانات المفترسة؛ حيث طوّر أسلافنا القدماء استجابة الجمود والقدرة على البقاء ساكناً فترات طويلة لمنع اكتشافهم من قبل الحيوانات المفترسة.
اقرأ أيضاً: هل يمكن أن تؤدي الفوضى من حولك إلى إصابتك بالاكتئاب؟
ما هي عوامل الخطر للإصابة بالذهول الاكتئابي؟
يزيد وجود بعض العوامل خطر الإصابة بالذهول الاكتئابي؛ ويشمل ذلك:
- الاضطرابات النفسية مثل الفصام، أو الاضطراب الثنائي القطب، أو اضطراب طيف التوحد.
- السكتات الدماغية، واضطرابات المناعة الذاتية، والأمراض العصبية التنكسية.
- العدوى الفيروسية أو الفطرية أو البكتيرية؛ مثل التهاب السحايا والتهاب الدماغ.
- إصابات الدماغ.
- تعاطي المخدرات والكحول.
- سحب بعض الأدوية؛ مثل مهدئات البنزوديازيبينات أو الكلوزابين، قبل نهاية دورة العلاج.
كيف يمكن علاج الذهول الاكتئابي؟
يجمع علاج الذهول الاكتئابي بين علاجات الاكتئاب والذهول؛ لكن نظراً إلى أن نوبات الذهول قد تؤدي إلى مضاعفات تهدد الحياة؛ فقد يركز الأطباء على علاج الذهول.
عموماً، تتضمن الخطة العلاجية ما يلي:
- العلاج الدوائي: تُعد البنزوديازيبينات (Benzodiazepines) الاختيار الأول لعلاج الذهول الاكتئابي، وتعمل عبر زيادة تأثير الناقل العصبي (GABA)، وتخفيف شدة أعراض التشنجات العضلية والانفعالات والقلق والأرق. يمكن استخدامها عن طريق الحقن في الوريد (Intravenous therapy)، أو على شكل حبوب.
- العلاج بالصدمات الكهربائية: يعد العلاج بالصدمات الكهربائية الاختيار العلاجي الثاني بعد البنزوديازيبينات. وهو إجراء غير مؤلم؛ لكنه يتطلب تخديراً عاماً تحت إشراف طبي في المستشفى. يتضمن العلاج إيصال صدمات كهربائية إلى المخ لإحداث نوبة فيه تستمر نحو دقيقة من الزمن. يمكن للنوبة أن تغير كميات النواقل العصبية في الدماغ؛ ما يخفف حدة أعراض الذهول. تعد هذه الطريقة فعالة بنسبة 80-100% في علاج الذهول الاكتئابي؛ لكنها تحتاج إلى عدة جلسات.
- التحفيز المغناطيسي المتكرر عبر الجمجمة (Transcranial magnetic stimulation): هو خيار علاجي ناشئ، وفيه يوضع مغناطيس على الجبهة لإطلاق نبضات مغناطيسية على غرار الصدمات الكهربائية؛ لكنه لا يتطلب تخديراً عاماً.
مرحلة التعافي
أثبتت العلاجات السابقة فعاليتها في علاج الذهول الاكتئابي، ومع ذلك، لا بد من متابعة العلاج في مرحلة التعافي لمعالجة السبب الأساسي للمرض. وتتضمن خطة التعافي العلاجات التالية:
- علاج الاكتئاب بالأدوية المضادة للاكتئاب أو العلاج النفسي.
- الحصول على قسطٍ كافٍ من النوم.
- اتباع نمط حياة صحي؛ مثل ممارسة الرياضة بانتظام وتناول غذاء صحي.
- تحديد أهداف صغيرة وقابلة للتحقيق لإنجازها؛ حتى يتمكن المصاب من بناء ثقته بنفسه وزيادة تحفزه للحياة.