كيف تصنع “الذكورية السامة” رجالاً بعقول متحجرة وقلوب قاسية؟

4 دقائق
الذكورية السامة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: "أنت رجل"! حين كنت صغيرة، كنت أسمع أمي تقول لأخي هذه العبارة في كل مرة يحاول فيها البكاء؛ جملة صغيرة من كلمتين فقط ولكنها كانت كافية تماماً لحبس انهمار الدموع، يسمعها أخي ويتوقف تماماً عن البكاء. وحين كبرت، أدركت أن تلك الجملة الصغيرة لم تكبت دموع أخي فقط ولكنها كبتت مشاعره أيضاً، وهذا ما يُعرف باسم "الذكورية السامة" التي سوف نتحدث عنها في هذا المقال.

تشيع فكرة مجتمعية خاطئة منذ قديم الأزل مفادُها أن الرجل لا يبكي، فمهما مر بأحداث صادمة أو مؤلمة يجب أن يتماسك نفسياً ولا ينهار، وقد ولّدت هذه الفكرة إشكالية أكبر تتمثل في اعتبار كبت المشاعر قوة؛ ما أدى إلى تحول تلك المشاعر المكبوتة إلى موجات عنف وسلوكات ذكورية ضارة تُرجمت لاحقاً إلى مصطلح الذكورية السامة، لذا سنستطرق في مقالنا هذا إلى تعريفها وعلاماتها وكذلك أسبابها وعلاجها.

ما هي الذكورية السامة؟

اكتسب مصطلح "الذكورية السامة" زخماً هائلاً في السنوات القليلة الماضية، وقد استُخدم هذا المصطلح للمرة الأولى خلال ثمانينيات القرن الماضي من قِبل أستاذ علم النفس في جامعة جون كينيدي في أوريندا بكاليفورنيا، شيبرد بليس (Shepherd Bliss) في أثناء تدشين "حركة الرجال بين الأسطورة والشعر" (mythopoetic men’s movement)؛ وهي عبارة عن مجموعة من علماء النفس والشعراء والموسيقيين ورواة القصص والمؤلفين. وعموماً، كانت تلك الحركة تهدف إلى إعادة صياغة الأساطير التي يواجهها الرجال في المجتمع.

ويمكن تعريف الذكورية السامة بأنها مجموعة التصرفات والسلوكات والأفكار الخاطئة التي يقوم بها بعض الرجال بناء على الأدوار الاجتماعية التي فُرضت عليه؛ مثل كبت المشاعر وعدم البكاء، وقد تمتد أحياناً لتشمل فرض السيطرة والهيمنة على الآخرين.

علامات الذكورية السامة

  1. الحاجة الماسة إلى الهيمنة والسيطرة.
  2. كبت المشاعر والخوف من التعبير عن العواطف.
  3. الميل إلى العنف والغضب.
  4. معاداة النساء.
  5. الاكتفاء بالذات ورفض طلب المساعدة من الآخرين.

من أين تنبثق أفكار الذكورية السامة؟

للذكورية السامة ضرر بالغ بالمجتمع، وبخاصة لأن الرجال الذكوريين يميلون إلى العنف؛ حيث كشفت إحدى الإحصائيات أن 90% من الجرائم في الولايات المتحدة يقوم بها رجال.

كما تؤدي الذكورية السامة إلى زيادة السلوكات المحفوفة بالمخاطر وزيادة الإقبال على تعاطي المخدرات؛ ولكن يجب علينا أن نتساءل من أين تنبثق أفكار الذكورية السامة.

  1. التنشئة الاجتماعية الخاطئة: في العديد من المجتمعات، يُتوقَّع من الأولاد أن يكونوا أقوياء وجريئين ويتسموا بالهيمنة والسيطرة، وغالباً ما تُفرض تلك القواعد من خلال التنشئة الاجتماعية. والحقيقة أن التنشئة الاجتماعية الخاطئة لا تقتصر فقط على كبت مشاعر الأولاد؛ ولكنها تمتد لتشمل السماح للأولاد بإساءة السلوك دون معاقبتهم.
  2. التأثيرات المجتمعية الخارجية: وأهمها ضغط الأصدقاء ووسائل الإعلام، وهي تخلق بمرور الوقت صورة نمطية للرجولة. وأحياناً قد يتمسك الرجل بالذكورية السامة، ويصر على كبت مشاعره خوفاً من الوصم المجتمعي والصورة النمطية التي تلاحقه. وعوضاً عن ذلك، يتماهى الرجل مع تلك الصورة النمطية التي تُشعره أن العنف مقبول.

ما الذي يمكن أن تفعله الذكورية السامة بالرجال؟

في كتابها "علينا جميعاً أن نصبح نسويين"، تقول الكاتبة النيجيرية تشيماماندا نغوزي أديتشي إن الذكورية تُلحق ضرراً بالغاً بالصبيان لأنها تخنق الإنسانية في داخل كلٍ منهم وتحدد لهم معنى الرجولة في قفص صغير وصلب، وداخل هذا القفص يتعلم الرجال الخوف من الضعف ومن الشعور، والأهم أنهم يتعلمون إخفاء حقيقة شخصياتهم وراء أقنعة. 

ويقول أستاذ علم النفس الفخري بجامعة أكرون في أوهايو بالولايات المتحدة الأميركية، رونالد إف ليفانت: "على الرغم من أن الرجال يستفيدون من النظام الذكوري الأبوي؛ إلا أنهم يتعرضون للضرر من النظام نفسه".

ففي يناير/ كانون الثاني عام ،2019 أصدرت الجمعية الأميركية لعلم النفس (APA) إرشادات للممارسة النفسية مع الأولاد والرجال، وتتحدث تلك الإرشادات عن تأثير معايير النوع الاجتماعي في أفعالنا اليومية، والأهم من ذلك أن تلك الإرشادات سلطت الضوء على الآليات النفسية والعوامل الاجتماعية التي تؤثر قي الذكورية السامة.

وقد ذكر أستاذ علم النفس في جامعة ريدلاندز في كاليفورنيا، د. فريدريك رابينوفيتز إن الطريقة التي نشأ بها العديد من الرجال ليكونوا مكتفين ذاتياً وقادرين على الاعتناء بأنفسهم هي السبب في شعورهم بالعزلة، وهي التي تخلق لديهم صراعات نفسية يمكن أن تكون لها تداعيات مأساوية.

على الرغم من أن الرجال يبلغون عن إصابتهم بالاكتئاب على نحو أقل من النساء؛ فإن نسبة الانتحار أعلى عند الرجال. ففي أستراليا على سبيل المثال؛ يموت الرجال عن طريق الانتحار أكثر بـ 3 مرات من النساء، وتزداد هذه النسبة إلى 3.5 في الولايات المتحدة؛ أما في روسيا والأرجنتين فإن الفجوة بين الرجال والنساء تصل إلى أكثر من 4 مرات.

ما ذكره د. فريدريك تؤكده نائبة رئيس الأبحاث في المؤسسة الأميركية لمنع الانتحار، عالمة النفس جيل هاركافي فريدمان، فعلى الرغم من أن الانتحار حادثة شديدة التعقيد والتشابك ويتداخل فيها الكثير من الأسباب والعوامل؛ لكن تقول فريدمان إنه ومع نمو الوعي بالصحة النفسية، أضحى الفهم العام حول العوامل المسهمة المحتمَلة أكبر.

ومن أهم تلك العوامل التواصل، ففي الوقت الذي تحكي فيه النساء عن مشكلاتهن، يميل العديد من الرجال إلى كبت تلك المشاعر. وفي هذا السياق، يقول المدير التنفيذي السابق للعمليات والتطوير في مؤسسة "لايف لاين" (Lifeline) الخيرية للدعم في الأزمات ومنع الانتحار، كولمان أودريسكول إن المشكلة تبدأ من الطفولة حين نخبر الولد الصغير بأنه لا يجب أن يبكي لأن التعبير عن المشاعر يعني الضعف.

وفي سياق متصل، وجدت دراسة بحثية شارك فيها الأستاذ المساعد في قسم الاجتماع بكلية ليمان بريغز في جامعة ميشيغان، ستيف شوستر أن الرجال الذين يؤيدون الذكورية السامة يمكن أن يصبحوا معزولين اجتماعياً مع تقدمهم في العمر، وهو الأمر الذي يؤثر في صحتهم ورفاهيتهم وسعادتهم بصفة عامة.

4 طرائق تساعد في التغلب على الذكورية السامة

قدمت جمعية علم النفس الأميركية عدة توصيات مهمة للتعامل مع الذكورية السامة؛ ومن أهم تلك التوصيات:

  1. تعزيز العلاقات الأسرية الصحية.
  2. دعم الجهود التعليمية التي تستجيب لاحتياجات الأولاد.
  3. تعزيز الخدمات النفسية التي تراعي الفروق بين الجنسين.
  4. مساعدة الأولاد على الانخراط في السلوكيات الصحية مثل تلقي خدمات العلاج النفسي.

أخيراً، تقول الكاتبة النيجيرية تشيماماندا نغوزي أديتشي إن أسوأ شيء ارتكبناه في حق الرجال هو إخبارهم إنهم يجب أن يكونوا قساة وتركُهم بنفوس هشة للغاية. ولذا؛ من المهم أن يتخلى الرجال عن الذكورية السامة ويزداد وعيهم بكيفية التعبير عن مشاعرهم من غير خوف أو كبت.

المحتوى محمي