كيف يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين الرعاية الصحية النفسية؟

خوارزميات الذكاء الاصطناعي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

إذا احتجت إلى رعاية صحية نفسية في المستقبل للتعامل مع مشكلة مثل القلق أو التوتر مثلاً، فإن النهج العلاجي سيتضمن غالباً أكثر من مجرد العلاج التقليدي المتعارَف عليه اليوم. يستخدم قطاع الرعاية الصحية خوارزميات الذكاء الاصطناعي على نحو متزايد؛ إذ تسير الشركات بخطىً حثيثة نحو تطوير حلول لمراقبة مشكلات الصحة النفسية وعلاجها. تبدو الحالة الصحية النفسية على مستوى العالم مثيرة للقلق مع تزايد كبير في عدد الأفراد الذين يعانون حالات نفسية مُشخصَّة، ووفقاً للأمم المتحدة؛ فقد كان نحو مليار شخص يعانون هذه الحالات حتى قبل ظهور جائحة كوفيد-19.

أحدثت تكنولوجيات مثل الذكاء الاصطناعي ثورة في العديد من القطاعات؛ ومنها قطاع الرعاية الصحية، ومع تزايد الوعي حول الصحة النفسية على مستوى العالم، تزايد الطلب على الحلول المبتكَرة التي تسهل حصول المرضى على العلاج النفسي، وتساعد على الكشف المبكر عن الأمراض، وتقدم الدعم لكل مريض وفق ما يلائم حالته.

يُعد الذكاء الاصطناعي أداة مبتكَرة في مجال تخطيط الخدمات، ويتيح استخدامه في مجال رعاية الصحة النفسية تغيير النهج المتّبع في التشخيص والعلاج والدعم؛ ما يؤدي في النهاية إلى تحسين النتائج التي يحصل عليها المرضى. يمكن للأدوات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي أتمتة المهمات ومساعدة الأطباء وتعزيز فهمهم للأسباب الكامنة وراء الاضطرابات المعقدة، وذلك باستخدام بيانات الرعاية الصحية الرقمية من مصادر مختلفة مثل السجلات الصحية الإلكترونية والصور الطبية والملاحظات السريرية المكتوبة بخط اليد.

الدور المحتمل للذكاء الاصطناعي في مجال رعاية الصحة النفسية

تُستخدم خدمة الرعاية الصحية والطبابة عن بُعد منذ سنوات لدعم المرضى من خلال الاختبارات التشخيصية، والتذكير بمواعيد الأدوية، والتثقيف الصحي، وتحديد علامات التحذير المبكرة للحالات المرضية، وعند الحديث عن الصحة النفسية، يمثل التوقيت أهمية كبيرة في التدخلات العلاجية، ولا سيّما فيما يخص إدارة الأدوية واعتمادها. يمكن أن تمثل أدوات الذكاء الاصطناعي أدوات مُساعِدة لا تُقدَّر بثمن لكلٍ من مقدمي الرعاية الصحية والمرضى؛ إذ تقدم دعماً مستمراً ومراقبة يومية للتعرف إلى الانتكاسات المحتمَلة قبل أن تتطور إلى حالات حرجة.

ازداد تطور بوتات الدردشة والمساعِدات الافتراضية التي ترتكز على الذكاء الاصطناعي في مجال دعم الصحة النفسية، فبات بإمكان هذه البرامج الدخول في حوارات وجدانية مع الأفراد الذين يمرون بأزمات نفسية، وتزويدهم باستراتيجيات للتأقلم وإجراءات تدخلية مستندة إلى الأدلة، وهي متوفرة على مدار الساعة؛ ما يضمن حصول المريض على الدعم كلما لزم الأمر، ناهيك بأنه يمكن لبوتات الدردشة مراقبة التغيرات في الحالة المزاجية والسلوك بمرور الوقت، وتنبيه مقدمي الرعاية الصحية إلى الأزمات أو الانتكاسات المحتمَلة. علاوة على ذلك، يدعم الذكاء الاصطناعي تطوير نُهُج العلاج الشخصية في مجال رعاية الصحة النفسية؛ إذ يمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي أن تساعد على توقع الاستجابات الفردية لمختلف الإجراءات التدخلية، من خلال تحليل التاريخ الطبي للمريض والعوامل الوراثية والبيئية واستجابته للعلاج؛ ما يسمح بتصميم الخطة العلاجية وفقاً لاحتياجات المريض المحددة ومن ثَم تحسين الفعالية وتقليل اللجوء إلى طريقة المحاولة والخطأ.

يمكن أن توفر التقنيات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي أيضاً المراقبة والدعم عن بُعد للأفراد الذين يعانون حالات صحية نفسية باستخدام الأجهزة القابلة للارتداء؛ مثل الساعات الذكية التي تجمع بيانات في الوقت الفعلي عن المؤشرات الفيزيولوجية والسلوكية للصحة النفسية، ويمكن لخوارزميات الذكاء الاصطناعي تحليل هذه البيانات وتقديم ملاحظات وتوصيات مخصصة للأفراد؛ ما يساعدهم على رعاية أنفسهم وإدارة حالاتهم إدارةً أفضل.

التحديات والاعتبارات الأخلاقية

يقدم الذكاء الاصطناعي للخبراء الفرصة لاكتساب رؤىً قيّمةٍ حول استراتيجيات أكثر كفاءةً لتعزيز الصحة وفهم المشهد الحالي للاضطرابات النفسية، ومع ذلك، فإن استخدام الذكاء الاصطناعي يتضمن غالباً منهجيات إحصائية معقدة، وأساليبَ رياضية، ويتطلب التعامل مع البيانات العالية الأبعاد، وقد يؤدي عدم التعامل مع هذه العوامل بطريقة ملائمة إلى تحيزات وتفسيرات غير دقيقة للنتائج وتفاؤل غير مبرر حيال أداء الذكاء الاصطناعي.

سلطت دراسة حديثة أجرتها منظمة الصحة العالمية الضوء على عيوب كبيرة في كيفية معالجة تطبيقات الذكاء الاصطناعي للإحصاءات، إضافة إلى قلة التحقق من صحة البيانات، وغياب تقييم مخاطر التحيز. علاوة على ذلك، هناك مجالات أخرى مثيرة للقلق مثل الشفافية المحدودة في الإبلاغ عن نماذج الذكاء الاصطناعي؛ ما يَحول دون قابليتها للتكرار. وكشفت الدراسة أن البيانات والنماذج تظل أغلب الأحيان ملكيةً خاصة، مع محدودية التعاون بين الباحثين.

وفي حين أن هنالك فوائد كبيرة محتملة لاستخدام الذكاء الاصطناعي في مجال رعاية الصحة النفسية، هنالك العديد من الاعتبارات والتحديات الأخلاقية التي تجب معالجتها؛ وعلى رأسها الحفاظ على الخصوصية وأمن البيانات لحماية سرية المريض. لذا؛ من المهم جداً ضمان تطوير خوارزميات الذكاء الاصطناعي واستخدامها بطريقة أخلاقية والتركيز على الشفافية والنزاهة، مع وجود الإشراف البشري لمنع التحيزات والأخطاء المحتمَلة في عمليات صنع القرار المرتكزة على الذكاء الاصطناعي.

يمثل مستقبل رعاية الصحة النفسية مجالاً مثيراً للاهتمام؛ إذ يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي أن توفر دعماً سهل المنال وشخصياً ومستنداً إلى الأدلة للأفراد المحتاجين؛ ما يؤدي في النهاية إلى تحسين العافية النفسية. ومع ذلك، يجب إيلاء اهتمام دقيق للاعتبارات الأخلاقية، ناهيك بأن وجود نهج تعاوني بين الخبراء والذكاء الاصطناعي أمر بالغ الأهمية لتحقيق النتائج المثلى للمرضى.