تعد قيادة السيارة من الأعمال الروتينية التي يعتاد الفرد عليها لتصبح جزءاً من مهامه اليومية؛ ولكن هذه المهمة تشكل مصدراً للخوف والقلق لآخرين، وتصل مع بعضهم إلى الخوف المفرط. ورغم وجود هؤلاء الأشخاص؛ فإن القليل فقط من الدراسات العلمية ركز على "الخوف من قيادة السيارة".
سنحاول معاً تحليل ذلك الخوف من منظور نفسي؛ بحيث نبني تصوراً يمكن من خلاله الوصول إلى طرق فعالة يستطيع هؤلاء الأشخاص من خلالها التغلب على الخوف من قيادة السيارة.
الخوف من قيادة السيارة
يظهر الشعور بالخوف أو الهلع من قيادة السيارة بشكل واضح عند بعض الأشخاص في مواقف معينة؛ مثل القيادة فوق جسر، أو عبر نفق، أو في وقت متأخر من الليل، أو عند التسارع بشكل شديد، أو عند تغيير مسارات الطريق، أو في الشوارع الضيقة، أو المدن ذات الكثافة المرورية الشديدة.
وتشير إحدى الدراسات المنشورة عام 2018 في "المجلة البرازيلية للطب النفسي" (Brazilian Journal Of Psychiatry)، إلى أن الرهاب الذي يصاحب قيادة السيارة هو خوف مفرط ومستمر أو غير معقول، نتيجة موقف سيئ، أو توقُّع حصول موقف مُعيّن غير مُحبّب.
وفي هذه الحالات؛ تؤدي قيادة السيارة أو حتى التفكير فيها بشكل دائم، إلى استجابة فورية ومستمرة للقلق؛ حيث يمكن أن تقود إلى تعطيل نمط الحياة اليومي، والتسبب في حالات صحية أخرى!
فعلى سبيل المثال؛ قد تُحفّز قيادة السيارة نوبات الهلع أو القلق التي من الممكن أن تأخذ شكل نوبة هلع خفيفة أو شديدة خلال عملية القيادة نفسها، أو قبلها أو بعدها. بالتالي؛ ترك هذا الخوف دون علاج قد يكون أكثر تأثيراً على الشخص المصاب به من الخوف أو القلق الناجم عن التوتر أو القلق العام.
ويمكن أن تسبب تلك الصدمات النفسية أعراضاً نفسية مثل الطبع الحاد، والغضب والأرق، والكوابيس التي تؤثر على جودة النوم، والصداع، وسلوكيات أخرى يتّبعها الشخص لتجنّب القيادة.
تُخبرنا دراسة علمية نُشِرت شهر يناير/كانون الثاني عام 2017 من قبل فريق بحثي بجامعة كامبريدج، أن شعور القلق من قيادة السيارة يختلف من شخص لآخر، فقد يكون طفيفاً كالامتناع عن قيادة السيارة والنفور من تلك المواقف. وقد يكون حاداً لدرجة جعل هذه المخاوف المستمرة تُصنّف بشكل علمي على أنها فوبيا؛ وهو ما قد يُسمى في الأوساط العلمية بشكل رسمي "فوبيا المركبات" (Amaxophobia).
وتشير بعض المراجع العلمية التي استندت عليها الدراسة السابقة، إلى أن نسبة 20% من البالغين ممن عانوا من القلق من قيادة السيارة، ظهرت عليهم أعراض خفيفة، بينما أظهر 6% من أولئك البالغين أعراضاً معتدلةً إلى شديدة.
اقرأ أيضا:
من يعاني منه أكثر؛ النساء أم الرجال؟
تشير الدراسات العلمية التي استندت عليها الدراسة البرازيلية السابقة، إلى أن فوبيا قيادة الدراسة تظهر عادةً في النساء الشابات والنساء في منتصف العمر؛ حيث تجعلهن غير قادرات على القيادة، أو يقُدن بضيق وقلق شديدَين.
في نفس السياق؛ وجد الباحثون في دراسة جامعة كامبريدج السابقة، أن النساء كنّ أكثر عرضة لتسجيل نتائج أعلى من حيث تأثير القلق من القيادة على صحتهن النفسية وجودة حياتهن.
لماذا يخاف الناس من قيادة السيارة؟
وفقاً لأستاذ علم النفس بجامعة فاندربيلت؛ الدكتور "برايان ويند"، فقد يخاف ويمتنع بعض الناس عن قيادة السيارة نتيجة تعرضهم لنوبة هلع خلال قيادتهم لها. بالتالي، فقد يتوقفون كلياً عن القيادة رغبةً منهم في منع حدوث ذلك مرة أخرى.
عموماً؛ يشير الدكتور ويند إلى بعض الأسباب الأخرى:
- تجارب الضياع أو التيه أو فقدان الطريق.
- تعرض شخص نعرفه لحادث.
- التجارب الشخصية السابقة مع حوادث السيارات.
- عدم الثقة في مهارات القيادة الخاصة بنا.
- القيادة في الشوارع شديدة الازدحام المروري.
- مشاهدة حادث سيارة سيئ عبر وسائل الإعلام.
اقرأ أيضا:
ما أعراض الخوف من القيادة؟
وفقاً لعالم النفس ومدير "مركز مانهاتن للعلاج المعرفي السلوكي" (Manhattan Center for Cognitive Behavioral Therapy)؛ بول غرين، فإن أكثر أعراض الخوف من القيادة شيوعاً، تشمل ضيقاً واضحاً أو تجنباً ملحوظاً للقيادة.
بالإضافة إلى ذلك، فقد نشعر أو نعاني من أيّ من الأعراض التالية خلال أو قبل قيادة السيارة:
- الارتباك.
- تشوش الأفكار.
- الشعور بالدوار.
- تعرّق راحة اليد.
- ضيق في التنفس.
- تسارع ضربات القلب.
- التنفس بشكل سريع غير منتظم.
- الرغبة القوية في الابتعاد عن السيارة.
- الهلع والخوف المفرط والمستمر وغير المعقول.
كيف أتغلب على مخاوفي؟
ينصح كل من ويند وغرين بالبحث عن مختص نفسي قادر على تقديم الدعم النفسي الضروري، سواء بالعلاج النفسي أو الأدوية أو الانخراط في مجموعات الدعم.
بالإضافة إلى ذلك؛ قد يصف المختص النفسي جلسات علاج بالتعرض لمن يعاني من أعراض الخوف من القيادة؛ حيث تُعرف بفعاليتها مع اضطراب الخوف من القيادة، وفقاً للدكتور ويند.
على سبيل المثال؛ قد يُطلب من الشخص التعوّد على ركوب السيارة بمفرده دون تشغيلها، أو يتم تعريضه لتلك التجربة نفسها من خلال الواقع الافتراضي؛ حيث يتم تصميم تجربة تتناسب مع مخاوف المصاب بإشراف كامل من المختص النفسي.
وتشير الدراسة البرازيلية السابقة -على الرغم من قلة المشاركين فيها- إلى أن استخدام الواقع الافتراضي كان له دور مهم في إدارة المخاوف المتعلقة بالقيادة. بالتالي قد يفيد التعرض لهذه التجارب في تلك الحالات في مواجهة المخاوف؛ ما يخلق تجربة إيجابية جديدة تُدار عن كثب من قِبل المختص النفسي الذي يحرص على تقديم الدعم اللازم حتى يتغلب ذلك الإنسان على خوفه من القيادة.
وقد يتجه المعالج النفسي في أحيان أخرى للعلاج المعرفي السلوكي؛ بحيث يتعلم المصاب بفوبيا الخوف من القيادة تقنيات وطرقاً لإدارة المخاوف. بالتالي؛ يستطيع الشخص أن يتخلص من مشاعر الهلع والقلق والتفكير السلبي الذي قد يحفّز مشاعر الخوف من قيادة السيارة.
في الختام؛ إن كنت شخصاً يعاني من فوبيا المركبات، فتذكر أنك لست وحدك. قد يكون الخوف من قيادة السيارة مثل أي فوبيا أخرى تتداخل مع نمط الحياة اليومي لملايين الأشخاص حول العالم؛ حيث تؤثر على صحتهم العامة، خصوصاً النفسية والعقلية، وأحياناً الجسدية. لذا؛ من المهم أن تدرك أن التغلب على هذه المخاوف واقع يمكن تحقيقه.
اقرأ أيضا: