يعرف مختص التحليل النفسي سافيريو توماسيلا الحساسية النفسية أنها : "زيادة في حدة الإدراك الحسي لدى الشخص؛ ما يجعله يشعر بهذه المشاعر بقوة أكبر"، وذلك ما يجعل الشخص الذي يعاني من الحساسية النفسية المفرطة في بعض الأحيان صعوبةً في التكيف مع حساسيته الشديدة، فهي تجعله ينسحب اجتماعي ويميل للانطوائية نتيجة عدم تقبل من حوله لمشاعره الجياشة، ويعتمد المعالج النفسي في تشخيص الشخص الحساس على أمرين، هما: كيف طوّر هذا الشخص حساسيته المفرطة، وكيف تلقى من حوله ذلك، ويمكن مواجهة الحساسية النفسية بعدة طرائق أهمها تنمية العلاقات دون أن الوصول إلى حد التشويش على مشاعر الشخص الحساس، وكذلك ترويض الحساسية النفسية باتباع عدة نصائح عملية أهمها تنمية التعاطف واطلاق العنان للإبداع والوثوق بالحدس.
هل الحساسية النفسية عيباً؟
تمثل هذه القدرة القوية على الشعور، عائقاً بالنسبة للكثيرين. يغمر الشخص ذو الحساسية النفسية المفرطة، فيض من العواطف الجياشة، وهذا ما يعطي انطباعاً لمن حوله بأنه شخص غير ناضج.
ويوضح مختص التحليل النفسي في كتابه: "الشخص ذو الحساسية المفرطة، أكثر حساسيةً من أن يكون سعيداً؟" ( Hypersensibles, trop sensibles pour être heureux): "يُعرِب هؤلاء الناس في كثير من الأحيان عن إرهاقهم وقلقهم الشديد على أنفسهم وأحبائهم".
لكن هذا ليس مرضاً؛ بل على العكس من ذلك، فهي فقط "صفة مميزة؛ مثل لون الشعر". لذلك فهو ليس عيباً في حد ذاته طالما أن الشخص لا يسمح للقلق بالتغلب عليه. ويوضح مختص التحليل النفسي: "من المهم ألا يتردد الشخص مفرط الحساسية في أخذ قسط من الراحة والتنعم بوقت هادئ، بعد مواجهة مشاعر قوية، ويمكن لممارسة أساليب التأمل أو الاسترخاء أن تكون مفيدة، فالممارسات التي تتضمن لحظات من الصمت التام ولم شمل النفس، هي الأفضل في هذه الحالة؛ بما في ذلك لحظات الاسترخاء والتواصل مع الطبيعة".
لماذا يفقد الحساسون السيطرة على مشاعرهم؟
عندما ينشب خلاف أمام رهف في المطعم أو في العمل أو مع العائلة، فلا يمكنها البقاء في المكان. يوضح المحلل النفسي: "يدرك الأشخاص مفرطو الحساسية علاقتهم مع الآخرين ومع العالم، من خلال مرشح رقيق جداً، أو غير موجود في بعض الأحيان". وبمصطلحات أكثر فرويديةً، فهم بالكاد يقمعون ما يشعرون به، أو حتى أنهم غير قادرين على القيام بذلك. وهذا السبب في أنهم يولون ما يجري من حولهم، أهمية مبالغاً فيها". فلا يمكن لِرهف أن تأخذ مسافة وتقول لنفسها "أن هذا الوضع الخلافي لا يعنيني"، فهي تأثّرت بسببه ويجب أن تغادر على الفور. ويمكن أن يبدي الأشخاص مفرطو الحساسية، تأثراً شديداً تجاه بعض المواقف التي قد تبدو تافهة للغاية بالنسبة للكثيرين منا، أو التي لا يكون لدى معظم الناس حساسية تجاهها.
كيف تواجه الحساسية النفسية؟
نمّي علاقاتك مع الحفاظ على نفسك
بسبب ردود أفعاله التي تُعتبر أحياناً غير متناسبة وغريبة، فقد لا يحظى الشخص ذو الحساسية النفسية المفرطة بقبول الآخرين له بسهولة، أو بعلاقات هادئة معهم. في كثير من الأحيان؛ يتوخى الأشخاص الحساسون الحذر الشديد في التعامل مع الآخرين، خاصةً إذا لم تتقبل أسرتهم حساسيتهم هذه بطريقة جيدة خلال مرحلة الطفولة. غالباً ما يفسر الأشخاص المحيطون بالشخص مفرط الحساسية، انزعاجه أو حزنه، أو إحباطه بأنها علامات على ضعفه وسرعة تأثره، في حين أنها تعبير عن حساسيته. إن مجرد كلمة واحدة، أو لفتة ما، قد تبدو غير مؤذية، يمكن أن يكون لها تأثير عميق في نفس الشخص مفرط الحساسية؛ والذي تنم ردود أفعاله عن تأثرٍ حاد". وهكذا قد ينغلق الشخص الحساس على نفسه، أو ينزعج أو يبكي؛ وهي ردود أفعال قد تعقد علاقاته المهنية، والودية، وحتى العاطفية. يوضح مختص التحليل النفسي: "يجب أن يتعلم الشخص ذو الحساسية النفسية المفرطة أن يحصل على "الجرعة" المناسبة من العلاقات، فعندما يضع مسافة كبيرة جداً بينه وبين الآخرين، يخاطر بذلك باستبعاد نفسه. وعلى العكس من ذلك؛ عندما يبالغ في الاقتراب منهم، قد يسبب ذلك له تشوشاً في مشاعره، ويضعه في دائرة الإصابة بالاعتماد العاطفي. لذا فالوضع المثالي بالنسبة له هو أن ينمي علاقاته مع الآخرين، مع الاحتفاظ بلحظات الانسحاب التي يستجمع نفسه خلالها، ويحميها من التعرض للأماكن، أو الظروف، أو المواقف التي تؤذيها".
روض حساسيتك
من المستهجن أحياناً في عصرنا هذا، أن يعطي المرء نفسه حرية التعبير عن مشاعره وعواطفه. وبالنسبة لذوي الحساسية النفسية المفرطة؛ يعد التعامل مع حالتهم هذه يومياً، أمراً مرهقاً لهم. يقول سافيريو توماسيلا: "قد يتوقف الشخص عن التعبير عن مشاعره، والأسوأ أن يتوقف عن الشعور أصلاً، وهو ما سيكون سبباً إضافياً لمعاناته".
يمكن تشبيه الحساسية النفسية المفرطة بالثعلب في قصة "الأمير الصغير"، فأنت بحاجة لأن تروضها فقط. ويتابع: "فكلما اعتدنا التعبير عن حساسيتنا هذه، أصبحت صديقاً ورفيقاً مخلصاً لنا. عليك قبول مشاعرك، دون أن تبالغ في إظهارها ودون أن تكبحها، مع الأخذ بالاعتبار أن هذه المشاعر ستكون مرئية للآخرين". من المهم أيضاً عدم الشعور بالذنب عندما تطغى هذه المشاعر عليك، فهي ليست إلا مكوّنات إنسانيتنا.
من خلال "ترويض" الشخص لحساسيته؛ سنكتشف الصفات البشرية المخفية وراء هذه الهشاشة الظاهرة، فالأشخاص مفرطو الحساسية متعاطفون للغاية، ومبدعون جداً، وغالباً ما يتمتعون بالحدس. ويقدم مختص التحليل النفسي لهم بعض النصائح لتنمية هذه الصفات.
1. تنمية التعاطف
نصيحة سافيريو توماسيلا: "قد نجد أن الأشخاص الذين يعانون من فرط الحساسية يبدون الكثير من التعاطف، ويقدمون الكثير من المساعدة، أو على العكس؛ قد يحجمون تماماً عن هذا السلوك، كيلا يجدوا أنفسهم في مواجهة مواقف ذات تأثير شديد بالنسبة إليهم. يؤدي تشجيع حس التعاطف لديك إلى قبول ما تشعر به، ومن ثم يمكنك الاستماع إلى قلبك ومساعدة الآخرين، وفق قدراتك الجسدية والعاطفية، وبمجرد أن تشعر بأن الموقف يؤثر فيك تأثيراً شديداً، يصعب عليك تحمله، فمن الأفضل أن تتوقف".
2. أطلق العنان لإبداعك
نصيحة سافيريو توماسيلا: "نظراً لقلة الثقة بالنفس، فإن العديد من الأشخاص مفرطي الحساسية لا يعملون على تنمية إبداعهم. وكما الكاتب الذي يستخدم قلمه، أو الرياضي الكبير الذي يجب أن يمارس الرياضة يومياً؛ يمكن للشخص شديد الحساسية أن يتدرب على إطلاق العنان لإبداعاته كل يوم؛ من خلال إعداد وجبة طعام، أو الإبداع في العمل على سبيل المثال، أو أية طريقة أخرى ليبدع شيئاً بيديه".
3. ثق بحدسك
نصيحة سافيريو توماسيلا: "ليس من السهل أن تثق في غرائزك عندما يكون لديك الكثير من الشكوك. إن الاستماع إلى حدسك يعني اكتشاف متى وكيف يتجلى هذا الحدس، ومراعاة العلامات التي يقدمها لنا قبل اتخاذ قرار أو الالتزام بمشروع ".
الأنماط الأربعة للحساسية النفسية المفرطة
1. الحساسية الحسية
يعاني بعض الأشخاص مفرطي الحساسية، من حساسية شديدة للضوضاء، والروائح، والضوء، واللمس. وهي الحالة الوحيدة التي يمكن أن يكون فيها فرط الحساسية فطرياً، وغالباً ما يكون جسدياً (أو عصبياً)، ويمكن أن تكون له أسباب طبية أيضاً.
2. الحساسية الانفعالية
يغمر معظم الأشخاص مفرطي الحساسية، فيض من العواطف الجياشة في كثير من الأحيان، وقد تصعب عليهم أحياناً إدارتها.
3. الحساسية العاطفية
الأشخاص مفرطو الحساسية عاطفيون للغاية، ويحتاجون إلى الشعور بالحب، وإظهار عاطفتهم. كما أنهم يولون علاقتهم اهتماماً كبيراً، وغالباً ما يخشون إحراج الآخر وإيذاءه.
4. الحساسية الفكرية
وهي تعني أن يقضي الشخص وقته في التفكير، واجترار أفكار من قبيل: "ماذا عنى بتوجيه هذه الملاحظة إلي؟"، " لماذا ردت بهذه الطريقة؟"؛ إذ تكون لديهم شكوك كبيرة في كثير من الأحيان.