بعد الحجر الصحي والتدابير الوقائية المترتبة عن أزمة كورونا، صارت الاجتماعات عن بُعد (أون لاين) جزءاً شبه ثابت من الروتين اليومي للآباء والتلاميذ والمعلمين. تكمن أولى التحديات في العثور على مكان جلوس ملائم للتمكن من طرح الأسئلة والإجابة عن الاستفسارات ومشاركة الآراء مع الحضور دون مشوشات. وإذا كنا قد شهدنا مع بداية موجة الفعاليات التي تُدار عن بُعد، تناميَ الهواجس حول الخصوصية والمساواة، فإننا اليوم نشهد ظهور مفاهيم جديدة على الساحة مثل إجهاد زووم؛ وهو مفهوم سلَّطَ الضوء على التوتر الناجم عن هذه الحصص التي تتمّ عن بُعد لينال نصيبه من النقاش والدراسة.
شخص من كل خمسة معني بهذه الصعوبة
مقال نُشِر على "ذا كونفيرزيشن"(The Conversation) كتبته المحاضِرة في استراتيجيات التواصل وأخذ الكلمة بجامعة كوينزلاند للتكنولوجيا (l'université de technologie de Queensland)، ليزلي آيرفين.
منذ قرون بعيدة والناس يتساءلون حول مدى قدرتهم على الوقوف والحديث أمام الناس؛ إذ يُحكى أن الخطيب الروماني المفوه شيشرون نفسَه، وفي عصور ما قبل الميلاد، كان يرتعش رهبةً قبل تقديمه لأي خطاب.
لكن هذا القلق المرتبط بوضعيات التواصل لم يوضع محل دراسة عميقة إلا مع بدايات القرن العشرين؛ إذ شُّخِص قبل ذلك تحت مسميات عدّة مثل الرهبة والتردّد أو التوجس من التواصل.
تقدر الدراسة أن قرابة مُتَحدِّث من كلّ خمسة يواجه هذا النوع الصعوبات التي قد تقِف سدّاً منيعاً بينه وبين التعبير عما يُخالج فِكره، وتتضمن الأمثلة على هذا التعبير: الحديث إلى المدير في العمل، أو المُعلم في المدرسة، أو داخل مجموعة نقاش، أو في أثناء تقديم عرض تقديمي. وهكذا فإن الخوف من الحديث أمام جمهور ليس سوى أحد أوجه قلق التواصل.
القلق الذي يعتري المرء في أثناء أخذه الكلمة هو قلق محدد الأبعاد، فهو مُعقّد إذ تختلف مُسبباته وأعراضه والحلول المقترحة له، وفَرديّ إذ تتباين تمظهراته حسب كلّ شخص، وغير ثابتٍ حيث إن درجته تتفاوت من عرض تقديميّ إلى آخر بل وأحياناً داخل العرض الواحد نفسه.
وبأخد الاعتبارات الفردية بعين الاعتبار نفهم أن هناك فجوة بين الأفكار والمشاعر وبين التصرف الظاهري. وهكذا، فإن المُتحدث الذي قد يبدو غائب الذهن من المحتمل أن يكون في تلك اللحظة واقعاً تحت وطأة الشعور بفقدانه زمام الحديث.
لا يخلو الأمر من بعض الالتباس؛ إذ قد يشعر البعض بالتوتر ما إن يتم إبلاغهم بتوكيل مهمة الحديث أمام الناس إليهم، وقد يُقيّمون أنفسهم حين يأتي يوم عرضهم التقديمي أنهم كانوا مُتوترين أكثر بكثير مما وصل أو شعر به الحضور في الواقع.
اقرأ أيضا:
من الشاشة إلى المرآة
إن ما قد يدفع بنا إلى الشعور بالقلق هو وجود جمهور واحتمالية تقييمه السلبي لنا، بغض النظر عن طبيعة هذا الوجود، حضورياً كان أو افتراضياً.
وهو ما يدفع بنا إلى الشّعور بالإحراج حين نجد أنفسنا في وضعية نوجه فيها الحديث إلى مربعات صغيرة متراصة على شاشة داخل اتصال فيديو؛ إذ لا يحدّ هذا الإطار فقط من المؤشرات غير اللغوية التي نعتمد عليها في الغالب ولكنه أيضاً يُقلّص من إمكانية خلق جو مرِح مع المشاركين.
يخوّل هذا من جهةٍ إدارة الوقت بفعاليةٍ أكثر؛ لكنه من جهة أخرى يجعل من النقاشات جامدة إلى حد بعيد.
أُشْبِع مدى أهمية مرئية المشاركين في الخدمات الإلكترونية؛ نقاشاً بحيث لا تزال الآراء بين أخذ وردّ. أما حين يتعلق الأمر بالمؤسسات التعليمية، فالحجة التي تسوق المنادين بمبدأ "ليُشغّل جميع الحاضرين كاميراتهم" هي أن نقل تعابير وحركات ونظرات المشاركين من شأنه أن يساعد على محاكاة الظروف الطبيعية والجو المعتاد داخل الفصل كما يحث الطلبة على المشاركة الفعالة في مجريات الحصة وعدم الاكتفاء فقط بظهورهم مُتصلّين.
لكن من المهم التوقف عند الأساس المنطقي الذي جعلها تكتسب هذه السمة الإلزامية، فالمشاركة في اجتماع من خلال تطبيق فيديو مختلفة عن المشاركة بشكل حضوري؛ إذ يظل من النادر جداً على المُتحدث في الظروف الطبيعية أن يرى نفسه وهو يتكلم. ولذا أجد بصفتي مُحاضِرةً؛ رؤية نفسي على الشاشة أمامي وأنا أتحدث إلى طلبتي عاملاً مشوشاً للغاية، لا سيما حين أحاول تثبيت نظري على الكاميرا كي أعزز التواصل البصري بيني وبينهم.
7 خطوات لتسهيل الأمر عليك
سواء أَأُنيطت بك مسؤولية إدارة اجتماع عمل أو تقديم درس، فمن شأن اتباع للنصائح الآتية أن يُسهم في إشعارك بالراحة أكثر لدى مواجهة جمهورك الافتراضي.
- أرسل مُسبقاً إلى المشاركين جدول أعمال يتضمن عدداً من الأسئلة تُهيِّئهم الإجابة عنها للموضوع المُناقَش.
- خفّض من احتمالية حدوث المداخلات من عدمها بأن توضح منذ البداية للمشاركين ما إذا كنتَ تنتظر منهم أن يُدلوا بالمداخلات في الحصة أو لا.
- استعمل أدوات الرّبط اللفظية والإشارات البصرية أثناء الانتقال بين مراحل ونقاط الدّرس. ولتعويض الوقفات الاعتيادية والتأكد من خط سير الحصّة؛ يمكن لك أن تخبرهم أنك ستتفقد صندوق النقاش (chat box) فور انتهائك من استعراض هذه النقطة أو تلك وتشجعهم على تسجيل ما قد يستوقفهم أو يرغبون في السؤال عنه أثناء شرحك، في ذلك الصندوق.
- استعمل لغة ذات بناء بسيط تلائم الحديث الشفهي.
- أعِد النظر في مدى أهمية اختيار شخص بشكل اعتباطي من المشاركين وطلب المشاركة في النقاش منه، فمن شأن قلق الشخص من أن يقع عليه الاختيار في أي وقت أن يُخفّض من انخراطه في مجريات الحصّة.
- فكر في مدى أهمية التفاعل مع ما تقدمه قياساً بعدد المشاركين ونوع الحصّة المُقدّمة، فقلّة التفاعل تبقى أفضل بكثير من تفاعل لا جدوى منه.
- فكّر في ما يناسب بشكل عملي وخاصّ بالنشاط الذي ستقدمه عن بُعد دون أن تكبل نفسك بقواعد عامة. وكما كان المُعلمون يكررون على مسامعنا قديماً، فإن حضور الطالب جسدياً لا يعني بأي حال من الأحوال التزامه وانخراطه الفعليَّين.
سيستمرّ الاعتماد على البرامج التعليمية والورشات والاجتماعات بتقنية الأونلاين (عن بُعد) لوقت ليس بالقصير، فلعقد جلساتٍ متينة ومترابطة ومثمرة إذاً؛ لا بد من تطوير ممارسات خطابية واثقة وذات كفاءة عالية.
وما يُمثّل انطلاقة جيدة لنا هو إدراكنا أن رهبة الحديث أمام الجمهور ظاهرة شائعة يمكن أن تنتاب الشخص سواء أكان في قاعة الدّرس أو على شاشة افتراضية.