هل يكفي الحب من أول نظرة لبناء علاقة ناجحة؟

4 دقائق
الحب من أول نظرة
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: يشيع في الأفلام الرومانسية أحياناً مشهد حالم للغاية يتمثل في تعلق البطل بالبطلة من النظرة الأولى، وبناء عليه، تنشأ قصة حب خالدة، فكيف يرى علماء النفس هذه الظاهرة؟ وهل يستمر الحب من أول نظرة أم أنه مهدد بالانهيار في أي لحظة؟ هذا المقال يجيبك بالتفصيل.

يقول البطل الوسيم: "لقد علمتُ أنكِ ستصبحين زوجتي منذ أول مرة رأيتكِ"، وترد عليه البطلة الجميلة: "لقد علمت أنكَ الشخص المناسب لي منذ أول مرة قابلتك"! لطالما تعجبت من ثقة البطل والبطلة في أفلام هوليوود؛ كيف يمكن لكل منهما النظر في عينَيّ شخص غريب ثم الاعتقاد -بكل يقين- أنه سيعيش معه بقية حياته؟

يبدو الحب في هذه الأفلام سحرياً للغاية، وتلقائياً للغاية، ونخبوياً للغاية، فهو لا يصيب سوى المحظوظين، ولا يوجد دليل واضح يرشد الآخرين إلى كيفية الانضمام إليهم! ينتظر الكثيرون مثل هذه الصدف للدخول في علاقة، وبصرف النظر عن مساوئ الاقتناع بأن العلاقات تُسلك من هذا المسلك فقط. فهل هذا المسلك؛ أي الحب من أول نظرة، حقيقي من الأساس؟ وإن كان حقيقياً، فهل يكفي لبناء علاقة عاطفية تتسم بالنضج والاستدامة والنجاح؟

ما هو الحب من أول نظرة؟ 

بينما كنت أُجري بحثي عن الحب من أول نظرة، صادفت مقطع فيديو يتحدث عن التفسير البيولوجي لهذه الظاهرة. لفتت انتباهي تعليقات المتابعين الذين تحدثوا عن تجاربهم معه، فقد قالت واحدة من المتابعات إنها نظرت إلى عينَيّ هذا الرجل الغريب وشعرت كما لو أن الوقت توقف تماماً!

وقال آخر إنه نظر إلى صديقته وفجأة تلاشت المشاهد الأخرى كلها، ولم يرَ سوى وجهها فقط! أزيدك من الشعر بيتاً وأشاركك تجربتي الشخصية، فقد شعرت بألفة شديدة تجاه أحد الأشخاص الذي التقيت به مؤخراً، وأحسست كما لو أنني أعرفه منذ زمن!

الحب من النظرة الأولى، أو الافتتان كما تعرّفه مختصة العلاج الزوجي، جينفر ليتنر (Jennifer Litner)، هو الشعور بالتواصل العميق مع شخص ما دون أن يكون بينكما سابق معرفة، مع الاعتقاد بأن هذا الشخص هو المرشح المثالي لاستكمال حياتك معه. تترافق مع هذه الحالة عادةً مشاعر قوية بالنشوة والسعادة، للحد الذي قد يكبح شهيتك ويحرمك من النوم لليالٍ عدة.

وتطرّق عالم النفس الأميركي، روبرت ستيرنبرغ (Robert Sternberg)، لظاهرة الافتتان في نظريته الشهيرة "مثلث الحب"؛ إذ يتكون الحب الحقيقي في مثلث ستيرنبرغ من مكوناتٍ ثلاثة وهي الشغف والحميمية والالتزام. وحينما تقتصر العلاقات على مكون "الشغف" فقط، حينها يحدث الافتتان الذي يتغذى عادةً على مشاعر الرومانسية العارمة، والانجذاب الجسدي القوي.

ما الذي يحفز الحب من أول نظرة؟

بحسب الباحثة وعالمة الأنثروبولوجيا الأميركية هيلين فيشر (Helen Fisher)؛ فالحب كما نعرفه يمكن أن يُصنف إلى 3 أنواع: الشهوة، والانجذاب، والتعلق. ترتبط الشهوة بحالة الإشباع الجنسي التي تُديرها هرمونات الذكورة والأنوثة؛ مثل التستوستيرون والإستروجين. أما الإنجذاب، فيرتبط بحالة المكافأة؛ تلك التي تُديرها هرمونات السعادة مثل الدوبامين والسيروتونين والنورإبينفرين.

وأخيراً، يرتبط التعلق بالعلاقات الطويلة الأمد، ويترافق مع إفراز هرمونَيّ الأوكسيتوسين والفازوبرسين المهمَّين لتعزيز المودة والتواصل العميق بصرف النظر عن الجنس. ما الذي يحفز الحب من النظرة الأولى إذاً؟ الشهوة والانجذاب وعصابة الهرمونات المرتبطة بهما.

ما علامات الوقوع في الحب من أول نظرة؟

بمجرد أن يقع جسمك تحت تأثير هذه الشحنة القوية من الهرمونات، ستظهر عليك عدة أعراض ممتعة لكنها قصيرة الأمد في أفضل الحالات، وخطِرة في أسوأها؛ ومنها:

  • ستغمرك حالة من النشوة والمتعة، تتغذى خلالها على انجذابك إلى الشخص الآخر، واستمتاعك بانجذابه إليك.
  • ستصيبك أعراض جسدية مثل التعرق وتسارع ضربات القلب واضطراب المعدة، وقد تفقد شهيتك وقدرتك على النوم.
  • سترى الشخص الآخر بلا عيوب، ولن تشغل تفكيرك بأي تحديات قد تواجه هذه العلاقة.
  • ستتخيل سيناريوهات مستقبلية معه؛ أنكما تتشاركان بيتاً جميلاً مثلاً ولديكما أطفال رائعون، أو أنكما تجوبان العالم معاً!

وبحسب الطبيبة النفسية أبيغيل برينر (Abigail Brenner)؛ يجب علينا التعامل مع أعراض الافتتان بحرص شديد، فعلى الرغم من عذوبة حالة النشوة التي تصيب الفرد في البداية، لا مفر من أن تتراجع وتخف تدريجياً.

وهنا يواجه الفرد خيارين؛ إما أن يقبل الأمر الواقع ويلتفت إلى جوانب أخرى أكثر عمقاً تساعده على إطالة عمر هذه العلاقة، أو أن يتمسك بحالة النشوة ويدمنها فينتقل من "افتتان" لآخرَ اعتقاداً منه أن هذه هي حقيقة العلاقات.

يكمن الخطر أيضاً في حالة غياب العقل التي تصيب الفرد تحت تأثير هذه الأعراض؛ لأنها تعميه عن رؤية الشخص الآخر على حقيقته، وهنا قد يتورط في علاقة مسيئة دون أن يدري.

ما الفرق بين الافتتان والحب الحقيقي؟

حسناً، إذا لم يكن كل من الانشغال بالحبيب، والسهر للتفكير فيه، والشعور بالاكتفاء بوجوده فقط دون الحاجة إلى العالم بأسره؛ هو الحب، فما حقيقة الحب؟ على عكس الصور الذهنية التي رسختها فينا الأغاني والأفلام العاطفية، تصف مختصة العلاج الزواجي، جينفر ليتنر (Jennifer Litner)، الحب بأنه اختيار؛ وهذا يعني أنه:

  • اختيار أن ترى شخصاً ما على حقيقته، بكامل إنسانيته.
  • اختيار أن تتأنى في رحلتك مع هذا الشخص وأن تدرس طباعه ومبادئه، وكلما وجدت ما يسرُّك، نما شعورك بالمودة تجاهه.
  • اختيار أن تتخلى عن المثالية وأن تكون شخصاً حقيقياً، فتكشف عن جوانبك الضعيفة أمامه، وتسمح له بالمثل.
  • اختيار أن تلتزم تجاه هذا الشخص، فتتشاركا الخطط المستقبلية حول العمل والعائلة والأطفال، وتحددا مدى توافقكما بشأنها.

هل يكفي الحب من أول نظرة لبناء علاقة ناجحة؟

يجيب المختص النفسي هنري كلاود (Henry Cloud) عن هذا السؤال قائلاً: "عليك أن تفهم أنه لا يوجد شيء اسمه "الحب من النظرة الأولى"؛ لكن هذا لا يعني أنه لا يوجد "شيء" من النظرة الأولى"! ولكي تستفيد من هذا "الشيء" وتحوله إلى علاقة قوية طويلة الأمد، عليك أن تتخلى عن الخيالات المثالية، وتُدرك أن "موجة" المشاعر العارمة ما هي إلا موجة وستنحسر؛ لكنها ليست حباً حقيقياً، ولا دلالة على نجاح العلاقة.

ويضيف كلاود: "لا تدع خيالاتك تخدعك لتظن أنك قد وجدت شيئاً ذا قيمة لمجرد أن الشخص يفتنك أو يجعل قلبك ينبض بسرعة، فليس للقلب السريع النبض علاقة بالحب أو بالعلاقات الطويلة العمر. واعلم أيضاً أنك إذا لم تقع في الحب من النظرة الأولى، فلا يعني ذلك أن الشخص الذي تقابله ليس ذا قيمة كبيرة".

من جانبه، يؤكد الاستشاري الأسري جاسم المطوع إن النظرة الأولى يمكن أن تحرك القلب، وهنا ننتقل إلى المرحلة التالية وهي كيفية تعامل كل شخص مع قلبه وتحركه تجاه الفرد الذي أعجبه، فأحياناً يتحول الأمر إلى تعارف بهدف الزواج، وفي أحيان أخرى لا يكون الزواج هو الغرض من وراء التعارف.

باختصار، الإجابة عن السؤال: لا، لن يكفيك الحب من أول نظرة لبناء علاقة ناجحة؛ لكن الوعي بتأثيره، واتباع نهج واقعي لتقييم الطرف الآخر، قد يُنتج علاقة ذات قيمة.

الحب اختيار

ربما تدفعك الإجابة السابقة إلى تساؤل آخر هو: "وما مصير مشاعري تجاه هذا الغريب؟"، ودعني هنا أخبرك باستنتاجي من تجربتي، فقد استمعت إلى نصائح الخبراء وقررت تقييم هذا الشخص الذي لفت انتباهي على نحو واقعي، ودفعني هذا التقييم إلى سؤال نفسي عشرات المرات: "لماذا لا يمكن لموجة المشاعر الحُلوة أن تستمر؟" لكن الحقيقة أنها لم تستمر لأنني اكتشفت أننا لسنا متوافقين، فعلى الرغم من أني لم أختر الانجذاب إلى ذلك الشخص في المقام الأول، فقد اخترت ألا أقع في حبه، فالحب اختيار!