الحب رغم فارق السن الكبير

الحب رغم فارق السن الكبير
shutterstock.com/Akuma-Photo
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

قد يزيد عمر أحدنا عن عمر الآخر 10 أو 20 أو حتى 30 عاماً، ولكن الحب رغم فارق السن الكبير يمكن أن يحصل، فلم يكن العمر عائقاً لتكوين شراكة ومشروع زوجي. يبحث البعض عن شريك أصغر سنّاً بكثير أو أكبر سناً عموماً، ولكن لا أحد يعرف لماذا. بينما يقول بعض هؤلاء الأزواج أن حبهما كان مجرد صدفة ولا علاقة له بفارق العمر، لكن سرعان ما تصبح الاختلافات في الإيقاعات البيولوجية والمهنية والمراجع والأذواق جزءاً من حياتهم اليومية. هذه بعض من شهادات هؤلاء الأزواج الذين سألناهم عن تجربتهم.

تقول إيف، 55 عاماً، وشريكها البالغ من العمر 22 عاماً، واللذان مضى على علاقتهما 4 سنوات: “بالرغم من فارق السن الكبير بيننا، نشعر بأن كلاً منا ينتمي إلى الآخر. لقد كانت مغامرة مجنونة، ولكننا نعلم اليوم أنها كانت حتمية”. تخطط إيف وشريكها لتكوين أسرة وقضاء بقية حياتهما معاً. ومثلهما، هناك الكثير من الأزواج الذين يصل فارق العمر بينهما إلى 10 أو 15 أو حتى 30 عاماً. لكن المحيطين، والمجتمع بشكل عام، لا يفهمون هؤلاء الأزواج دائماً. يقول عالم الاجتماع باسكال دوريت في هذا الصدد: “هذه الشراكات غير مفهومة ومربكة، لأنها تتعارض مع فكرة الرومانسية الأساسية، أي “عاشا في سعادة أبدية”. إذ ينطوي الفارق العمري الشاسع بين الشريكين على إعلان الانفصال مسبقاً، فأحدهما سيغادر الحياة قبل وقت طويل من الآخر. ويصبح الأمر مربكاً أكثر عندما يكون أحد الشريكين أكبر سناً لدرجة يمكن أن يكون بعمر والد الآخر”. وعلى الرغم من ذلك، يظهر بوضوح أنه يمكن أن تكون صغيراً في السن، ولكن يمكن أن تتمتع بخبرة وتجربة كبار السن حقاً.

مواجهة نظرة الآخرين إليك

تقول لورا، 36 عاماً، متزوجة منذ 11 عاماً من شريكٍ يبلغ 54 عاماً، معبرة عن أسفها: “يعتقد الناس أن الفتاة التي تدخل في علاقة مع رجل يكبرها في السن تبحث عن المال فقط. تتمسّك ابنة زوجي بهذه الفكرة وتعتبرها حقيقة مطلقة لا نقاش فيها”.

يقول عالم الاجتماع دوريت موضحاً: “غالباً ما يكون الأزواج الذين يكون بينهم فارق كبير في السن ضحايا لأفكار مسبقة لا تعكس الواقع، من قبيل “البحث عن المال”، أو أنهم يمرون بـ “أزمة منتصف العمر”، أو أن الأمر مرتبط بإشباع الرغبة الجنسية”. ويضيف: “من المرجح أن يظهر نوعان من العلاقات: أحدهما يعمل فيه الشخص الأكبر سناً كوصي وموجّه للشريك الأصغر سناً، والآخر يقوم على الخبرة المشتركة. على سبيل المثال، إذا كان كلاهما يعيش بدون والديهما”.

الحاجة للأمان

غالباً ما نصف الشركاء الذين يفصل بينهما فارقٌ عمري كبير، سواء بوعيٍ منا أو دون ذلك، بقولنا “إنه بعمر والدها” أو “إنها بعمر ابنته”. تقول عالمة النفس جوان غاريغا: “إنها فكرة تعكس نظرة المجتمع القاصرة، ومن الخطأ القول إن الحاجة إلى الحماية تدفعنا إلى البحث عن شريكٍ أكبر سنّاً”.

ومع ذلك، قد يكون الحرمان العاطفي وراء البحث عن شريك بمثابة الأب أو الأم دون وعيٍ منا، خصوصاً إذا كان المرء مرّ بتجربة الهجر أو فقدان أحد الوالدين. هذه هي حالة أوفيلي، 24 عاماً، والتي مضى على علاقتها برجلٍ يبلغ من العمر 38 عاماً ثلاث سنوات. تقول أوفيلي: “في أعماقي، كنت بحاجةٍ إلى الاستقرار والأمن والتقدير. عندما أفكر في الأمر ملياً، أعتقد أن السبب يعود إلى أنني افتقدت والدي كثيراً- مهندس مثل شريكي- عندما كنت طفلةً، لأنه كان طوال الوقت بعيداً في العمل”.

تحذر جوان غاريغا: “لا يمكنك أن تتوقع من شريكك أن يملأ فراغاً ما في حياتك. فالعلاقة بين الأطفال والبالغين لا يمكن أن تنجح. والشراكة التي تحقق السعادة والانسجام في الحب تحتاج دائماً إلى شخصين بالغين مستقلين”.

بحثاً عن السلام والاستقرار

ووفقاً لغاريغا، فإن هؤلاء الرجال والنساء الذين يدخلون في علاقة رغم فارق العمر الكبير بينهما لديهم قاسم مشترك، وهو “البحث عن السلام والطمأنينة، وضمان نوعٍ من الاستقرار”.

يقول هونورين، 31 عاماً، والذي تربطه علاقةٌ مع نينا؛ 49 عاماً، منذ ما يقرب من عام: “تجذبني النساء الأكبر سناً مني دائماً، نظراً للحكمة التي يتمتعن بها”. بينما تقول مارين؛ 28 عاماً، أنها وجدت السكينة التي كانت تبحث عنها منذ أن التقت مع برنارد؛ 60 عاماً، منذ خمس سنوات: “أشعر بالهدوء والأمان والثقة أكثر مع رجلٍ أكبر سناً، ومع رجلٍ يقدرني ويحترمني بنفس الوقت”.

النضج المتكافئ بالرغم من فارق السن

هل يمكن أن يكون الشريكان بنفس الوعي والنضج رغم فارق السن الكبير بينهما؟ إن وجود فارق في العمر يزيد عن عشر سنوات ليس بالضرورة علامةً على أن هناك اختلافاً عميقاً بين شخصين. تقول جوان غاريغا: “قد يكون لدى شخصٍ يبلغ من العمر 25 عاماً تجربةٌ في الحياة تجعله ينضج أسرع بكثير من شريكه الذي يكبره بخمسة عشر عاماً. على سبيل المثال، تسع سنوات تفصل بين كارول وغيوم، والذين مضى على زواجهما ست سنوات حتى الآن. تقول كارول: “يتفق من حولي على أن تجربة زوجي ونضجه أكبر من عمره، أو أنه قد ولد كبيراً حقاً، وأن فارق العمر بيننا ليس ملحوظاً مطلقاً”.

من جانبه، يقول بول أندريه الذي يبلغ 27 عاماً ومتزوجٌ من ماري جوزيه؛ 45 عاماً، منذ عامين: “أعتقد أن زوجتي ساعدتني بأن أكون الرجل الذي رفض أن يبقى مراهقاً. لقد جعلتني أرغب في الالتزام ووضع خطط للمستقبل”. ولكن إذا كان هذا النضج المتكافئ بين الشركاء غير موجود منذ بداية العلاقة، كما حدث مع بول أندريه، توصي جوان غاريغا بالانتباه إلى أنه “لا يشكل غاية في حد ذاته”.

التكيف مع الحياة اليومية

تصبح الاختلافات في الإيقاعات البيولوجية والمهنية والمراجع والأذواق جزءاً من الحياة اليومية لهؤلاء الأزواج. تقول سيليفان؛ 38 عاماً ومتزوجة من مارسيل الذي يبلغ من العمر 59 عاماً، منذ 15 عاماً: “هواياتنا مختلفة تماماً، فنحن مثلاً لا نحب نفس النوع من الأفلام. عندما نخرج مع أصدقائنا، أحب أن أرقص وأستمتع، بينما يتعب هو بسرعة ويخبرني غالباً أنه كبر على هذه الأشياء. لكننا غالباً ما نكرس وقتاً لبعضنا البعض بانتظام من أجل الوصول إلى إيقاعٍ مشترك بيننا”.

بينما يستمتع آخرون باختلاف أذواقهم ومراجعهم، مثل ناستاسيا؛ 23 عاماً، والتي تربطها علاقةٌ مع زافير، 42 عاماً، منذ عام. تقول ناستاسيا: “أحياناً، يشغّل موسيقاه المفضلة في السيارة، مما يجعلنا نضحك من بعضنا. لقد أصبحت السخرية من هذا التناقض لعبتنا الصغيرة التي نستمتع بها”.

ويرى بيير، 23 عاماً، والذي تبلغ شريكته 35 عاماً، ومرتبطان منذ عام، أن فارق السن يكون ملحوظاً في محيطه أكثر منه في علاقته. يقول بيير: “أرى فجوةً مع أصدقائنا. فمن ناحية، تدور الأحاديث مع أصدقائها عن الرهون العقارية والبستنة والصيد، بينما تدور الأحاديث مع أصدقائي عن النزهات والمراقص وألعاب الفيديو وصديقتنا التي تجري الاختبارات النهائية، الأمر الذي يجعل من المحادثات الجماعية صعبة حقاً، لذلك نفضل أن نلتقي في مجموعاتٍ صغيرة أو مع العائلة”.

وجود مشروع عائلي مشترك

بالإضافة إلى هذه المشاكل اليومية، يمكن أن تكون الخصوبة وانقطاع الطمث أو الرغبة في الإنجاب أحياناً مشكلة حقيقية. مبكر جداً، متأخر جداً، خطير جداً… يمكن أن يصبح فارق السن عندئذ عقبة حقيقية أمام تكوين أسرة. كان هذا هو الحال مع ليديا التي تبلغ من العمر 50 عاماً، والمتزوجة منذ عامٍ ونصف من سيباستيان الذي يبلغ 33 عاماً. تقول ليديا: “لديه خطط لتكوين أسرة، لكني لا أستطيع تحقيق رغبته. لقد أخبرني عندما التقينا أنه يدرك أني لن أكون أماً لأطفاله، لكنه يرغب في البقاء معي أطول فترةٍ ممكنة. علينا أن نفترق يوماً ما”.

لكي تستمر العلاقة، من الأفضل أن يكون للزوجين نفس التوقعات، وأن يكونوا مستعدين لاتخاذ قرارات سريعة أحياناً. هذا هو الحال بالنسبة لكارول، 40 عاماً، التي كانت على علاقة لمدة ست سنوات مع غيوم، 31 عاماً. تقول كارول: “سرعان ما رزقنا بطفلين. حدثت الولادة الأولى بعد وقت قصير من زواجنا، وكان عليَّ أن أحمل مرتين متتاليتين لإنجاب الطفل الثاني لأن إنجاب طفل بعد سن الأربعين أمر صعب”.

إذا كانت خطط المستقبل والرغبة في تكوين أسرة مشتركةً، فإن فارق السن قد يلقي بظلاله القاتمة أحياناً على المشهد. يشعر إيف؛ 51 عاماً، بالقلق: “أعلم أن الناس سيتساءلون ما إذا كنت جد طفلي عندما أذهب لاصطحابه من المدرسة”.

اختلاف وتيرة التقدم في العمر

وفقاً لباسكال دويريت، فإن التقدم في السن والتقاعد لاحقاً، ومواجهة مشاكل صحية محتملة، مواقف يجب أن يكون المرء متهيئاً لها نفسياً. يقول موضحاً: “يصبح الشخص الأصغر سناً بمثابة الممرض للشخص الأكبر سناً، وهو أمرٌ مرهق ويتحدى أسس العلاقة”. سيليفيان تعرف مسبقاً أنها ستواجه هذه الظروف، حيث تقول: “وهذا يعني بالتأكيد أنني سأضطر إلى تكريس نفسي للاعتناء به، لكني سأبقى معه حتى النهاية، سأكون أماً وزوجة ومقدمة رعاية”. بينما تُفضل ديان؛ 33 عاماً، ومرتبطةٌ مع آرثر الذي يبلغ 51 عاماً، منذ أربعة أعوام، عدم التركيز على هذا الأمر: “صحيح أنه سيتقدم في العمر أسرع مني، ولكن في النهاية، لا أحد في مأمن من المرض أو الحوادث مهما كان عمره”.

اختيار العيش مع شخص أصغر أو أكبر بكثير يعني أيضاً قبول أن الحياة المهنية للشخص الأكبر سناً ستنتهي قبل انتهاء حياة شريكه المهنية. في الواقع، لن يكون بالأمر السهل التوفيق بين حياة شخصٍ متقاعد وحياةٍ نشطة للآخر، مما قد يخلق توتراتٍ بين الزوجين. هذا هو الحال بالنسبة لجويل؛ 54 عاماً، والتي يبلغ سنّ زوجها 69 عاماً. تقول جويل: “مضى على زواجنا 18 عاماً، لكن فارق السن أصبح أكثر وضوحاً الآن. لم يعد يطيق فكرة أنني ما زلت أعمل وألتقي بأشخاص جدد، بينما هو متقاعد ويجلس في المنزل وهو يشعر بالملل”. لكن الفترة التي لم تعد تتطابق فيها جداول مواعيد كلا الزوجين ليست بالضرورة عقبة لا يمكن التغلب عليها. نينا، التي يزيد عمرها عن عمر خطيبها ثمانية عشر عاماً، ليست متخوفة: “أرى التقاعد كشكل آخر من أشكال الحياة النشطة، هناك الكثير من الأنشطة التي يمكن له القيام بها، ودائماً ما يسعدني مشاركة شريكي بها”.

اختلاف الرغبة الجنسية بين الشريكين

هناك عقبة أخرى أمام هؤلاء الأزواج وهي انخفاض الرغبة الجنسية التي تترافق غالباً مع تقدم العمر. تكيفت سيلفيان ومارسيل مع هذا الأمر. تقول سيليفيان: “مع مرور الوقت، تغيرت علاقاتنا الجنسية كثيراً، لكنه لا يزال يعتني بي. لقد وجدنا طريقة لقضاء لحظات حميمة، ولكن بطريقة مختلفة”.

بالنسبة لعالم الاجتماع باسكال دوريت، فإن هذا التراجع في الرغبة يمثل مشكلة خاصة إذا أسيء تفسيرها: “الشريك الأكبر سناً يُعاقب مرتين: بالإضافة إلى مواجهته الاتهام بعدم الكفاءة الجسدية، سيواجه أيضاً تهمة فقدان حب الطرف الآخر. وهكذا، قد تتراجع الرغبة الجنسية لدى الطرف الآخر، أو تجد حاجتها خارج العلاقة”. بالنسبة لبول أندريه وماري جوزيه، فقد كانا على علمٍ بهذا الاحتمال. يقول أندريه: “لقد ظلت تخبرني أن رغبتي الجنسية ستقل خلال السنوات العشر القادمة، وأن ذلك سيغير الوضع. أعلم أنها ربما كانت على حقّ”.

عندما تفصل بين عشيقين 10 أو 20 أو 30 عاماً، يصعب تجاهل فكرة أن نهاية هذا الحب، بمغادرة أحد الشريكين مبكراً، ستأتي لا محالة في وقت أقرب من نهاية حب الأزواج الآخرين. يقول إيف: “أعلم لسوء الحظ أني سأضطر لترك عائلتي في منتصف الطريق”. ولكن الأمر سيكون صعباً على الذين سيبقون وحدهم أيضاً. تعترف باسكال؛ 42 عاماً، والتي يبلغ عمر شريكها 66 عاماً، قائلةً: “أخشى الفراغ الذي سيتركه رحيله والسنوات التي سأقضيها بمفردي”. من جانبها، تفضل هونورين التركيز على اللحظة الحالية، فهي سعيدة بعثورها على الحب رغم فارق السن الكبير بينها وبين حب حياتها: “في الواقع، قد لا يكون لدينا الوقت الكافي لنحب بعضنا البعض، فالحياة قصيرة جداً بشكل عام، لكننا نعيش حبنا بشكل مكثف، وهذا هو الشيء المهم الآن”.

المحتوى محمي !!