في الشتاء، نجد صعوبة كبيرة في الاستيقاظ صباحاً، وتراودنا رغبة شديدة في النوم والاسترخاء أثناء النهار. من منا لم يجرب الرغبة الجارفة في البقاء لفترة أطول تحت اللحاف صباحاً؟ كيف نفسر هذه الحالة؟ وكيف نتكيف معها على أكمل وجه؟ يقدم عالم الأحياء الزمني؛ كلود غرونفيير، تحليلاً يشرح فيه هذه الحاجة الغريبة للسبات.
- دب أم جرذ الأرض؟
- حاجةٌ فيزيولوجية أم نفسية؟
- الجاني: قلة الضوء
- النوم أكثر أم النوم بشكل أفضل؟
- إعادة ضبط ساعتنا البيولوجية
دب أم جرذ الأرض؟
"نمت طوال الليل، وما أزال أشعر بالنعاس"، "من المستحيل الخروج من تحت اللحاف هذا الصباح". بحلول الخريف، يبدأ العديد بالشكوى من الشعور بالخمول والحاجة للنوم أكثر، ولا نفكر إلا في شيء واحد: البقاء في المنزل والاسترخاء والراحة في جوه الدافئ والمريح. ولكن أليست هذه علامة على أننا بحاجة إلى السبات مثل العديد من الحيوانات الأخرى؟ يقول كلود غرونفيير؛ الباحث في قسم علم الأحياء الزمني التابع للمعهد الوطني للصحة والبحوث الطبية (INSERM)، موضحاً: "اعتقدنا لفترة طويلة أن الإنسان مختلفٌ عن الثدييات الأخرى، وأنه ليس لديه سلوكيات موسمية؛ لكننا نعلم الآن أن ذلك ليس صحيحاً. كسلوك حيوان ثدي؛ سلوكنا أقرب إلى الدب منه إلى حيوان المرموط (جرذ الأرض). إنه مثالٌ جيد، فالدب تقل حركته في الشتاء؛ لكنه لا يدخل في حالة سباتٍ تام، ويظل محتفظاً ببعض النشاط.
حاجة فيزيولوجية أم نفسية؟
هل لدينا حاجة فيزيولوجية للإبطاء والنوم أكثر خلال أشهر الشتاء، لنقل مثل النباتات؟ يقول عالم البيولوجيا الزمنية: "الأمر أكثر تعقيداً من ذلك. بالنسبة للبعض؛ يمكن أن يكون هناك جانب نفسي أيضاً للحاجة إلى النوم. لماذا؟ لأننا نميل إلى أن نكون أقل سعادةً في الشتاء، وبالنسبة لكثير من الناس، فإن النوم هو المهرب الوحيد. إلى جانب ذلك؛ لا نشعر دائماً بالحاجة إلى النوم أكثر؛ بل نميل إلى البقاء فترةً أطول في السرير ببساطة. ومن ناحية أخرى؛ يحتاج البعض إلى النوم أكثر، خصوصاً الأشخاصُ المعرضون للاكتئاب الشتوي".
في هذه الحالة؛ لم يعد الأمر مجرد إرهاق أو قلة النوم؛ بل هو مرض حقيقي يتطلب العلاج المناسب. يوصي كلود غرونفيير بما يلي: "إذا كنت تعتقد أنك تعاني من هذا المرض، فمن الضروري أن تستشير الطبيب. لا يجب أن تقول لنفسك: "يجب أن أنتظر عودة الطقس الجيد مرةً أخرى"، لأن اكتئاب الشتاء يمكن أن يسبب مشاكلَ خطيرة، سواء على الصعيد المهني أو الأسري".
الجاني: قلة الضوء
لماذا يزعج الشتاء البعض منا كثيراً؟ ما الذي يزعج إيقاعنا وشكلنا وأحياناً حتى رغباتنا إلى هذا الحد؟ بالنسبة لغرونفيير؛ لم يعد هناك أي شك اليوم، فالضوء -أو بالأحرى قلة الضوء- هو القاسم المشترك لكل هذه التغييرات. يقول غرونفيير: "للضوء تأثير كبير على أجسامنا وحالتنا. تنخفض ساعات الإضاءة في الشتاء كثيراً عما كانت عليه في الصيف، فتتأثر إيقاعاتنا البيولوجية كثيراً بتأخر شروق الشمس، ويتسبب ذلك لنا باضطراباتٍ اكتئابية قد تكون شديدةً أحياناً".
قد يتباطأ البعض بشكلٍ بسيط؛ لكن البعض الآخر لديه حاجة فيزيولوجية حقيقية للنوم، فنحن لسنا متساوين عند مواجهة هذا النقص في الضوء، والسبب في ذلك هو ميولنا التي قد تعزز قابليتنا للتأثر بالتقلبات الموسمية. يقول غرونفيير: "هناك أسباب وراثية وراء ذلك. على سبيل المثال: في بعض الأفراد الذين يعانون من تعدد الأشكال في شبكية العين (polymorphism)، تبين أن الإشارات الضوئية لا تنتقل بشكلٍ جيد إلى الدماغ حيث يوجد مركز تنظيم الإيقاعات البيولوجية، ونتيجةً لذلك، فإنهم يصابون باضطرابات عاطفية ومزاجية بشكل أكثر انتظاماً خلال فصل الشتاء. وتشير دراسات أخرى أيضاً إلى دور محتمَل لإنتاج السيروتونين؛ حيث تبين أن الذين يشعرون بحاجةٍ أكبر للنوم لديهم مستويات أقل من السيروتونين إلى حدّ ما في الظروف العادية بالفعل".
النوم أكثر أم النوم بشكل أفضل؟
لحسن الحظ؛ غالباً ما تجعلنا قلة الضوء نشعر بأننا أكثر خمولاً فقط. ولكن ماذا نفعل بعد ذلك؟ هل يتعين علينا التكيف مع هذه الوتيرة، أم ينبغي علينا أن نكافح للبقاء نشيطين وفي كامل حيويتنا؟ الخبر السار هو أن عالم الأحياء الزمنية يقول إن الاستسلام لـ "نداء اللحاف" سيكون جيداً: "نصيحتي في النهاية عدم مقاومة النوم ليلاً. بشكلٍ عام؛ معظمنا يعاني من قلة النوم، وربما يكون من المفيد جداً لنا أن نحصل على ساعة أو ساعتين إضافيتين كل ليلة".
لكن ذلك لا يكفي لتحويلنا إلى جرذ الأرض حتى يحل الصيف مجدداً! ندرك سريعاً -بعد ليالينا الأولى الطويلة التي نقضيها في النوم- أن نومنا أصبح أقل جودةً وأكثر اضطراباً. وتثبت الدراسات أنه بعد نقطةٍ معينة، تنخفض جودة النوم عندما ننام أكثر. يقول غرونفيير: "عندما تشعر أن نومك أصبح مضطرباً أكثر وذو نوعيةٍ أقل، فمن الأفضل العودة إلى إيقاع النوم الصحي الذي كنت عليه في الصيف. إذا استيقظت في الصباح، فانهض بدلاً عن الاستلقاء في السرير". إنها نصيحةٌ مهمة تنطوي على وضع حدّ للنوم إلى وقتٍ متأخر صباحاً. هل تنفيذها صعب جداً؟
إعادة ضبط ساعتنا البيولوجية
بالنسبة لكلود غرونفيير؛ بالإضافة إلى مقدار النوم الذي نحصل عليه، فإن للضوء الدور الأكبر في مساعدتنا على اجتياز فصل الشتاء بصحةٍ جيدة. يقول موضحاً: "كما نعلم اليوم؛ ينشط الضوء أيضاً الخلايا التي تشارك في اليقظة والإدراك وتعزيز المعرفة والمزاج أيضاً؛ وذلك من خلال آليات فيزيولوجية تعتمد على ساعتنا البيولوجية الداخلية. لذلك عندما تضطرب هذه الساعة البيولوجية في الشتاء، لا نعاني فقط من مشاكل النوم؛ بل ومن تقلبات المزاج وضعف التركيز خصوصاً".
ويذكر غرونفيير أنه لا حاجة للجوء إلى العلاج الدوائي، سواء استخدام الحبوب المنومة، أو تلك التي تبقينا مستيقظين نهاراً. الحل الذي يوصي به هو العلاج بالضوء (phototherapy)؛ وهو نهج يعتمد على تأثيرات الضوء على أجسامنا "لإعادة ضبط" ساعتنا البيولوجية الداخلية؛ وبالتالي سنصبح أكثر يقظة نهاراً وننام بشكل أفضل ليلاً.
في حالة الاضطرابات الخفيفة؛ قد تكفي زيادة شدة الضوء في الغرف التي تتواجد بها واستخدام مصباح الضوء العلاجي في المنزل من وقت لآخر؛ ولكن في حالات الاكتئاب الموسمي الشديدة أو حدوث اضطرابات مزاجية أكثر خطورة، فمن الأفضل استشارة طبيب عام واتباع تعليماته يومياً وحرفياً لضمان أقصى استفادة.