كيف يتذكر جسمك الصدمات النفسية؟ وماذا تفعل لتخفيف تأثيرها؟

4 دقيقة
الصدمات النفسية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: الصدمة النفسية تجربة مؤلمة، وقد يُنظر إليها على أنها تهديد وجودي يبقى الجسم على إثره "عالقاً" في حالة تأهّب قصوى، استعداداً لأي كان ما يعتقد أنه خطر خارجي؛ وهو ما يُعرف بـ "ذاكرة الجسم". فكيف تتذكر أجسامنا الصدمات النفسية؟ الإجابة في المقال.

إحدى النتائج المؤلمة للتجارب النفسية الصادمة، أن محفّزاً بسيطاً؛ مثل تاريخ أو صورة أو حتى رائحة عابرة، قد يغمرك بذكريات الماضي. مع ذلك، ليس الدماغ فقط ما يتمسك بالتجارب المؤلمة؛ بل للجسم أيضاً ذاكرته الخاصة؛ إذ وبغضّ النظر عن المدة التي مرّت على حدوث الصدمة، فإن جسمك لم ينسَ تماماً، ويستجيب للموقف المحفّز لذكرى الصدمة كما لو أنّ التجربة تحدث الآن.

على الرغم من أنّ الجميع لا يصابون بمتلازمة اضطراب ما بعد الصدمة بعد تجربة مؤلمة، فإن أولئك الذين يتكرر تعرضهم إلى محفّزات الذاكرة، أجسامهم أكثر عرضة إلى تذكّرم الصدمات النفسية. فكيف تحدث هذه الاستجابة؟ وما الذي يمكن فعله لتخفيف تأثيرها؟

ما الصدمة النفسية؟ 

بداية، ما هي الصدمة النفسية؟ إنها ما نصاب به عندما نمرّ بحدث مؤلم عاطفياً؛ مثل حادث سيارة أو مشاهدة جريمة أو التعرّض إلى الاعتداء أو سوء المعاملة. ترتبط هذه التجربة بردود فعل أولية؛ مثل الشعور بالقلق والخوف والضعف وفقدان السيطرة والإرهاق والحزن؛ التي غالباً ما تكون وسيلة فعالة يتبعها الجسم للتعامل مع ما مرّ به.

وفقاً للمعالجة النفسية، سلمى المفتي؛ تؤثر الصدمة النفسية في 3 جوانب أساسية هي:

  • نظرة الفرد إلى نفسه؛ حيث قد يفتقد شعوره بقيمته.
  • نظرة الفرد إلى الآخرين، وثقته بهم.
  • نظرة الفرد إلى العالم المحيط، وخوفه منه.

في الواقع، صُممت أجسامنا لتساعدنا على التعامل مع المواقف الخطِرة حقاً، أو حتى التي نعتقد أنها تهدد حيواتنا، ضمن آلية تُعرف بـ "استجابة الكر أو الفر أو التجمّد"، لمساعدتنا على الاستجابة لما يهددنا على نحو أفضل.

عند التعرّض إلى الخطر أو الصدمة، تتحفز اللوزة العصبية؛ التي هي جزء في الدماغ مسؤول عن الشعور بالخوف ومعالجة العواطف، فترسل إشارات عصبية إلى منطقة ما تحت المهاد (الوطاء) لتحفيز الجهاز العصبي الذاتي. يحفز الجهاز العصبي الذاتي بدوره الغدة النخامية والغدة الكظرية على الإفراز السريع لهرمونات التوتر؛ مثل الأدرينالين والنورأدرينالين والكورتيزول. يمكن لهذه الهرمونات أن تُحدِث عدّة تغيّرات فيزيولوجية في الجسم بالتسلسل التالي:

  • تسارع نبضات القلب؛ لإيصال المزيد من الأوكسجين إلى العضلات.
  • زيادة سرعة التنفس؛ للحصول على كمية أكبر من الأوكسجين، أو قد يحدث العكس ويضيق النفس بسبب استجابة التجمد.
  • توسّع حدقة العين؛ للسماح بدخول المزيد من الضوء والرؤية على نحو أفضل.
  • ازدياد سماكة الدم بسبب زيادة محتواه من عوامل التخثّر؛ تحسباً لوقوع أي إصابة.
  • الإصابة بالقشعريرة، وزيادة إفراز العرق.
  • ازدياد درجة إحساس الجسم بالألم.

اقرأ أيضاً: لماذا تختلف استجابتنا للصدمات النفسية؟ وكيف نعالجها؟

كيف يتذكر الجسم الصدمة النفسية؟

عادة ما يعود الجسم إلى حالته الطبيعية بعد زوال الصدمة، ويزول تأثير الهرمونات بعد 20-30 دقيقة،؛ لكن على عكس ذكريات الحياة العادية، فإن ذكريات الصدمة تمتاز بقدرتها على الطفو في أي لحظة؛ أي تُمكن استعادتها مع ما يرتبط بها من مشاعر قوية كما لو كانت تحدث الآن.

تُعرف هذه الآلية باسم "الإجهاد اللاحق للصدمة"؛ وهي آلية يلجأ إليها الجسم للحماية والردّ على تهديدات مماثلة في المستقبل. قد تستمر سنوات بعد الحادث على الرغم من عدم وجود خطر حقيقي. فكيف يخزن الجسم ذكريات الصدمة؟

لدى مواجهة الصدمة، تنشط اللوزة الدماغية باعتبارها المسؤولة عن الشعور بالخوف ومعالجة العواطف، فتشفّر (تسجل) التجربة، وتخلق ارتباطاً بين الحدث الضار والمحفّز خلال الموقف. بالإضافة إلى ذلك، تعزز إفراز هرمونات التوتر؛ مثل الكورتيزول والنورإبينفرين خلال عملية التشفير؛ ما يجعل ذاكرة الحدث أقوى.

لهذا السبب؛ نتذكر غالباً الأحداث المرهقة أو المخيفة على نحو أكثر وضوحاً من الذكريات العادية؛ وهو أمر مهمّ لبقائنا لأنه يسمح لنا بالرد على التهديدات المماثلة بسرعة في المستقبل.

تدعى آلية البقاء هذه بـ "الاستجابة المشروطة للتهديد"، وفيها يتعلّم الجسم الاستجابة لبعض الإشارات التي كانت موجودة في أثناء الحدث الصادم. على سبيل المثال؛ إذا تعرّضت إلى حادث دراجة، فقد تتعرق ويتسارع قلبك عندما ترى شاحنة مشابهة لتلك التي صدمَتك، ويمكن أن تحدث هذه الاستجابة حتى لو لم تتذكر الحادث بوعي.

تؤدي هذه الاستجابة إلى أعراض مستمرة ومؤلمة؛ مثل تلك التي تظهر في اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)؛ وتشمل:

  • الشعور بالإرهاق بسهولة.
  • توتر العضلات (الشد العضلي).
  • ضيق الصدر.
  • صعوبة النوم، أو الكوابيس.
  • مشكلات الذاكرة.
  • ضبابية الدماغ.
  • القلق والاكتئاب.

علاوة على ذلك، عندما تنشط اللوزة بتأثير إجهاد ما بعد الصدمة، يتضاءل دور الفص الجبهي؛ الذي هو جزء الدماغ المسؤول عن التفكير العقلاني وصنع القرار؛ ما قد يكون السبب في أنك ترى العالم وتتفاعل معه بطريقة غير عقلانية؛ مثل أن تشعر بالخوف والقلق بعد أن تشم رائحة عطر معين؛ لأنه العطر ذاته الذي كان يضعه من حاول ذات مرة اقتحام منزلك وسرقته. إذ على الرغم من أنه لا داعي للقلق لمجرّد أنك شممت الرائحة، فإن جسمك يُبدي استجابة في الحال.

اقرأ أيضاً: لماذا تختلف استجابتنا للصدمات النفسية؟ وكيف نعالجها؟

ماذا تفعل لتخفف تأثير الصدمة النفسية في جسمك؟

تستهدف طرائق العلاج الممكنة لآثار الصدمة النفسية في الجسم، استعادة نشاط الفص الجبهي المسؤول عن التفكير واتخاذ القرارات العقلانية تدريجياً. وتشمل:

العلاج الإدراكي

توصي الجمعية الأميركية للطب النفسي (APA) باعتماد العلاج الإدراكي في علاج الصدمات. يساعد هذا العلاج الأفراد على تحديد الأفكار غير العقلانية المتعلقة بالصدمة؛ مثل: "أنا المسؤول عمّا حدث" أو "العالم مكان خطِر"، والأسلوب الأنسب لمواجهة الخلل العاطفي المرتبط بالصدمة.

العلاج بالتعرض المطوَّل

يعلّم العلاج بالتعرّض المطوّل الأفراد كيفية التعامل تدريجياً مع الذكريات والمشاعر والمواقف المرتبطة بالصدمة التي كانوا يتجنبونها منذ الصدمة، مُستخدماً أسلوب التعرّض المتكرر إليها حتى يتعلموا أن هذه الذكريات ليست خطِرة، وأنهم لا يحتاجون إلى تجنّبها.

العلاج بالاستثارة الثنائية لحركة العين

العلاج بالاستثارة الثنائية لحركة العين (EMDR) هو نوع من العلاج النفسي المصمم لمساعدة الأفراد على التعامل مع الذكريات المؤلمة بتقليل الشحنة العاطفية المرتبطة بالذكرى وإزالتها، والتواصل مع معتقدات أكثر إيجابية مرتبطة بالحدث. على سبيل المثال؛ بدلاً من الاعتقاد "أنا في خطر" عند تذكر حدث صادم، قد يبدأ الفرد في الاعتقاد "لقد نجوت" و"أنا آمن الآن".

التجربة الجسدية

يساعد هذا العلاج الأفراد على التعامل مع التجارب المؤلمة من خلال:

  • التعرف إلى أعراض الصدمة الجسدية؛ مثل الصداع أو آلام المعدة، أو الأعراض العاطفية مثل الخوف أو الحزن، أو السلوكية مثل التجنب أو العدوان.
  • الاعتماد على مواردهم الخاصة للتغلب على أعراض الصدمة؛ مثل المرونة أو مهارات التأقلم، أو دعم الأصدقاء والعائلة.
  • إعادة النظر في الذكريات للمعالجة؛ ويتضمن ذلك تذكّر الحدث الصادم، والتعبير عن المشاعر المرتبطة به ومعالجتها، ثم ترك تلك المشاعر جانباّ.

اقرأ أيضاً: ما العلاجات التي تساعدك في التعايش مع مشكلة الحساسية المفرطة بطريقة أفضل؟

العلاج بالكلام

هو أحد أنواع العلاج النفسي الذي يتضمن التواصل اللفظي بين المريض والمعالج، لمعالجة المشكلات العاطفية والذهنية والسلوكية. يُستخدم بعض أنواعه مثل العلاج السلوكي المعرفي والعلاج النفسي الديناميكي في علاج الصدمات؛ حيث يركز العلاج السلوكي المعرفي على تغيير أنماط التفكير السلبي؛ بينما يهدف العلاج النفسي الديناميكي إلى كشف صدمات الماضي العميقة ومعالجتها.

المحتوى محمي