التوهم المرضي: العيش مع الخوف من المرض

4 دقائق
التوهم المرضي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

في الواقع، نخاف جميعاً من الإصابة بمرض ما، لكن البعض منا مهووس بهذه الفكرة. يشعر هؤلاء الناس بالخوف والقلق الدائم من الإصابة بالأمراض على الرغم من عدم وجود أعراض واضحة للمرض، كما أن خوفهم هذا ناتج عن سماعهم بالمرض من المحيطين بهم.

التوهم المرضي

في مسرحية الكاتب المسرحي الفرنسي موليير، المريض الوهمي، يسأل مريض موليير الوهمي قائلاً: مرضي العزيز، ماذا سأكون من دونك؟ في الواقع، يعاني مريض موليير، في المسرحية من التوهم المرضي دون مبرر والذي سيستمر معه على الرغم من طمأنة الأطباء له والغياب التام لأي ضرر فيزيولوجي أو أعراض واضحة يمكن اكتشافها. يوضح الطبيب النفسي برنارد بروسي: "يختزل الشخص المصاب بتوهم المرض، هويته في مرضه الذي يصبح محور حياته. إنه علم أمراض النرجسية ودليل على إنكار الذات. لا يستطيع الشخص المصاب بالمرض التوهمي أن يعيش حياته بما فيها من نشاطات مهمة وحيوية على غرار الزواج والعلاقة بالآخرين والعالم الخارجي. نحن نقترب من آليات جنون العظمة، ولكن هنا يتم قمع حبك وانطلاقك نحو الحياة من قبل عضو يُعتبر غير طبيعي. غالباً ما يكون التوهم المرضي قريب من العصاب ومرض الاكتئاب. إنها طريقة لرصد القلق، لأنه بالنسبة للمصاب بالتوهم المرضي، فالخطر الذي يمكن اكتشافه -مثل السرطان- يمكن تحمله أكثر من الخطر الدائم. يجب أيضاً التمييز بين التوهم المرضي والتوهم المرضي العابر؛ وهو خوف مؤقت يمكن أن يتبع وفاة شخص عزيز أو برنامج تحدّث عن مرض الإيدز، وكذلك المخاوف التي تتطور بعد مرض خطِر حقيقي وتستقر في نفس الشخص خشية الإصابة بالمرض من جديد.

وفقاً للأطباء النفسيين، فإن للتوهم المرضي أصلاً نفسياً ديناميكياً. في كثير من الأحيان، عانى الأشخاص المصابون بالتوهم المرضي من مشاكل عاطفية مبكرة وفجيعة وانفصال. وهناك آخرون يعانون منه بسبب خوف آبائهم عليهم؛ حيث يُسرعون بهم إلى الطبيب عند إصابتهم بأدنى مرض، ما يخلق لديهم شعوراً بالضعف وعدم الأمان فيما يتعلق بأجسادهم.

بالنسبة لبعض المحللين النفسيين، ينبع ذلك من عدم احترام الذات. فالمرض بالنسبة لبعض الناس، شكل من أشكال الفشل المقبول، كما يخفي شعوراً عميقاً بالعجز وانعدام القيمة. بالإضافة إلى ذلك، فإن القلق التوهمي شائع جداً أيضاً خلال فترة المراهقة وانقطاع الطمث، لأن هذه الفترات تسبب تساؤلات عميقة عن الصورة الذاتية. من جهة أخرى، يعتبر المعالجون الأسريون أن التوهم المرضي ينقله أفراد العائلة للآخرين، عندما يبالغون في التحدث عن مشاكلهم الصحية.

أما المتخصصة النفسية ميشيل فرويد، فتقول: "إن المعاناة التي يشعر بها متوهمو المرض، ترجع إلى متطلبات الحياة اليومية". إنه رهاب تضاف إليه المظاهر الجسدية على غرار الخفقان وآلام العضلات ونوبات الهلع، التي ترجع إلى زيادة تنشيط الجهاز العصبي اللاإرادي.

كما يؤكد موقع توب سانتي، أنه من المهم التمييز بين القلق التوهمي والتوهم المرضي، محدداً أن الاختلاف يكمن في شدة الأعراض ومدتها. لفهم العلامات الشائعة للمرض بشكل أفضل، جمعنا شهادات من الأشخاص المصابين بالتوهم المرضي وأخبرونا كيف أثرّت هذه المشكلة على حياتهم اليومية.

شهادات

ساندرا، مصممة جرافيك، ذات الثلاثين عاماً: "لم يتمكّن أي طبيب من طمأنتي".

توضح ساندرا: "بدأ كل شيء عندما توفي ابن عمي البالغ من العمر 38 عاماً بسبب مرض سرطان الجلد الخبيث والمدمر. منذ ذلك الحين، بت أخشى ألا أتجاوز هذا العمر. كنت أشعر دائماً بالتعب وأعاني من آلام في المفاصل وأشعر بالتنميل في كامل جسمي وأعراض غريبة وغير مبررة". وتضيف: "استشرت حوالي عشرين متخصصاً وأجريت فحوصات متعددة. لكن لم يتمكّن أي طبيب من طمأنتي وإقناعي بأني بخير. وكنت أظن من وجهة نظري أن مرضي في مرحلته الأولى، لذلك لم يستطع الأطباء اكتشاف المرض، كما أن المختبر أخطأ في نتائجه!".

أحمد، المدير التجاري، 42 سنة: "كنت أعاني لمدة 5 سنوات من صداع نصفي رهيب".

يفيد أحمد: "الخوف من الإصابة بورم في المخ، يمنعني من العمل بشكل صحيح والاستمتاع بهواياتي وعائلتي. لقد كتبت بالفعل عدة وصايا لأن موتي كان يبدو لي وشيكاً. في أغلب الأحيان، عندما أنقل آلامي للناس وأتحدث عنها يسخرون أو يتضايقون منها أو بشكل مباشر يصفونني بالأناني والتظاهر بالمرض لجلب الانتباه، وسرعان ما ينصحونني باستشارة طبيب نفسي! إنه لأمر سخيف. أنا ليس لدي مشاكل نفسية، أنا مريض جسدياً!".

جميل، الصيدلاني، 28 عاماً: "أنا مفتون بمعرفة عالم الفيروسات المجهولة".

يقول جميل: "كنت أراقب صحتي بعناية، فأنا أقرأ كثيراً المجلات والكتب الطبية. كما أتابع بجدية التقدم المحرز في البحث الطبي والعلاجات الجديدة وأحدث التقنيات. علاوة على ذلك، أتابع جميع البرامج التي تتحدث عن الإيدز أو مرض كروتزفيلد جاكوب، لأنني ببساطة مفتون بالمتلازمات النادرة للغاية والفيروسات غير المعروفة والمدمرة. فلا شيء يثير اهتمامي أكثر من الأمراض النادرة!".

نصيحة لمن حولك

بعد فترة من المعاناة، يتملك الشخص المُصاب بالتوهم المرضي الغضب، لا سيما عندما لا يستطيع تهدئة نفسه. لذلك، لا جدوى من التقليل من آلامه بقول عبارات مثل: "إنك بخير وليس لديك أي مشكل صحي أو توقف عن التفكير في الأمر! هذا يعزز من إحساسه بالوحدة وسوء الفهم. من الأفضل تشجيعه على التحدث عن نفسه وطفولته وعائلته. وإذا كانت هذه الطريقة لا تكفي لطمأنته، فيمكننا تقديم النصح له بشأن العلاج النفسي الذي سيساعده على فهم منبع قلقه الحقيقي.

نصيحة لأولئك الذين يعانون من التوهم المرضي

استرخِ

تساعد تقنيات الاسترخاء المقسمة إلى أجزاء على تهدئة العقل وإرخاء الجسم. بمجرد الوصول إلى الحالة الفاصلة بين اليقظة والنوم -وهي خاصية الاسترخاء- يمكن للجميع مواجهة اضطرابات التوهم المرضي.

تنفّس

عملية التنفس تساعدنا على الاسترخاء، فالأشخاص القلقون لا يستطيعون التنفس جيداً. عليك أن تتعلم كيفية التنفس بهدوء وانتظام، لإدارة القلق جيداً.

احصل على المساعدة

يتم التعامل مع التوهم المرضي البسيط في علم السوفرولوجيا، من خلال العمل على التصورات والاقتراحات والأوامر تحت التنويم المغناطيسي. بالإضافة إلى العلاجات النفسية الداعمة وتحليل المعاملات وتقنية الأساس في البرمجة اللغوية العصبية والعلاجات السلوكية المعرفية، التي تعالج أيضاً الرهاب والمعتقدات الوسواسية حول المرض.

يتطلب التوهم المرضي متابعة من معالج نفسي، فهو مرض يستوجب علاجاً مضاداً للاكتئاب وعلاج نفسياً تحليلياً مطوّلاً.

المحتوى محمي