دراسة حديثة: التمارين الرياضية تحمي المراهقين من خطر الاضطرابات النفسية

5 دقيقة
اللياقة البدنية
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: في مواجهة تحديات الصحة النفسية المتزايدة بين الأطفال والمراهقين عالمياً، سلّطت دراسة علمية حديثة الضوء على وجود صلة بين اللياقة البدنية وانخفاض خطر الإصابة بالاضطرابات النفسية بين الأطفال والمراهقين، وإليك تفاصيل الدراسة، ومقترحات لدمج الرياضة في روتينك اليومي.

وسط تزايد أعداد المصابين بالأمراض النفسية بين الأطفال والمراهقين حول العالم، وتحول الصحة النفسية إلى "أزمة عالمية"، تظهر بارقة أمل من دراسة علمية جديدة؛ إذ كشف بحث جديد نشرَته دورية جاما لطب الأطفال (JAMA Pediatrics)، في 29 أبريل/نيسان 2024، عن وجود علاقة بين مستويات اللياقة البدنية ومخاطر الاضطرابات النفسية بين الأطفال والمراهقين على مدى عقد من الزمن؛ حيث انخفضت معدلات اضطرابات الصحة النفسية؛ بما فيها الاكتئاب والقلق واضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط، لدى المراهقين الأكثر نشاطاً بدنياً.

ما الذي وجدَته الدراسة؟

فحص الباحثون في الدراسة الحديثة التي أُجريت في تايوان، العلاقة بين مستويات اللياقة البدنية وخطر الإصابة بالاضطرابات النفسية؛ مثل القلق والاكتئاب واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، على المدى الطويل. واستخدم الباحثون بيانات نحو 4 ملايين طالب تايواني تراوحت أعمارهم بين 10 و11 عاماً، على مدار 10 أعوام (من يناير/كانون الثاني 2009 حتى ديسمبر/كانون الأول 2019) مع فترة متابعة لا تقل عن 3 سنوات، من قاعدتَي بيانات:

  • قاعدة بيانات اختبارات اللياقة الوطنية للطلاب (NSFTD)؛ التي تقيس أداء اللياقة البدنية للطلاب في المدارس، وتضم سجلات مؤشر كتلة الجسم (BMI) للطلاب.
  • قاعدة بيانات أبحاث التأمين الصحي الوطنية (NHIRD) في تايوان؛ التي تسجّل المطالبات الطبية، وتشخيص الوصفات الطبية وغيرها من الأمور الطبية.

وذلك للبحث عن العلاقة بين اللياقة البدنية واضطرابات الصحة النفسية، خاصة فيما يتعلق باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه والقلق والاكتئاب.

اعتمد فريق البحث على 3 مقاييس للياقة البدنية؛ وهي:

  • تمارين الكارديو: من خلال تحديد الوقت الذي يستغرقه الطالب لقطع مسافة 800 متر.
  • تمارين التحمل العضلي: حددوها بعدد تمارين المعدة التي يجريها الطالب.
  • القوة العضلية: بقياس طول الوثبة في تمرين الوثب العريض الثابت.

اقرأ أيضاً: كيف تؤثّر السعادة على صحتنا البدنية والنفسية؟

وتوصّل الباحثون إلى وجود صلة بين تحسّن الأداء في كلّ نشاط وانخفاض خطر الإصابة باضطراب القلق والاكتئاب واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، مع ملاحظة اختلافات بين الجنسين. على سبيل المثال:

  • تمارين الكارديو: مع زيادة السرعة في تمرين الجري؛ أي انخفاض الوقت المستغرَق لقطع مسافة 800 متر نحو 30 ثانية، انخفض خطر الإصابة بالقلق والاكتئاب واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه بنسبة 8% لدى الفتيات، و7% عند الذكور.
  • التحمل العضلي: مع زيادة عدد مرات تمرينات المعدة 5 مرات في الدقيقة، انخفض خطر الإصابة بالاكتئاب واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه لدى المشاركات الإناث بنسبة 6%، ولدى الذكور بنسبة 4%.
  • القوة العضلية: ارتبطت زيادة مسافة القفز بنحو 20 سنتيمتراً بانخفاض خطر الإصابة القلق والاكتئاب واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه لدى المشاركات الإناث بنسبة 5%، ولدى الذكور بنسبة 4%.

واستمر هذا الارتباط حتى بعد مراعاة العوامل المحتملة مثل التركيبة السكانية، ومؤشر كتلة الجسم، والأمراض النفسية المصاحبة؛ لذا استنتج الفريق البحثي أنه يمكن استخدام تمارين الكارديو والتمارين العضلية للوقاية من اضطرابات الصحة النفسية لدى المراهقين والأطفال، أو التخفيف من أعراضها.

اقرأ أيضاً: عدة تمارين لترتيب جميع جوانب حياتك!

لماذا تراجعت الصحة النفسية للصغار والمراهقين؟

تشير تقارير منظمة الصحة العالمية إلى أن مشكلات الصحة النفسية تؤثّر في 1 من كل 7 أطفال ممن تتراوح أعمارهم بين 10و19 عاماً. بالمثل؛ أشارت دراسة نُشِرت في دورية جاما لطب الأطفال، إلى ارتفاع نسبة اضطرابات الصحة النفسية المرتبطة بالقلق بين المراهقين في دولة الإمارات العربية المتحدة، مع تأثّر ملحوظ لدى الفتيات أكثر من الأولاد.

وفقاً لمنظمة الصحة العالمية؛ تُعدّ المراهقة مرحلة حاسمة للنمو الصحي وتطوير السلوكيات والشخصية الاجتماعية والعاطفية، والصحة النفسية؛ بما فيها أنماط النوم، وممارسة التمارين الرياضية، ومهارات التعامل مع الآخرين، وحل المشكلات، وإدارة العواطف. لذا فإن للبيئة المحيطة، سواء في المدرسة أو الأسرة، تأثيراً كبيراً في المراهقين.

ومن أهم العوامل التي قد يتعرّض إليها المراهق وتؤثّر في صحته النفسية:

  • الصدمات.
  • ضغط الأقران.
  • الظروف المعيشية، وعدم إمكانية الوصول إلى الدعم والخدمات الجيدة.
  • تردّي نوعية الحياة الأسرية؛ مثل حالات الأبوة القاسية وانفصال الأبوين والمشكلات الاقتصادية.
  • تفاقم التفاوت بين الواقع الذي يعيشه المراهق وتصوراته أو تطلعاته للمستقبل بتأثير وسائل التواصل الاجتماعي. علاوة على ذلك، قد يؤثّر الاستخدام المكثف للشاشات في الصحة النفسية للمراهقين.

ومن المؤشرات التي تميّز بين التغيرات الطبيعية في مرحلة المراهقة، ووجود اضطرابات نفسية لدى المراهقين، وفقاً للطبيبة النفسية، داليا فاروق:

  • تأثّر الوظائف الحياتية العامة لدى المراهق؛ مثل المستوى الدراسي وعلاقاته بأصدقائه.
  • اضطرابات الشهية والنوم.
  • تغيرات مستوى النشاط، سواء بالزيادة أو النقصان.
  • تراجع القدرات المعرفية؛ مثل فقدان القدرة على التخطيط لجدول دراسته، أو عدم فهم ما يقرؤه أو يدرسه.

اقرأ أيضاً: كيف يؤثر الأصدقاء في الصحة النفسية للمراهقين؟

كيف تؤثّر ممارسة الرياضة في صحتك النفسية؟

تؤثّر التمارين الرياضية في الصحة النفسية بطرائق مختلفة؛ مثل:

  • زيادة حجم الحُصين: تعزز التمارين الرياضية نمو خلايا عصبية في منطقة الحُصين؛ ما قد يخفف أعراض الاكتئاب والقلق.
  • إطلاق الاندورفين: تؤدي التمارين المنتظمة إلى إطلاق الإندورفين؛ وهو ناقل عصبي في الدماغ يعزز الحالة المزاجية. بالإضافة إلى أن ممارسة الرياضة تقلل هرمونات التوتر مثل الكورتيزول.
  • صرف الانتباه عن الأفكار السلبية: يمكن أن تساعد التمارين الرياضية على إبعاد تفكيرك عن المخاوف والمشكلات، وتوجهه إلى النشاط الحالي.
  • تعزيز الثقة: إن تحقيق أهداف التمرين أو التحديات؛ مثل إنقاص الوزن أو بناء العضلات، يمكن أن يعزز الثقة بالنفس.
  • الدعم الاجتماعي: سواء بالانضمام إلى فصل التمارين الرياضية أو فريق المدرسة، فإن ممارسة التمارين الرياضية توفّر دعماً اجتماعياً يخفف التوتر.
  • تعزيز الصحة الجسدية: تقوي التمارين الرياضية على المدى القصير مناعة الجسم ضد نزلات البرد والأنفلونزا وغيرها من الأمراض البسيطة.

5 إرشادات عملية لدمج الرياضة في روتينك اليومي

يعاني البعض صعوبة في الالتزام في ممارسة التمارين الرياضية بانتظام يومياً؛ لكن يمكن لبعض الأساليب النفسية أن تنجح في دمج الرياضة في روتين الحياة اليومي؛ مثل:

  1. ابدأ بعقلك: وجد الباحثون في دراسة نشرَتها دورية طبيعة سلوك الإنسان (Nature Human Behaviour)، أن إخبار المشاركين أنهم يمتلكون جينات تؤهلهم لأداء التمارين الرياضية بفعالية أكبر، حسّن أداءَهم في اختبار جهاز المشي بغض النظر عن وجود تلك الجينات بالفعل. لذا؛ قد يكون من المفيد تغيير نظرتك وتقييمك للتمارين الرياضية، والتركيز على فوائدها وجانبها الإيجابي.
  2. مارس الرياضة بصحبة شخص مقرّب: وجدت دراسة نُشرت في المجلة الدولية للبحوث البيئية والصحة العامة (International Journal of Environmental Research and Public Health)، أن أولئك الذين مارسوا الرياضة بمشاركة أقارب؛ مثل أب أو أم أو صديق، كانوا أكثر نشاطاً واستعداداً لممارسة الرياضة.

اقرأ أيضاً: كيف يؤثر الأصدقاء في الصحة النفسية للمراهقين؟

  1. ابحث عن محفّز لممارسة الرياضة: يساعدك تغيير دوافعك إلى ممارسة الرياضة على تعزيز التزامك بها؛ مثل التفكير في فوائدها الجسدية والنفسية. بالإضافة إلى ذلك، قد يساعدك تغيير توقيت النادي ليتوافق مع موعد استراحتك من الدراسة أو الوظيفة؛ فيصبح وقت ممارسة الرياضة هو وسيلتك للابتعاد عن الضغوط. علاوة على ذلك، يساعد ربط النشاط البدني مع نشاط آخر ممتع بالنسبة إليك؛ مثل الاستماع إلى البودكاست المفضل، أو الكتب الصوتية، على تشتيت التعب والتمرّن لفترة أطول.
  2. الاستمرارية: ذكّر نفسك دائماً، إن الحصول على فوائد التمارين الرياضية لا يتعلق بكثافة التمارين؛ وإنما بالمواظبة على أدائها. لذا؛ اختر الأنشطة التي يمكنك الاستمرار في ممارستها على المدى الطويل.
  3. قسّم أهدافك: لجعل الرياضة جزءاً من روتين حياتك اليومي، قسّم أهداف اللياقة البدنية إلى أهداف صغرى يسهل الالتزام بها وتحقيقها. على سبيل المثال؛ إذا كنت ترغب بالمشي يومياً نحو 30 دقيقة؛ ولكنك لا تمتلك وقتاً لذلك، يمكنك تقسيم المشي إلى 10 دقائق لعدة مرات يومياً. وتذكر أن مجرد المشي إلى مقر عملك أو مدرستك أو إلى منزل صديقك، يعد جزءاً من تمرين المشي.