ملخص: هل سبق ورأيت أحد أصدقائك أو معارفك أو واحد من أفراد أسرتك وهو يدعي المرض ويبالغ في وصف الأعراض التي تحدث له؟ هل شعرت بالغضب من هذا الشخص؟ لا تغضب فربما يكون مصاباً بـ "متلازمة مونشهاوزن" أو الاضطراب المفتعَل.
محتويات المقال
يكره معظمنا المرض والذهاب إلى الأطباء؛ حيث لا يوجد شيء ممتع في سحب الدم والخضوع للتحاليل الطبية وتناول الأدوية ورؤية الإبر واستنشاق رائحة المعقمات والمطهرات. وعلى الرغم من ذلك فهناك أشخاص يدّعون المرض، وقد يُلحقون الأذى بأنفسهم عن عمد لإيهام من حولهم بأنهم مرضى وَهُم في الحقيقة غير ذلك، وعادةً ما يُطلق على تلك الحالة اسم "الاضطراب المفتعَل" أو "متلازمة مونشهاوزن" (Munchausen Syndrome)، فما هي قصة هذا الاضطراب؟ إليكم الإجابة من خلال هذا المقال.
ما هو الاضطراب المفتعَل أو متلازمة مونشهاوزن؟
يؤكد الطبيب جاريد بيستويا (Jared C. Pistoia) إن متلازمة مونشهاوزن أو الاضطراب المفتعَل هو اضطراب عقلي يتصرف فيه الشخص كما لو كان مصاباً بمرض جسدي أو نفسي، وغالباً ما يكون الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب على استعداد للخضوع لاختبارات مؤلمة أو محفوفة بالمخاطر للحصول على تعاطف واهتمام خاصَّين.
وسُميت المتلازمة بهذا الاسم نسبةً إلى الضابط الأرستقراطي الألماني، بارون مونشهاوزن (Baron Munchausen) الذي اشتُهر برواية حكايات جامحة لا تُصدق عن مآثره ومغامراته في الحرب. ويفرق الطبيب جاريد بيستويا بين الاضطراب المفتعَل والتمارض الذي قد يلجأ إليه بعض الأشخاص للحصول على إجازة من العمل أو التنصل من إحدى المناسبات الاجتماعية.
11 عرَضَاً يؤكد أن الشخص يتمارض
يبذل الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب جهداً كبيراً لإخفاء خداعهم عن الآخرين؛ لذلك قد يكون من الصعب إدراك أن أعراضهم هي في الواقع جزء من اضطراب خطِر في الصحة العقلية، ويشير استشاري الطب النفسي، ناصر الهندي إلى أن أهم أعراض التمارض هي:
- مشكلات طبية أو نفسية ذكية ومقنعة.
- تاريخ مرضي غامض وغير متسق.
- معرفة واسعة بالمصطلحات الطبية والأدوية والقدرة الكبرى على الوصف الطبي السليم للأمراض.
- عدم السماح للأطباء بالتحدث إلى العائلة أو الأصدقاء أو غيرهم من مختصي الرعاية الصحية السابقين.
- وجود الكثير من الندوب الجراحية.
- كثرة الإقامة في المستشفيات.
- طلب العلاج من العديد من الأطباء أو المستشفيات المختلفة، حتى باستخدام اسم مزيف.
- رفض الخضوع للتقييم النفسي.
- عدم الرغبة في إظهار السجلات الطبية السابقة.
- الإبلاغ عن أعراض لا تتوافق مع نتائج المختبر أو الفحوصات الجسدية.
- التلاعب من أجل تحريف النتائج الطبية مثل تسخين ميزان الحرارة أو العبث بالاختبارات المعملية بطرائق منها تلويث عينات البول.
اقرأ أيضاً: التوهم المرضي: العيش مع الخوف من المرض
ما أنواع الاضطراب المفتعَل؟
تفرق متخصصة الطب النفسي، كارين ساليرنو (Karen Salerno) بين نوعين من الاضطراب المفتعَل وهما:
- الاضطراب المفتعَل المفروض على الذات (FDIS): ومن خلاله يتصنع الشخص المصاب الأعراض في نفسه أو يُلحق الأذى بذاته حتى يظهر أنه مريض.
- الاضطراب المفتعَل المفروض على شخص آخر (FDIA): وهنا يدّعي الشخص وجود أعراض المرض على أشخاص آخرين خاضعين لرعايته مثل الأشخاص المسنين أو الأطفال أو حتى الحيوانات الأليفة.
ما أسباب التمارض؟
السبب الدقيق للإصابة بالاضطراب المفتعَل أو متلازمة مونشهاوزن غير معروف، ومع ذلك، يعتقد استشاري الطب النفسي، الدكتور طارق الحبيب إن هناك بعض العوامل النفسية التي يمكن أن تلعب دوراً في تطور هذه المتلازمة؛ ومن أهمها:
- صدمات الطفولة؛ مثل الاعتداء الجسدي أو العاطفي أو الجنسي.
- الإصابة بمرض خطِر في أثناء فترة الطفولة.
- فقدان أحد الأشخاص المقربين بسبب الهجر أو المرض أو الموت.
- ضعف الإحساس بالهوية أو احترام الذات.
- الإصابة بالاكتئاب.
ويرى الطبيب جاريد بيستويا أن متلازمة مونشهاوزن ترتبط بمجموعة من الاضطرابات الشخصية؛ مثل:
- اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع (ASPD): حيث قد يسعد الشخص بالتلاعب بالأطباء وخداعهم؛ ما يمنحه إحساساً بالقوة والتحكم.
- اضطراب الشخصية الحدية (BPD): حيث يكافح الشخص للسيطرة على مشاعره وغالباً ما يتأرجح بين وجهات النظر الإيجابية والسلبية.
- اضطراب الشخصية النرجسية (NPD): وهنا يتأرجح الشخص بين رؤية نفسه على أنه شخص مميز والخوف من أنه لا يملك أي قيمة.
وأحياناً يمكن أن يكون لدى الشخص إحساس غير مستقر بهويته، ويواجه أيضاً صعوبة في تكوين علاقات ذات مغزىً مع الآخرين، وهنا يسمح له لعب "دور المريض" بتبنّي هوية تجلب معها الدعم والقبول من الآخرين.
اقرأ أيضاً: ما هو اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع؟ وما هو علاجه؟
كيف تُمكن معرفة الشخص المتمارض؟
وفقاً للإصدار الخامس من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5)؛ يُشخَّص الاضطراب المفتعَل أو متلازمة مونشهاوزن عند استيفاء أحد العرَضَين التاليَين أو ظهور كليهما معاً:
- اختلاق علامات جسدية وعقلية للمرض أو التسبب عمداً في إحداث إصابة بالجسد.
- ممارسة سلوكيات مخادعة.
وتجدر الإشارة إلى أن تشخيص الاضطراب المفتعَل أمر صعب للغاية؛ ولهذا يستخدم الأطباء مجموعة متنوعة من الاختبارات والإجراءات التشخيصية قبل التفكير في التشخيص، وإذا لم يجد الطبيب سبباً جسدياً للأعراض فإنه يحيل الشخص المصاب إلى الطبيب النفسي.
3 طرائق لعلاج الاضطراب المفتعَل
في الكثير من الأحيان، لا يعترف الأشخاص المصابون بالاضطراب المفتعَل أبداً بالتسبب في أعراضهم، وهؤلاء لن تجدي معهم محاولات العلاج؛ أما أولئك الذين يعترفون بوجود مشكلة سيجدون طريق التعافي عبر الأساليب الآتية:
- العلاج المعرفي السلوكي: يساعد العلاج المعرفي السلوكي على تحديد الأفكار والمشاعر التي تسهم في ظهور السلوك المخادع، وبعد ذلك يوفر المهارات التي يمكن للمريض استخدامها للنجاح في حياته بعيداً عن استجلاب الشفقة وادّعاء المرض.
- العلاج الأسري: من خلال هذا العلاج، سوف يجتمع الشخص المصاب مع أفراد أسرته ويتناقش معهم حول تأثير هذا الاضطراب في حياته. ومن ناحية أخرى، سيتعلم أفراد الأسرة كيفية تجنُّب تعزيز السلوك غير الطبيعي للشخص. على سبيل المثال؛ يمكن أن يتضمن ذلك التعرف إلى الوقت الذي يلعب فيه الشخص "دور المريض"، وتجنُّب إظهار القلق عليه أو تقديم الدعم له.
- العلاج النفسي: في بعض الحالات، قد يوصي الطبيب النفسي بدواء لعلاج الاكتئاب أو القلق؛ لكن الدواء لا يعالج الاضطراب المفتعَل على نحو مباشر.
كيف تتعامل مع مع الأشخاص المتمارضين؟
إذا كنت تعتقد أن أحد أصدقائك أو أحد أفراد أسرتك يكذب بشأن مشكلة تتعلق بالصحة النفسية أو الجسدية، فلا تحاول مواجهته، وتذكّر دائماً أن المصابين بالاضطراب المفتعَل قد لا يعرفون الأسباب التي تدفعهم إلى التصرف على هذا النحو؛ ولهذا يجب تقديم التعاطف والمودة لهم دون دعم سلوكياتهم، ويجب ألا تشهّر بهم أو تطلق الأحكام عليهم؛ إذ ليس من الخطأ الرغبة في الحصول على الحب والمودة والاهتمام، وبخاصة إذا كانت هذه الاحتياجات لم تُلبَّ من قبل، ويمكن أيضاً التعامل مع المتمارضين بالطرائق التالية:
- تشجيعهم على التحدث إلى مختص نفسي.
- تقديم الدعم من خلال الكلمات الحنونة والإيماءات اللطيفة، أو عن طريق اقتراح أنشطة لتجربتها معاً.
في النهاية، تذكّر دائماً أن الإصابة بالاضطراب المفتعَل لا تجعل منك شخصاً سيئاً؛ ولكن في الوقت نفسه، لا يمكن إنكار أنها تؤثر في صحتك وعلاقاتك بالآخرين؛ ولهذا فإن الحصول على الدعم النفسي مهم للغاية ويمكن أن يساعدك على اتخاذ خطوات فعّالة نحو العلاج.