ملخص: ليست اليوغا مجرد أسلوب استرخاء وتأمل؛ بل هي أيضاً علاج عميق لجروح الروح، وعودة أصيلة إلى جذور الطبيعة تقود ممارسها إلى الارتباط بالأرض. يوضح هذا المقال العلاقة القائمة بين اليوغا والتجذّر في الأرض، وانعكاساتهما على الصحة النفسية والجسدية.
تهدف ممارسات اليوغا بالأساس إلى استعادة التوازن الجسدي والنفسي، سواء تعلّق الأمر بتلك القائمة على الوضعيات الجسدية والحركية مثل الهاتا والأشتانغا فينياسا، أو تلك القائمة على التأمل مثل يوغا ين.
أن نتقبّل بفارغ الصبر التحرّر من عقولنا للتركيز على أجسادنا وأحاسيسنا، فهذا أحد المداخل الرئيسية التي تفتحها أمامنا يوغا الوضعيات الجسدية للتخلص من التوتر والقلق والمعاناة. ونظراً لتعاملنا مع هذه الاضطرابات وتفكيرنا فيها بالطريقة نفسها، فإنها قد تصبح مزمنة. وتتيح لنا اليوغا بديلاً آخر لتغيير أسلوب تعاملنا إذا لم يعد يناسبنا، فعندما نحوّل وعينا نحو أجزاء أخرى من الجسد غير أدمغتنا، فإننا نغير وجهات نظرنا ونضع حداً لما قد يشغل أذهاننا على مدار أشهر؛ بل سنوات. ويقودنا وعينا بالجسد وهو يتنفس ويتحرك، إلى اتخاذ مسافة بيننا وبين عواطفنا على وجه التحديد. فالخوف يمكن أن يشلّ حركتنا، والحزن يؤدي بنا إلى الشعور بالعجز والغضب؛ الذي إذا طال فإنه قد يؤذينا نفسياً. ولهذا؛ تساعدنا اليوغا على الانفصال عن هذه العواطف التي قد تسلبنا الشعور بالحرية.
كيف يساعدنا التجذّر (التأريض) على التعافي النفسي؟
التجذّر (Grounding) أو التأريض (Earthing) ممارسة أثبتت فعاليتها على نطاق واسع في الهند باعتبارها علاجاً، وتنتشر اليوم في الغرب للعناية بحالات نفسية مثل الشعور بفقدان المعنى والاحتراق الوظيفي والاكتئاب والاضطرابات النفسية الأخرى. وليس صدفة أن يتمكّن ممارسو اليوغا في أثناء التمارين أو خلال حياتهم اليومية من تجذير وعيهم بعيداً عن أدمغتهم؛ فيحوّلونه مثلاً نحو أرجلهم أو نحو الأجزاء التي يعتمد عليها الجسم مثل الظهر أو المرفقين.
ويتعلّم هؤلاء خلال بحثهم عن استعادة التوازن التكيّف مع مواقف الحياة اليومية؛ حيث يتيح التجذر في الأرض لممارس اليوغا مسارين: مسار التركيز بعيداً عن تقلبات الذهن، المعروف بمصطلح "فريتيس" (Vrittis) باللغة السنسكريتية، ومسار آخر يملأ من خلاله الممارس مكانه دون بذل أي جهد؛ لأنه يشعر أينما كان أنه في مكانه الطبيعي.
إن ثبات ممارس اليوغا الذي يتحرك في الاتجاهات جميعها برشاقة وقوة ليس سوى صورة معبّرة عن حقيقتنا التي نسيناها بسبب كثرة الجلوس أمام شاشات التلفزيون أو على مقاعد السيارات. فبسبب ابتعادنا عن جذورنا، بمعنى التجذّر في الأرض؛ نسينا كيف ننثني مثل القصب الذي يبقى متجذّراً في الأرض، سواء في الطقس الماطر أو المستقر، مثل الذي يرقص على الحبال.
ماذا تعرف عن ممارسة اليوغا بوضعية الشجرة؟
يبدو ممارس اليوغا بوضعية الشجرة التي يجسدها ثابتاً بين السماء والأرض مثل هوائيّ يلتقط الطاقات كلها ويتغذّى عليها من خلال التنفس على وجه التحديد. ووفقاً للوضعيات الجسدية ("أسانا" (Asanas) باللغة السنسكريتية)، تعيد مراكز القوة (Chakras) توزيع الطاقة الحيوية "برانا" (Prana) السارية في قنوات "نادي" (Nadis)، التي تشبه مفهوم خطوط الطول أو الأوعية الدموية المتعارف عليها في الطب الصيني التقليدي.
وبعد تنشيطه من خلال هذه الطاقة، يستعيد الجسم حيويته وصحته النفسية وليس العضوية فقط؛ لأن الحالة الجسدية تؤثر في نفسياتنا وسلوكياتنا وتفاعلاتنا مع الآخرين، وفي طريقة تغذيتنا وتفكيرنا واختياراتنا. علاوة على ذلك، فإن العودة إلى ممارسة هذه الحركات الهادفة والموجَّهة ذات الفعالية المثبتة منذ قرون من حكماء هنود، تؤثر إيجابياً في شخصياتنا ومعرفتنا العميقة بالأنا العُليا.
كيف تعيد اليوغا اتصالك بذاتك؟
يمثل الجسد والأحاسيس والتنفس والتأمل، وسائط مهمة في مجال اليوغا للوصول إلى عمق الوعي، أو على وجه التحديد، الوعي الجماعي الذي ترتبط به الكائنات كلها. وتوضح ذلك دلالات المفردات المستخدَمة في هذا المجال، فكلمة "يوغا" تعني باللغة السنسكريتية "الاتحاد" أو "النهج". وتمكّن ممارسة هذا النهج بانتظام وتكييفه وفقاً لاحتياجات كل حالة على حدة، من استكشاف اتحاد أبعاد الكائن البشري الجسدية والنفسية والروحية، ناهيك بأنه يكشف لنا تدريجياً أننا متحدون مع ما قد يبدو لنا "منفصلاً عنّا"؛ أي مع ذلك الكلّ الكوني الكبير.
وليس المطلوب البحث عن تجربة الاتحادهذه أو انتظارها؛ لأنها تتحقق تلقائياً عندما نتوقف عن السباحة ضد تيار الطبيعة وضد طبيعتنا الأصلية. تمثل ممارسة اليوغا إذاً طريقاً للعودة إلى الحالة الطبيعية وحركة الحياة اللامتناهية والحرية التي نجسدها "نحن"، بعيداً عن الحيز الضيق الذي يعتقد بعضنا أنه محصور فيه.