هل ينمّ التعرق خلال النوم عن مشكلة صحية؟

5 دقيقة
التعرق الليلي
shutterstock.com/marog - pixcells

ينتهي فصل الصيف وتبدأ نسمات الخريف، ليزول تدريجياً الجو الحار الرطب الذي يتسبب في التعرق ويكون مزعجاً للكثيرين؛ حيث يمكن أن يمنعهم من ممارسة أنشطتهم المفضلة التي تحتاج إلى نشاط بدني، بسبب الشعور بالإحراج والخجل من ظهور العرق على ملابسهم أو انهماره على وجوههم، وعدم القدرة على مصافحة الآخرين أحياناً حين تكون أيديهم مبللة بالعرق.

لكن انخفاض درجات الحرارة ومعدلات الرطوبة، وما يصاحبه من انخفاض في معدلات التعرق، لا يدعو البعض للسعادة والشعور بالانتعاش واستعادة القدرة على ممارسة أنشطتهم بمزيد من الحرية، ويعود ذلك لمعاناتهم منه في الجو البارد أيضاً. فما السبب وراء ذلك النوع من التعرق؟ وهل ينم عن مشكلة صحية تحتاج علاجاً؟

التعرق الصحي

تعمل أجهزة الجسم معاً لتلبية احتياجاتنا الداخلية والاستجابة للمؤثرات الخارجية، وكذلك الهرمونات والسوائل المختلفة التي تفرَز بمعدلات محددة استجابة للمؤثرات المختلفة.

ويختلف معدل إفراز العناصر المكونة لهذه السوائل وفقاً لعدد من العوامل، فالشكل يتبع الوظيفة، ويتباين مقدار تعرق الناس وفقاً لعدة عوامل كالعوامل الوراثية، والجنس، والبيئة، بالإضافة إلى مستوى اللياقة البدنية.

ويصنع جسمنا هذه السوائل التي تشمل العرق، والدم، واللعاب، والدموع، والبول، والسائل المنوي، وكذلك حليب الثدي لتلبية احتياجاتنا الجسدية والعاطفية والتمثيل الغذائي وفقاً للطبيب نافيد صالح (Naveed Saleh).

لكن هناك معدلاً طبيعياً لإفراز هذه السوائل، وآخرَ يكون مؤشراً لوجود مشكلة صحية كما في حالة العرق الذي يعمل في الأساس على تنظيم حرارة أجسامنا.

وينتج العرق الصحي في حالات:

  • درجات الحرارة المرتفعة.
  • التمرين الجسدي.
  • الضغط العاطفي.
  • تناول الأطعمة الساخنة أو الحارة.
  • الحُمّى.

ما هو التعرق الليلي؟

بالإضافة إلى الحالات المذكورة التي ينتج عنها العرق كاستجابة صحية لتبريد الجسم والحفاظ على درجة حرارته في مستوىً آمن ومريح؛ توجد حالات أخرى تسبب العرق وتكون مصدرَ إزعاج للكثيرين ومنها التعرق الليلي الذي يكون غزيراً لدرجة أن تصبح الملابسُ التي يرتديها الفرد خلال نومه وفراشُه مبللة بشدة؛ ما يؤثر في جودة النوم.

قد يشعر الفرد في حالة التعرق الليلي بموجة مفاجئة من الحرارة تنتشر في جميع أنحاء الجسم، يليها التعرق، واحمرار الجلد، وسرعة ضربات القلب، ليستيقظ في عرَق بارد (العرق البارد هو العرق غير الناتج عن أي نشاط بدني) دون معرفة السبب الرئيس وراء ذلك. 

أسباب التعرق الليلي في الشتاء

يمكن أن يؤثر التعرق الليلي في أي شخص لكنه قد يكون مرتبطاً بعدة الحالات مثل:

  1. الأمراض المعدية: وتشمل السل وفيروس نقص المناعة البشرية (HIV).
  2. الالتهابات البكتيرية: وتشمل التهاب الشغاف (التهاب البطانة الداخلية للقلب)، والتهاب نخاع العظم، وخرّاج الكبد القيحي (صديد في الكبد).
  3. الالتهابات الفيروسية: وتشمل نزلات البرد والأنفلونزا وكوفيد-19.
  4. الأمراض الهرمونية: وتشمل فرط نشاط الغدة الدرقية وأورام الغدد الصماء والسكري.
  5. تعاطي المواد المخدرة: بما في ذلك الكحول والهيروين والكوكايين.
  6. الاضطرابات العصبية: بما في ذلك خلل المنعكسات المستقل، وهي حالة يستجيب فيها الجهاز العصبي اللاإرادي بشكل مفرط للمنبهات الخارجية أو الجسدية، والاعتلال العصبي اللاإرادي (تلف الأعصاب اللاإرادية)، والسكتة الدماغية. 
  7. السرطان: بما في ذلك اللوكيميا (سرطان الدم)، وسرطان الغدد الليمفاوية (سرطان خلايا الدم).
  8. الاضطرابات السلوكية: ومنها اضطراب الهلع والقلق.
  9. اضطرابات النوم: بما في ذلك انقطاع النفس الانسدادي النومي.
  10.  أمراض الجهاز الهضمي: وتشمل داء الارتداد المعدي المريئي (GERD).
  11.  الآثار الجانبية لعلاجات السرطان: بما في ذلك مثبطات الأروماتاز​​، والتاموكسيفين، والمواد الأفيونية، والمنشطات. 
  12.  فترة ما قبل انقطاع الطمث ووصول سن الأمل: عادةً ما يحدث انقطاع الطمث بين سنّي 40-50؛ حيث يحدث العديد من التغيرات الهرمونية، ويُنتج المبيضان كمية أقل من هرمونيّ الإستروجين والبروجسترون؛ ما ينتج عنه تغيرات في درجة حرارة الجسم تجعله يشعر بالحر الشديد المفاجئ، أو احمرار الوجه والرقبة والصدر، ويمكن أن يحدث ذلك خلال النهار أو الليل.
  13.  الإصابة بقصور المبيض الأولي (Primary Ovarian Insufficiency): في هذه الحالة يتوقف المبيضان عن إنتاج هرمون الإستروجين قبل سن الأربعين، وينتج عن ذلك تعرق ليلي كما في حالة فترة انقطاع الطمث. 
  14.  متلازمة ما قبل الحيض (PMS) أو اضطراب ما قبل الحيض المزعج (PMDD): يمكن أن تتسبب التقلبات الهرمونية في أثناء الدورة الشهرية أيضاً في حدوث تعرق ليلي.
  15.  الحمل: قد يؤدي تذبذب مستويات الهرمونات خلال فترة الحمل إلى التعرق الليلي والذي يكون أكثر شيوعاً خلال الأشهر الثلاثة الأولى، ومن الأسبوع 27 حتى موعد الولادة، وقد يستمر بعد بضع أسابيع من الولادة أيضاً حتى تعود مستويات الهرمونات إلى مستوياتها قبل الحمل.
  16.  الآثار الجانبية للأدوية الأخرى: وتشمل بعض مضادات الاكتئاب، وأدوية السكري، والأسبرين، وأدوية ارتفاع ضغط الدم.

متى يكون العرق مؤشراً مرضياً؟

بالإضافة إلى الحالات السابقة التي يظهر فيها التعرق الليلي كأثر جانبي لمرض أو اضطراب آخر أو حالة من التغيرات الهرمونية، فهناك حالة تصف العرق الغزير كحالة مرضية مستقلة، وهي فرط التعرق (Hyperhidrosis).

وفرط التعرق هو حالة يزداد فيها نشاط الغدد العرقية في الجسم بشكل مفرط؛ ما يتسبب في التعرق كثيراً في الأوقات والأماكن التي لا يتعرق فيها الآخرون، ويكون الأمر تحدياً كبيراً لهؤلاء الأفراد حيث يمكن أن يمنعهم من ممارسة أنشطتهم بشكل طبيعي ويؤثر سلباً في جودة حياتهم.

يمكن أن تختلف أعراض فرط التعرق في شدتها وتأثيرها في حياة الفرد؛ قد تكون الأعراض بسيطة وتحدث على مدى فترات طويلة، أو قد يكون العرق المفرط تحدياً يومياً ومصدراً للإحباط وانعدام الأمن.

كما يؤثر فرط التعرق في الناس بشكل مختلف، فقد:

  • يتجمع أسفل الذراعين (منطقة الإبط) أو حول الظهر.
  • يكون غزيراً لدرجة الحاجة إلى تغيير الملابس للشعور بالراحة.
  • ينهمر على الخدين أو الجبهة. 
  • يبلل اليدين أو القدمين بالكامل. 

وقد يؤدي التعرق المفرط أيضاً إلى:

  •  الحكة والالتهابات عندما يسبب العرق تهيج المنطقة المصابة.
  • رائحة الجسم الكريهة عندما تختلط البكتيريا الموجودة على الجلد بجزيئات العرق.
  • تغيرات الجلد؛ مثل الشحوب أو أي تغير آخر في اللون أو تشققات أو تجاعيد.
  • تغير شكل الجلد في باطن القدمين وملمسه.

مضاعفات فرط التعرق وتأثيره في الحياة الاجتماعية

إذا استمر فرط التعرق لفترات طويلة فقد يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بعدوى جلدية؛ كما يمكن أن يؤثر سلباً في الصحة النفسية حيث قد يميل الفرد لتغيير طريقته في التعامل مع الآخرين أو ممارسة الأنشطة بحرية لإخفاء العرق. 

وقد يكون التعرق المستمر شديداً لدرجة تجنُّب الأمور العادية؛ مثل رفع الذراع أو المصافحة، ويمكن حتى التخلي عن الأنشطة الممتعة لتجنب الإحراج.

في هذا السياق؛ كشفت نتائج دراسة من كلية الطب بجامعة (Dhanalakshmi Srinivasan) الهندية بحثت في مدى انتشار فرط التعرق بين طلاب الجامعات وتأثيره في جودة حياتهم، شملت 500 طالب تتراوح أعمارهم بين 17-21 عاماً من الجنسين، أن 38% من الطلاب كانوا يعانون من فرط التعرق المزعج. وأظهر التحليل الجنساني تأثر الطلاب الذكور بنسبة 58%، وكانوا بحاجة أكبر إلى العلاج مقارنة بالإناث؛ كما أظهرت الدراسة تأثر الجودة الإجمالية للحياة بشكل كبير في ما يقرب من 35% من الطلاب.

كيف يتم علاج فرط التعرق؟

يمكن أن يكون فرط التعرق مقلقاً ومزعجاً، وتشمل طرق علاجه اتباع روتين يمكن للفرد تطبيقه في المنزل، والأدوية، بالإضافة إلى إجراءات أخرى مثل حقن البوتكس في بعض الأحيان كما يلي:

  • تغييرات نمط الحياة: قد يؤدي تغيير الروتين؛ مثل الاستحمام كثيراً وارتداء ملابس قطنية، إلى تحسين أعراض فرط التعرق الطفيفة. 
  • استخدام مضادات التعرق المحتوية على الألمنيوم: تعمل مضادات التعرق عن طريق سد الغدد العرقية حتى يتوقف الجسم عن إفراز العرق.
  • الأدوية: يمكن للأدوية المضادة للكولين (غليكوبيرولات وأوكسي بوتينين) أن تجعل مضادات التعرق المصنوعة من الألمنيوم تعمل بشكل أفضل.

إذا لم تتحسن أعراض فرط التعرق، فقد يوصي الطبيب بعلاجات أكثر تخصصاً مثل:

  •  وضع اليدين أو القدمين في حوض ماء ضحل، ويتم استخدام جهاز يصدر تياراً كهربائياً منخفضاً عبر الماء ليسد الغدد العرقية بمرور الوقت، ويستغرق ذلك 10-20 دقيقة.
  • حقن البوتوكس الذي يمكن أن يوقف إفراز العرق الغزير لأشهر.

وأخيراً؛ تساعد التغييرات في البيئة، والنوم في غرفة أكثر برودة، وتقليل استهلاك الكافيين والأطعمة الحارة، والحفاظ على وزن صحي، على تقليل فرط التعرق، وتمكين الفرد من ممارسة حياته بشكل طبيعي دون الشعور بإحراج شديد يؤثر سلباً في جودة حياته بأكملها.

اقرأ أيضاً: النوم بمفردك أم بجانب شريكك، أيهما أفضل لصحتك النفسية والعقلية؟

المحتوى محمي