الرجاء تفعيل الجافاسكربت في متصفحك ليعمل الموقع بشكل صحيح.

الشلل النفسي: عندما تتجمد أعضاء الجسم استجابةً للصدمة!

4 دقيقة
الشلل النفسي
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: عبد الله بليد)

تخيل أنك تستيقظ ذات صباح وتهمّ لاستقبال اليوم، لتجد أن جسدك يرفض الاستجابة. يمكنك التفكير بوضوح، وعقلك متيقظ، لكن أطرافك تشعر بالثقل وعدم المرونة، وكأنها تنتمي إلى شخص آخر. تُعرف هذه الظاهرة بالشلل النفسي، أو الشلل المؤقت؛ وهي حالة تتجلى فيها العوامل النفسية في شكل قيود جسدية. فما الذي يحدث للجسم خلال هذه الظاهرة؟ وما هي طرق علاجها؟ لنتعرف سوية.

ما هو الشلل النفسي؟

الشلل النفسي (Psychogenic Paralysis) حالة يتعرض فيها الفرد إلى فقدان مفاجئ لوظيفة العضلات العلوية أو السفلية أو كليهما نتيجة لأسباب نفسية، مثل الصدمة العاطفية أو الإجهاد، وليس لسبب جسدي أو عصبي أساسي. إنه ليس ادعاءً أو تظاهراً بالشلل لجذب الانتباه كما يعتقد البعض، بل يندرج هذا النوع من الشلل تحت فئة اضطرابات التحويل (Conversion Disorder)، أو اضطرابات الأعراض العصبية الوظيفية، وهي مجموعة من الاضطرابات يستجيب فيها الجسم للضغوط النفسية في صورة أعراض جسدية.

ويضيف مختص الإرشاد النفسي عبد الله سافر الغامدي أنه في الشلل النفسي قد يتوقف عضو أو أحد الحواس عن العمل، ويعد نوعاً من الدفاع النفسي السلبي لدى الشخص الحساس، إذ تحدث بداخله تفاعلات معينة في بعض المواقف الحرجة تجعل جسمه يتصرف بهذه الطريقة لحمايته مما يعتبره خطراً.

وقد يفقد المصاب بالشلل النفسي القدرة على تحريك أجزاء معينة من الجسم فترة مؤقتة تستمر من بضع دقائق إلى أشهر، على الرغم من عدم وجود ضرر جسدي للجهاز العصبي أو العضلات، وينتهي الأمر بمجرد زوال السبب النفسي الذي أدى للشلل.

اقرأ أيضاً: الشلل التحليلي: عندما يُفقدك تفكيرك المفرط القدرة على أخذ القرار

أعراض الشلل النفسي: تتجاوز حتى الأطراف!

على الرغم من أن الشلل النفسي حالة ذهنية، فإن الأعراض الجسدية لا تزال حقيقية. ويمكن أن تشمل:

  • فقدان البصر والسمع.
  • الترنح وثقل الذراعين أو عدم القدرة على تحريكهما.
  • ثبات الساقين وعدم القدرة على تحريكهما.
  • اختلال وظائف الجهاز البولي التناسلي والجهاز الهضمي.
  • الصمت وصعوبة إيجاد الكلمات.
  • عدم قدرة الدماغ على معالجة المعلومات.

اقرأ أيضاً: الجاثوم: الأعراض والأسباب واستراتيجيات الوقاية

الجانب الفيزيولوجي للشلل النفسي

صُممت أجسامنا لتساعدنا على التعامل مع المواقف الخطرة حقاً، أو حتى التي نعتقد أنها تهدد الحياة، ضمن آلية تُعرف باستجابة الكر والفر، لمساعدتنا على التحرك بصورة أسرع وأفضل وأقوى. وقد تشكلت هذه الاستجابة عند الإنسان خلال ملايين السنين من التطور عبر أجيال لا حصر لها، إذ كان أساسها غريزة البقاء ضد التهديدات البيئية التي نواجهها، وتسبب سلسلة تلقائية من التغييرات الداخلية، والتي من شأنها المساعدة على الهروب أو القتال أو التجمّد (تمثيل الموت).

تتجلى استجابة الكر والفر في عدة أنواع من الاستجابة:

  • القتال (الكر): اتخاذ إجراءات للقضاء على الخطر.
  • الفرار (الفر): محاولة الهروب من الخطر.
  • التجمد: أي عدم القدرة على الحركة أو اتخاذ إجراءات ضد الخطر، إنه يعادل التظاهر بالموت في عالم الحيوان، وهي ما يسبب الشلل النفسي.

اليوم، لا نتعرض لمخاطر مهددة للحياة، مثلما تعرض لها أسلافنا، لكن هذا لا يعني أننا فقدنا استجابة الكر والفر اللاإرادية. بل يلجأ الجسم لهذه الاستجابة في مواقف يومية عديدة، ومنها الصدمات النفسية.

يبدأ رد الفعل بتنبه اللوزة الدماغية، وهي جزء من الدماغ مسؤول عن الشعور بالخوف. فترسل إشارات عصبية إلى منطقة ما تحت المهاد أو ما يُعرف بالوطاء (Hypothalamus) لتحفيز الجهاز العصبي الذاتي الودي المسؤول في حالة استجابة الكر أو الفر، والجهاز العصبي اللاودي في حالة استجابة التجمّد.

3 أسباب تفسر الإصابة بالشلل النفسي

في حين أن الشلل النفسي باعتباره استجابة قد يكون وسيلة الجسم لحماية نفسه من الخطر، فإن له أسباباً نفسية متجذرة في الذهن، من أهمها:

  1. تخفيف الألم: وفقاً لدراسة علمية نشرتها دورية تقارير الطب النفسي الحالية (Current Psychiatry Reports)، قد يكون الشلل النفسي، بما يرافقه من أعراض، ناتجاً عما يُعرف بالانفصال. يحدث الانفصال، بصفته آلية للتكيف، استجابةً للصدمة أو الإجهاد الشديد، إذ يسعى الجسم لتخفيف ألم الأحداث المؤلمة وإبعاد نفسه عن التجارب أو المشاعر المؤلمة من خلال الانفصال بين الأفكار والهوية والوعي والذاكرة. ويمكن أن يتجلى ذلك بطرق مختلفة، بما فيها:
  • فقدان الذاكرة الانفصالي: عدم القدرة على تذكر المعلومات الشخصية المهمة، وعادة ما تكون مرتبطة بالصدمة أو الإجهاد.
  • اضطراب تبدد الشخصية (Depersonalization-derealization disorder): الشعور بعدم الواقعية أو الانفصال عن المحيط، ما يجعل الشخص يرى العالم وكأنه غير حقيقي.
  1. الصدمة النفسية: يمكن لبعض الصدمات النفسية التي تنطوي على تجارب وأحاسيس قوية بالعجز أو الخوف، مثل الاعتداء الجنسي أو الكوارث الطبيعية أو الحوادث الخطيرة كما في السرقات أو إطلاق النار، أن تسبب الإصابة بالشلل النفسي، باعتباره آلية للتكيف مع هذه الأحداث المسيئة، فإذا كان التهديد شديداً للغاية بحيث لا يمكن التعامل معه، فقد يدخل الجسم في استجابة "تجميد" باعتبارها وسيلة دفاع أخيرة.
  2. الإجهاد: تخيل أنك تواجه موعداً نهائياً ضيقاً في العمل، ويصبح الضغط شديداً لدرجة أنك تجد نفسك غير قادر على بدء المهمة. تشعر بالشلل، وتحدق في شاشة الكمبيوتر دون أن تعرف من أين تبدأ، أو ربما تصيبك الحالة نفسها عند اقترب موعد الاختبارات الأكاديمية، إذ تعاني الخوف والقلق من الفشل أو عدم تلبية التوقعات، لدرجة أنك تكافح للتركيز على دراستك أو الأداء الجيد في الامتحان. يمكن لمثل هذا النوع من الإجهاد ان يسبب اضطراباً نفسياً، يدركه دماغك على أنه تهديد ويتحول الدماغ من "القتال أو الهروب" إلى "التجمد".

اقرأ أيضاً: هل تؤدي الصدمات النفسية إلى فقدان الذاكرة؟

علاج الشلل النفسي: واجه مشاعرك

عندما يكون المصاب بالشلل النفسي مستعداً لمواجهة حقيقة مشاعره والحديث عن التجارب التي خاضها، فإن استخدام استراتيجيات العلاج النفسي يمكن أن يساعد على عملية التعافي، مثل:

التنفس العميق

التنفس العميق من البطن، أو التنفس الحجابي، ينشط الجهاز العصبي السمبتاوي، الذي يعزز الاسترخاء ويقلل التوتر. تساعد هذه الممارسة على مواجهة استجابة "التجميد" من خلال إحداث حالة من الهدوء والتوازن في الجسم، أي تساعد تمارين التنفس العميق على إدارة التوتر والقلق الذي قد يكون السبب في الشلل النفسي. عموماً، تتضمن تمارين التنفس البطني العميق:

  • الاستنشاق مدة 4 ثوانٍ.
  • حبس الأنفاس مدة 4 ثوانٍ.
  • الزفير مدة 4 ثوانٍ.
  • حبس الأنفاس مدة 4 ثوانٍ.

اقرأ أيضاً: كيف تساعد تمارين التنفس على الاسترخاء وتخفيف التوتر؟

تمارين التأريض

تمارين التأريض هي تقنيات تساعد على تحويل التركيز بعيداً عن الأفكار أو الذكريات المؤلمة نحو اللحظة الحالية، ما يمنع من الوقوع في حلقة مفرغة من التفكير السلبي. إحدى هذه التقنيات ما يُعرف بطريقة (5-4-3-2-1)، وتتضمن تسمية:

  • 5 أشياء يمكن رؤيتها.
  • 4 أشياء يمكن الشعور بها.
  • 3 أشياء يمكن سماعها.
  • شيئين يمكن شمّهما.
  • شيء واحد يمكن تذوّقه.

التحفيز الثنائي

التحفيز الثنائي تقنية تستخدم غالباً في علاجات مثل إزالة حساسية حركة العين وإعادة المعالجة (EMDR) للمساعدة على علاج الشلل النفسي وغيره من الحالات المرتبطة بالصدمات. يتضمن التحفيز الثنائي أنشطة تشرك نصفي الدماغ الأيسر والأيمن في نمط إيقاعي متناوب، ما قد يساعد على تجاوز الذكريات المؤلمة أو المشاعر الشديدة، ويقلل تأثيرها العاطفي. على سبيل المثال، يمكن ممارسة النقر باليد أو النغمات السمعية التي تتناوب بين الجانبين الأيسر والأيمن.

اليقظة الذهنية

يمكن أن تكون ممارسات اليقظة الذهنية فعالة في علاج الشلل النفسي من خلال المساعدة على جلب الوعي إلى اللحظة الحالية وتقليل قبضة مشاعر الصدمة، لكن من المهم ممارستها في أوقات الراحة، بحيث يصبح الجسم أكثر استعداداً لمقاومة هذه المشاعر لاحقاً في لحظات التوتر حيث تكون مستويات هرمون الأدرينالين أو الكورتيزول في أعلى درجاتها. ومن أهم أنشطة اليقظة الذهنية:

  • التنفس.
  • البستنة.
  • التأمل.

الحركة الجسدية

وفقاً لطبيب النفس بيتر ليفين (Peter Levine)، يمكن أن تساعد الحركة الجسدية، مثل الرقص والاهتزاز واليوغا، على التأثير في تغيير استجابة الجهاز العصبي المركزي ومن ثم وقف الشلل النفسي.

المحتوى محمي