ملخص: يختلف الأمهات والآباء في طرائق تربية الأبناء، ولا يوجد معيار واحد صحيح للتربية الإيجابية؛ لكنّ هناك الكثير من المعايير الخاطئة مثل التحكم في الأبناء ومحاولة السيطرة عليهم. وفي هذا المقال، سوف نتعرف معاً إلى طرائق العيش مع والدين مستبدين.
محتويات المقال
الأمومة والأبوة ليستا بالأمر السهل؛ حيث يلعب الوالدان دوراً كبيراً في حياة أولادهم، وعادة ما يضعون احتياجات هؤلاء الأولاد ورغباتهم على رأس أولوياتهم، كما يحاولون أن يكونوا ضوءاً مرشداً لهم من أجل أن يكونوا أكثر وعياً ومعرفة، وأقدر على مواجهة التحديات التي قد تواجههم في الحياة.
وعلى الرغم من أن إرشاد الأولاد يُعد أمراً رائعاً، فإن التحكم فيهم ودفعهم إلى التصرف واتخاذ القرارات تماماً كما يريدها الآباء ليس بالأمر الجيد؛ إذ إنه يؤدي إلى ظهور صعوبات لا تنتهي مع الأولاد ويمكن أن تمتد لسنوات طويلة، ونستعرض في هذا المقال كيفية العيش مع والدين مستبدين.
ما هو أسلوب الاستبداد في التربية؟
ثمة أساليب مختلفة لتربية الأطفال ومن بينها أسلوب الاستبداد؛ حيث يمارس أحد الوالدين أو كلاهما أقصى درجات السيطرة على الأولاد، وذلك في كل جانب من جوانب حيواتهم؛ ما يصعّب على أولادهم اتخاذ القرارات في أثناء نموهم.
وبموجب هذا الأسلوب، يحاول الوالدان تشكيل أبنائهم بالطريقة التي يعتقدان أنها صحيحة، وتجدر الإشارة إلى أن الوالدين المستبدين لا يثقون أبداً في اختيارات أولادهم، ولا يمنحونهم أي فرصة لإثبات أنفسهم؛ حيث يركزان على الانضباط والصرامة والتشدد بشأن الالتزام بالقواعد والمعايير.
ما أنواع سيطرة الوالدين المستبدين على الأبناء؟
يمكن أن تكون الرقابة الأبوية أمراً جيداً؛ ولكن إذا ما نُفّذَت باعتدال. أما السيطرة والتحكم في الأبناء فإنهما يُلحقان بهم الضرر، وعادةً ما يسيطر الوالدان على أبنائهم بالطرائق التالية:
- السيطرة السلوكية: تشير السيطرة السلوكية إلى الإشراف على سلوك الأبناء وإدارته؛ حيث يقوم الوالدان المستبدان بتنظيم سلوكيات أولادهم، ويراقبون أماكن وجودهم، ويشرفون على حيواتهم الاجتماعية. وتهدف السيطرة السلوكية إلى التحكم في الأبناء وتنظيم سلوكياتهم لتتوافق مع الأعراف الأسرية أو الاجتماعية السائدة.
- السيطرة النفسية: ويُقصد بها التدخل في النمو العاطفي والنفسي للأطفال، وعدم استجابة الآباء المسيطرين لاحتياجات أطفالهم العاطفية والنفسية، هذا بالإضافة إلى التلاعب بمشاعر هؤلاء الأبناء باستخدام الشعور بالذنب والعار وإظهار خيبة الأمل والاعتماد على الحب المشروط والابتزاز العاطفي.
لماذا قد يصبح الوالدان مستبدين؟
في الكثير من الأحيان، يكون الوالدان المستبدان مدفوعين بالخوف؛ الخوف من الوقوع في المشكلات، ومن ارتكاب الأخطاء، ومن تعرض أبنائهم للأذى، وكذلك من ابتعاد أبنائهم عنهم في الكبر. وللتحكم في مخاوفهم الكثيرة، يلجؤون إلى السيطرة على سلوكيات أبنائهم ليشعروا بالأمان. ومن الممكن أن يصبح أحد الوالدين مستبداً استجابة للتجارب السلبية السابقة التي مر بها من قبل؛ وفي المقابل يمارس آباء آخرون السيطرة اعتقاداً منهم بأن ذلك سوف يؤدي في النهاية إلى نتيجة إيجابية، وتشمل الأسباب الأخرى التي قد تجعل الآباء مستبدين:
- الاعتقاد بأنه تنبغي لهم تربية طفل مثالي.
- الرغبة في أن يتمكن أطفالهم من تحقيق أحلامهم التي لم يتمكنوا من تحقيقها.
- مقارنة أبنائهم بالآخرين.
- عدم الرغبة في ارتكاب أبنائهم أي أخطاء في الحياة.
اقرأ أيضاً: لماذا يصبح الوالدين نرجسيين؟ وما سبل التعامل معهما؟
6 علامات تخبرك إن الوالدين يستبدان في التعامل مع الأبناء
يمارس الوالدان المستبدان أسلوبهما الصارم في التربية بطرائق مختلفة؛ ما قد يؤدي إلى ظهور العلامات التالية:
- التدخل في جوانب حياة الأبناء كلها: إحدى العلامات الواضحة للوالدين المستبدين هي التدخل في أنشطة الأبناء جميعها؛ مثل الأنشطة الاجتماعية والمشروعات المدرسية والمواد التي ستُدرَس. ووفقاً لما ذكرته مختصة الزواج والأسرة وينا وايز (Weena Wise)؛ فإن التحكم في الأبناء يبدأ في سن صغيرة للغاية من مرحلة ما قبل المدرسة ويمتد إلى الجامعة، وتضيف أستاذة علم النفس السريري شيفالي تساباري (Shefali Tsabary) إن الوالدين المستبدين يسعيان إلى التأثير في الأبناء وأن يكونوا جزءاً من قراراتهم جميعها.
- وضع معايير غير واقعية وسيناريوهات محكوم عليها بالفشل: يضع الوالدان المستبدان معاييرَ غير عقلانية أو غير صحية أو ببساطة لا يمكن تحقيقها، ويتوقعون من الأبناء تلبية هذه المعايير وإلا سوف يتعرضون للعقاب الشديد. على سبيل المثال؛ يخبرك والدك أن تفعل شيئاً ما لكنه لا يشرح لك أبداً كيفية القيام بذلك، ثم يغضب إذا لم تتمكن من القيام بالأمر على نحو صحيح أو فوري، وقد تطلب منك والدتك أن تذهب إلى البقالة في أثناء انهمار المطر ثم تغضب بشدة لأنك عدت مبتلاً بالماء!
- الافتقار إلى التعاطف والاحترام والدفء: في البيئات التحكمية والاستبدادية، وبدلاً من قبول الأبناء بوصفهم بشراً مُساوون، يُنظر إليهم على أنهم تابعون؛ وفي المقابل يُنظر إلى الوالدين على أنهم رؤساء، ولا يُسمح للأبناء أبداً بالتشكيك في هذه الديناميكية أو تحدي سلطة الوالدين، وعادة ما تفتقر هذه الديناميكية الهرمية إلى التعاطف والاحترام والدفء والعناية بالأبناء.
- الحب المشروط: يحب الوالدان المستبدان أبناءَهما في حالة واحدة فقط وهي تلبية توقعاتهما المرتفعة؛ أما إذا فشل الأبناء في تلبية تلك التوقعات فإن الوالدين يحجبان تلك المحبة. على سبيل المثال؛ إذا قام أحد الوالدين بمعانقة طفله أو مدحه فقط عندما يحصل على درجات جيدة، فهذا شكل من أشكال الحب المشروط وعلامة على سيطرة الوالدين.
- عدم تقدير شخصية الأبناء: نظراً لأن الوالدين المستبدين لا ينظران إلى طفلهما بوصفه كياناً فردياً منفصلاً، فإنهما في كثير من الأحيان يقومان بتربية الطفل ليكون اعتمادياً، وتؤثر هذه المعاملة سلبياً في شعور الطفل باحترام الذات والكفاءة والفردية.
- انتقادات اختيارات الأبناء وقراراتهم: يتحدث الوالدان المستبدان بأسلوب سلبيّ مع أبنائهما، وينتقدان اختياراتهم جميعها، ويغرسان الشك في قراراتهم، وقد يصل الأمر إلى أبسط القرارات مثل الطعام والملابس والهوايات، وفي نهاية المطاف، يضعف احترام الأبناء لأنفسهم وتقديرهم لذواتهم على المدى الطويل.
اقرأ أيضاً: ما الذي يفعله الضغط النفسي للأهل في شخصيات أطفالهم؟
كيف يؤثر الوالدان المستبدان في نفسية أبنائهم؟
يمكن أن يؤدي أسلوب الوالدين الصارم والمسيطر إلى إلحاق ضرر كبير بالأبناء، ويمكن أن تستمر تأثيرات ذلك الضرر لفترة طويلة، وغالباً ما تتجسد في معاناة الأبناء الآثارَ التالية:
- القلق والاكتئاب.
- التردد وصعوبة اتخاذ القرارات.
- الحساسية المفرطة لآراء الآخرين.
- تدني احترام الذات وتقديرها.
- الافتقار إلى التفكير الإبداعي.
- فقدان الثقة بالنفس.
- الخوف من خوض التحديات.
- الحاجة إلى وجود شخص يرشدهم طوال الوقت.
- عدم القدرة على تحمل المسؤولية.
- الرغبة المفرطة في إرضاء الآخرين.
- السعي الدائم إلى الكمال.
- الشعور بعدم الأمان.
وفي هذا السياق، يؤكد أستاذ علم النفس يوسف السلمي إن شعور الأبناء بعدم الأمان يأتي من الحب المشروط، وعلى المدى البعيد، سوف يقوم هؤلاء الأبناء بمحاولة إرضاء جميع من حولهم وتجاهل رغباتهم الخاصة، كما سيحاولون البحث عن مصادر أخرى تجعلهم يشعرون بالحب والتقبل والأمان؛ ما سيؤدي إلى انخراط بعضهم في علاقات غير صحية ومن ثَمّ الشعور بالغربة والوحدة.
6 إرشادات للتعامل مع الوالدين المستبدين
يمكن أن يؤثر استبداد والديك في قدراتك كما يمكن أيضاً أن يعوق تطورك العاطفي والنفسي، وإليك إرشادات التعامل مع الوالدين المستبدين حتى تحرر نفسك من سيطرتهما:
- اعترف بالمشكلة: إن التعامل مع الوالدين المستبدين أمر صعب للغاية، ففي النهاية، إنهما من أُسرتك وقد قاما بتربيتك؛ ولهذا من الطبيعي أن تشعر بالذنب بسبب غضبك منهما. ولكن الخطوة الأولى لحل هذه المشكلة هي الاعتراف بالمشكلة وتنمية الوعي، وذلك عبر التفرقة الواضحة بين توقعات الوالدين الصحية والتوقعات المسيطرة.
- ضع حدوداً صحية: إن أفضل طريقة للتعامل مع الوالدين المستبدين هو وضع حدود قوية وثابتة. وفي هذا السياق، توضح الطبيبة النفسية كارا غاردنسوارتز (Cara Gardenswartz) إن مفتاح وجود الآباء المستبدين هو اللطف الزائد معهم؛ ولهذا تنصح غاردنسوارتز بضرورة الحزم مع الوالدين المستبدين.
- اطلب الدعم من الأصدقاء: قد يكون التواصل مع الآخرين الذين تعاملوا مع تحديات مماثلة أمراً مطمئناً، وقد يساعد على تخفيف مشاعر العزلة، ناهيك بأن وجود نظام دعم قوي من الأشخاص الذين يمكنك الوثوق بهم قد يساعدك أيضاً على الالتزام بحدودك الصحية التي وضعتها من قبل.
- احصل على قسطٍ من الراحة: إحدى استراتيجيات التكيف المفيدة هي أخذ قسطٍ من الراحة؛ وذلك بطرائق مختلفة مثل الذهاب في نزهة أو تقييد الزيارات والمكالمات الهاتفية؛ إذ يمكن أن توفر لك هذه الاستراتيجية ملاذاً آمناً لمعالجة مشاعرك وأفكارك بعيداً عن والديك، وتسمح لك بالتفكير في تطلعاتك وحدودك.
- اختر معاركك بدقة: العيش مع والدين مستبدين ليس أمراً صعباً فحسب ولكنه مرهق أيضاً على الصعيد النفسي؛ ولهذا إذا كنت تعيش معهما بصفة دائمة فلا تدخل معهما في معارك طوال الوقت، ولا تتشاجر معهم على كل كبيرة وصغيرة. اترك بعض التحكم يحدث واعلم جيداً أن هذا لا يعني موافقتك؛ بل قد يكون وسيلة من أجل الحفاظ على الذات.
- لا تخبر والديك بكل شيء: لا تخبر والديك بتفاصيل حياتك، وذلك حتى تتجنب النصائح غير المرغوب فيها وانتقاد القرارات وردود الفعل السلبية والتوبيخ بسبب الاختيارات.
في النهاية، قد يكون من الصعب الاعتراف بأننا نواجه أوقاتاً صعبة وتحديات بسبب أهلنا، ومع ذلك، ليس علينا أن نواجه تلك الصعاب بمفردنا أو نتعامل معها بصمت. إن طلب المساعدة عملٌ شجاع؛ ولذلك يجب علينا الحصول على الدعم سواء من أحد أفراد الأسرة المقربين أو من الأصدقاء، وإذا زادت حدة الأمر يمكننا طلب المساعدة من الطبيب النفسي المتخصص.