يُثير الرفض عموماً، سواء في العمل أو الأوساط الاجتماعية كالصداقات، ألماً وإحساساً بالهزيمة.
أن نُرفض من طرف شخص نحبّه هو إحساس أكثر إيلاماً، نظراً لأنه يُسبّب جرحاً عميقاً في النفس. ويأتي الجانب المُرعب في كل هذا حين نكون جاهلين تماماً بكيفيّة التعامل الصحيح مع الرفض، فنؤذي أنفسنا ونؤذي الطرف الآخر الرافض فقط لأنّه مارس حقّه المشروع في إبداء الرفض لإمكانية وجود أي علاقة عاطفية بيننا.
إذاً كيف يكون الإحساس الذي تنطبق عليه مقولة "ومن الحب ما قتل"؛ ذاك الذي قد يؤدّي إلى ارتكاب جريمة بحق إنسان؟ وهل هناك طريقة صحية للتعامل مع الرفض العاطفي وتجاوز مشاعر الألم بنضج ووعي عالٍ؟
كيف نختبر الرفض شعورياً؟
يقول خبير السلوك والعلاقات "باتريك وانيس"(Patrick Wanis): "الترابط والوحدة من أساس تكويننا البشري. يؤدي الرفض إلى فقدان التواصل، وبدلاً من ذلك يخلق إحساساً بالعزلة أو الانقطاع أو الانفصال أو غير المرغوب فيه أو غير المحبوب أو الدوني ".
يسبّب الإحساس الناتج عن الرفض العاطفي ألماً أشبه بالألم الجسدي، لأن المنطقة التي تُعالج كلا النوعين من الألم في الدماغ هي نفسها، هذا ما يُوضّحه "باتريك وانيس". لأن أجسامنا تتفاعل مع الرفض الاجتماعي بنفس الطريقة التي تتفاعل بها مع الألم الجسدي؛ كالصداع على سبيل المثال. وبناءً على ذلك؛ قد يختبر الشخص المرفوض عاطفياً أعراضاً جسدية فعلية إضافة إلى الأعراض العاطفية.
وأكثر ما يُتعب أي شخص صُدِم نفسياً وعاطفياً بسبب الرفض هو الدخول في دوامة البحث عن جواب مقنع لسؤال مُلحّ هو: "لماذا رُفضت؟". يوجد تفسير لذلك عند عالم النفس ومؤلف كتاب "الإسعافات الأولية العاطفية"(Emotional First Aid)؛ "غاي ونش" (Guy Winch)؛ حيث يخبرنا أن أول ردّ فعل طبيعي يتكوّن لدينا بسبب الرفض العاطفي هو الميل إلى فعل عكس ما هو صالح لنا، فنحاول بإصرار معرفة سبب الرفض بطريقة سلبية تتمثّل في التفتيش عن عيوبنا وسرد أوجه قصورنا.
كيف نتجاوز ألم الرفض العاطفي دون التسبّب بالأذى لأنفسنا أو الآخر؟
لن نخبرك أن تجاوز الرفض في العلاقات العاطفية أمر هيّن؛ بل هو بالفعل صعب جداً. تجاربنا الإنسانية الشخصية وتجارب الأشخاص من حولنا تثبت ذلك، كما أن علماء النفس والمختصين يؤكدون أيضاً على مدى قسوة هذه التجربة من خلال دراساتهم وتحاليلهم للسلوكات البشرية الاجتماعية.
يتشابه الرفض العاطفي مع موت شخص مقرّب، لذلك يقترح بعض المتخصصين في الصحة العقلية أن يعيش الشخص المرفوض الحداد بمراحله الخمس المعروفة وهي الصدمة والإنكار، والغضب والاكتئاب والتقبل.
للمزيد من المعلومات؛ اقرأ أيضاً: ما مراحل الحداد الخمس؟ وكيف تساعد المفجوع على تجاوزها؟
وحتّى لا يتحوّل ألمنا إلى أداة قاتلة تُدمّرنا وتدمّر الطرف الآخر؛ يتوجّب علينا تعلّم طرق التعامل الصحي والواعي مع الرفض العاطفي:
1. لا تأخذ الرفض العاطفي على محمل شخصي
حين تُرفض من طرف من تُحب لأنه لا يرغب في إكمال العلاقة أو لا يبادلك نفس المشاعر في الأساس، عليك أن تدرك أن الرفض نفسه ليس رفضاً لشخصك، فقد تعزّز الحساسية المفرطة تجاه الرفض شعور الألم. لتجاوز هذه الحساسية ينبغي أن تدرك أن الرفض طبيعي وممكن حدوثه للجميع، فلا حاجة لأن تأخذ الرفض العاطفي على محمل شخصي. يمكن أن تكون مثالياً في عينيّ أحدهم وأقل مثالية في نظر آخر.
2. تجنّب التنبؤ بخصوص علاقاتك المستقبلية
يميل الشخص المرفوض إلى اجتذاب المزيد من تجارب الرفض العاطفي لحياته دون قصد، لأنه يظّل يُفكّر بأنه ليس محظوظاً في الحب، فيصبح هذا التصور الذاتي بمثابة التوقعات المنتظرة لما سيحدث له في علاقاته العاطفية مستقبلاً. ينصحك المختصون بالابتعاد عن هذه النوعية من التنبؤات المتشائمة، فالناس والظروف في تغيّر دائم.
3. راقب حوارك الداخلي
يُعتبر جلد الذات وتوبيخها سلوكاً نموذجياً عند أي شخص تعرّض للرفض. من المفيد طبعاً مراجعة النفس عن طريق التركيز على الدروس التي تعلمتها من التجربة وليس من خلال الأحاديث السلبية الداخلية، لأن ذلك يقوّض نموك الشخصي.
4. اغفر بحق لنفسك وللطرف الآخر
لابد أن تمضي قدماً في الحياة. وحتى تتمكّن بالقيام بذلك عليك أن تدرك أن جميعنا نخطئ بشكلٍ لا يترك لنا هامشاً لأن نكون مثاليين. الغفران والمسامحة لنفسك وللآخر على نحو صادق كفيلان بجعلك تتعلّم من الماضي وتعيش حاضرك وتخطط لمستقبلٍ يمنحك فرصاً أفضل.
لماذا يتعامل البعض مع الرفض في العلاقات العاطفية بشكل دراميّ أكثر من الآخرين؟
قد يكون أسوأ سيناريو يمكن أن يحصل بعد أن يُرفض أحدهم عاطفياً هو أن يقوم بالتهديد والوعيد؛ بل ويذهب إلى أبعد من ذلك حين يقوم بالفعل بتنفيذ خطة انتقامية شريرة. ما يعني أن ظهور هذا الجانب المظلم من الشخصية فعّل لدى هذا الشخص ما يسمّى بـ "آلية التدمير الذاتي" (Self-Sabotage)، وهي دليل على وجود صدمات نفسية أو عاطفية سابقة قد يكون لها ارتباط وثيق بصدمات الطفولة أو أحداث تخص علاقات عاطفية سابقة؛ كأن يكون الرفض العاطفي تكرّر أكثر من مرّة مع عدّة أشخاص.
5 أسباب رئيسة وراء التدمير الذاتي في العلاقات العاطفية
حدّد المشاركون في دراسة حديثة نُشرت في يوليو/تموز سنة 2020 في مجلة العلاج الزوجي والعلاقات (Journal of Couple & Relationship Therapy) من طرف "راكيل بيل" (Raquel Peel) و"نيرينا كالتابيانو" (Nerina Caltabiano) من كلية علم النفس بجامعة "كوينز لاند" (Queensland) في أستراليا، خمسة أسباب للتدمير الذاتي في العلاقات العاطفية:
- الخوف من التعرض للأذى العاطفي، أو الرفض أو التخلي. وكذلك الخوف من الالتزام والخيانة والألفة والفشل والوحدة.
- تدني مستوى احترام الذات كالشعور بالدونية.
- صعوبة الثقة في الآخرين التي عادة ما قد تكون ناجمة عن فشل علاقة سابقة.
- التوقعات العالية المرتبطة بالسعي إلى المثالية الذي يكون مصحوباً بتخيّلات غير واقعية مثل القصص الخيالية.
- عدم التكافؤ في المهارات الشخصية؛ كضعف الخبرة والنضج.
كما أظهرت الدراسة أيضاً أن أغلب أفعال التدمير الذاتي في العلاقات العاطفية تهدف إلى تبرير الفشل من خلال مجموعة من السلوكيات مثل الشرب أو تعاطي المخدرات أو إيذاء النفس أو مهاجمة الطرف الآخر.
استخدمت الدراسة بيانات 696 شخصاً من كلا الجنسين، تطوعوا للمشاركة عن طريق استطلاع عبر الإنترنت، وهم يمثلون ما لا يقلّ عن 50 دولة، عاشوا تجارب عاطفية سابقة ومعظمهم من الطلاب ومتوسط عمرهم هو 31 عاماً.
وفقاً لنتائج وتحليلات الدراسات التي اطلعنا عليها؛ يبدو أن ردّ الفعل المتطرّف على الرفض العاطفي له علاقة بالصورة الذاتية للشخص، فقد يراه البعض جرحاً لكبريائه وإهانة للكرامة.
مهما كان شكل التصوّرات التي تُحيط بالرفض في العلاقات العاطفية، من المهم جداً أن نعي كيفية التعامل الصحي والناضج مع الألم المصاحب لذلك، قبل أن نلجأ لارتكاب جريمة في حق إنسان بريء أو نقوم بتصرّفات خرقاء نؤذي بها أنفسنا.