كيف تتخلّص من الحساسية من الضوضاء؟

3 دقائق
الحساسية للضوضاء
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)

ملخص: يمثل الهدوء كنزاً لا يقدَّر بثمن بالنسبة إلى أولئك الذين يعانون حساسية مفرطة للضوضاء إذ يمكن أن يثير أدنى صوت انزعاجهم؛ ولكن الهدوء في هذا العالم الذي نعيش فيه صار عملةً نادرة، فما الحل؟ نتعرف في المقال التالي إلى أسباب الحساسية المفرطة للضوضاء وسبل التعامل معها.

ما أسباب الحساسية للضوضاء؟

تنطلق أبواق السيارات في الشارع، ويرفع ذلك الجار مستوى الجهير في مكبرات الصوت أكثر من اللازم، ولا يتوقف كلب الجار الآخر عن النباح! يثير ذلك كله غضب جمانة ذات الـ 41 عاماً وهي مساعدة طبيب أسنان، وعن ذلك تقول: "أشعر فجأة بالانزعاج، وتجتاح هذه الضوضاء ذهني كما لو أنني لم أعد أسمع شيئاً غيرها".

فرط الحساسية للأصوات

تقول المختصة النفسية والعصبية بياتريس ميليتر (Béatrice Millêtre): "يتفاوت البشر في حدة البصر وينطبق الأمر ذاته فيما يخص القدرة على السمع". في حين أن البعض يمكن أن يسمع صوت آلة حفر الصخور دون أن يهتز له جفن، فإن البعض الآخر قد ينزعج جداً لمجرد سماع صرير إطار سيارة مثلاً. ويوضح اختصاصي طب الأنف والأذن والحنجرة والمتحدث باسم جمعية الأنف والأذن والحنجرة الفرنسية (French ENT Society)، جان-مارك جوفانون (Jean-Marc Juvanon): "هذا ما نسميه احتداد السمع". في هذه الحالة، يمتاز الشخص بحاسة سمع أقوى من المعتاد إذ تعمل الأذن الداخلية لديه بكفاءة أكبر مقارنة بالآخرين. إذاً هل يمكن القول إن هذه الحساسية المفرطة هي ميزة كما كانت الحال بالنسبة إلى بطلة المسلسل الأميركي "جايمي الخارقة" (Super Jaimie)؟ يقول المختص: "ليس الأمر بهذه البساطة؛ إذ يمكن أن يعاني المرء ضعفاً في السمع ويستصعب تحمل أصوات معينة في الوقت ذاته، فحتى حين تصاب الأذن الداخلية لديه بتلف ويضعف سمعه، قد يثير سماع الضجيج انزعاجه".

الضجيج الذي يتعارض مع القيم الشخصية

لا يثير الضجيج في حد ذاته انزعاج المرء بل ما يمثله هذا الضجيج بالنسبة إليه، فالموسيقا التي يستمع إليها جارك الذي يعاني الأرق في الثالثة صباحاً محببة له، في حين أنها أقرب إلى التعذيب بالنسبة إليك إذا كنت تحاول النوم. تقول بياتريس ميليتر: "نحن نشعر بالانزعاج من الضجيج الذي يتعارض مع قيمنا الخاصة". على سبيل المثال؛ لن يشجع الرجل الكبير في السن حفيده الذي يهوى تسجيل الموسيقا الصاخبة، وكذلك سينزعج من لا يحب الحيوانات من نباح كلب أحد الأصدقاء. وترى المعالجة النفسية أن هذا اتجاه طبيعي في عصرنا الحالي إذ يولي مجتمعنا أهمية كبيرة للفردانية، فبات كل شخص يعتقد أن العالم من حوله يجب أن يكون وفق تصوره الشخصي.

الأصوات التي ترتبط بأحداث مؤلمة سابقة

قد تثير أصوات معنية ومحدودة للغاية مثل صوت مضغ الطعام وصفارات الإنذار وغيرها، الحساسية المفرطة للضوضاء؛ إذ يمكن أن ترتبط هذه الأصوات بمواقف مؤلمة سابقة. ويقول جان-مارك جوفانون: "من الشائع أن يقفز الأشخاص الذين كانوا ضحايا هجمات إرهابية سابقة من مكانهم فور سماع أي ضوضاء حادة". لكن لا يرتبط عدم القدرة على تحمل هذه الأصوات بالضرورة بأحداث من الماضي، ويقول كلود ليروي: "قد يرتبط الأمر بالصعوبات النفسية التي يعانيها المرء في الوقت الحالي. على سبيل المثال؛ إن انزعاج شخص ما من الحفلة التي يقيمها جاره في منزله قد لا يكون بسبب صخبها فعلاً بل لأنها تذكره بحالة الوحدة التي يعيشها، فبالإضافة إلى الإزعاج الذي تسببه هذه الضوضاء، يمكن اعتبارها تجليات للاوعي تدفع المرء إلى التفكير في ذاته والحاجات التي يفتقر إليها".

كيف يمكنني التعامل مع الحساسية للضوضاء؟

1. أجرِ فحصاً للسمع

يحذر اختصاصي طب الأنف والأذن والحنجرة، جان مارك جوفانون من أن فرط الحساسية للضوضاء يمكن أن يكون علامة على الصمم المبكر، ولذلك فهو ينصح بإجراء فحص للسمع ويحذر الطبيب من بعض العوامل التي قد تؤدي إلى ضرر غير عكوس في الأذن الداخلية؛ مثل الاستماع إلى الموسيقا الصاخبة جداً، أو العمل في مهنة تُعرِّض صاحبها إلى الضوضاء على نحو مستمر، ويذكّر أن الوقاية خير من العلاج.

2. حدد الأصوات التي تثير انزعاجك

يقترح الطبيب النفسي كلود ليروي عليك الانخراط في تأمل للنفس ومحاولة تحديد الأصوات التي تزعجك في الحياة اليومية، وإذا لم يكن لحساسيتك المفرطة من الضوضاء سبب طبي وكانت تتسبب في تعطيل حياتك اليومية، فإن الملاحظات التي ستحصل عليها في أثناء هذا التأمل يمكن أن تكون بمثابة أساس لبدء العلاج.

3. أجرٍ تعديلات على بيئتك

تقول المختصة النفسية والعصبية بياتريس ميليتر: "يمكنك التغلب على الانزعاج الذي تسببه لك الضوضاء من خلال محاولة ابتكار بيئة صوتية تلائمك". ومثال ذلك تخصيص قائمة بأغانيك المفضلة والاستماع إليها بدرجة صوت معقولة أو الاستماع إلى موسيقى تساعدك على الاسترخاء؛ كما يمكنك الحصول على جو صمت مثالي بتركيب زجاج مزدوج للنوافذ أو استخدام سدادات الأذن مثلاً، وبذلك يمكنك تعديل بيئتك لتلائم حالتك المزاجية ومشاعرك الحالية.

الحل الذي ابتكرته سلمى للتكيف مع الضوضاء

تقول سلمى ذات الـ 52 عاماً وهي تعمل ببيع الألبسة الجاهزة: "لطالما حلمت بالعيش في بيئة صامتة كقاع البحر، ولأن ذلك صعب المنال فقد قررت أن أتكيف مع الضجيج من حولي بطريقتي، فبمجرد أن يهاجمني ضجيج مزعج كصوت عميل مرتفع أو صوت المثقب عندما يود زوجي إصلاح شيء في المنزل فإنني أشغِّل في ذهني الألحان التي أحبها. لقد استغرق الأمر مني بضع أشهر للوصول إلى مستوى تركيز مرضٍ، وأنا الآن ألجأ إلى مخبئي هذا بسرور".

المحتوى محمي