ملخص: دَورويّة المزاج أو اضطراب المزاج الدوري هو أحد اضطرابات المزاج النادرة الذي يسبب تناوباً بين التقلبات العاطفية كالضحك والبكاء أوالهدوء والغضب دون سابق إنذار. يقول الطبيب النفسي كريستيان غي: "المزاج في حد ذاته هو حالة عاطفية تتفاوت بين السعادة البالغة والحزن الشديد وتتقلب وفقاً للبيئة المحيطة بنا"، ومع ذلك فإن مزاج البعض أكثر تقلباً مقارنة بغيره، حتى أنه يواجه هذه التقلبات مرات عدة في اليوم، فما الأسباب وراء ذلك؟
دَورويّة المزاج أو اضطراب المزاج الدوري هو أحد اضطرابات المزاج النادرة الذي يسبب تناوباً بين التقلبات العاطفية المختلفة كالضحك والبكاء أوالهدوء والغضب دون سابق إنذار، فما أسباب هذا الاضطراب؟ وكيف يمكن التعامل معه؟ نتعرف إلى ذلك من خلال السطور التالية.
ما أسباب اضطراب المزاج الدوري؟
كتب فولتير في عام 1772 في قصيدته "جان الضاحك الباكي" (Jean qui pleure et qui rit): "يجب أن نعترف بأن هذه هي الحياة البشرية، فداخل كل إنسان يقبع عفريت صغير يأخذه فجأة في نزهة من الحزن إلى السعادة". من الطبيعي جداً أن نشعر بالبهجة عند تلقّي الأخبار السارّة أوالحزن عند التعرض إلى الإخفاق أو وفاة عزيز أو أي حدث مؤلم آخر.
يقول الطبيب النفسي والمؤلف المشارك مع جان آلان جينرمو (Jean-Alain Génermont) لكتاب "العيش مع التقلبات" (Vivre avec des hauts et des bas)، كريستيان غي (Christian Gay): "المزاج في حد ذاته هو حالة عاطفية تتفاوت بين السعادة البالغة والحزن الشديد وتتقلب وفقاً للبيئة المحيطة بنا". ومع ذلك فإن مزاج البعض أكثر تقلباً مقارنة بغيره، حتى أنه يواجه هذه التقلبات مرات عدة في اليوم، وهذه هي حال سوسن ذات الـ 34 عاماً التي تقول: "في بعض الأحيان أستيقظ من النوم في حالة مزاجية جيدة والسعادة تغمرني، ثم تسيطر عليّ حالة من الكآبة أو الغضب بمجرد تلقي أدنى ملاحظة من زبون ما، وسرعان ما أبتسم مجدداً بعد بضع دقائق".
العجز أمام إحباطات الواقع
يسمى تقلب المزاج الطفيف والمتكرر ولفترات وجيزة باضطراب المزاج الدوري، ويقول كريستيان غي: "يتسم عدم الاستقرار هذا عموماً بتغيرات في السلوك أو المشاعر؛ مثل سرعة الانفعال والتهيج والكلام بعصبية والتشاؤم المفرط ثم يتحول المزاج إلى النقيض تماماً خلال اليوم ذاته أو الأيام القليلة التالية". يجد المصاب باضطراب المزاج الدوري صعوبة بالغة في التحكم في نفسه وتظهر أعراضه عليه غالباً عند التعرض لأدنى ضيق، فالازدحام المروري أو التأخر عن موعد ما أو توقف المترو أو تعطل الغسالة كفيل بإثارة غضبه.
وتكشف الحساسية وشدة العصبية هذه عن حالة من العجز في مواجهة أحداث الحياة اليومية وعدم تحمل الإحباطات الناجمة عنها، ويوضح مختص علم النفس الإكلينيكي جيليريك لينينجير-مولينييه (GillEric Leininger- Molinier): "يرجع ذلك إلى التربية التي تلقاها المرء في صغره إذ رسخ فيه والداه مبدأ المتعة، ولم يعلماه التعامل مع ألم الواقع".
جرح نفسي قديم
تمثل هذه التقلبات المزاجية المفاجئة قيوداً تمنع المصاب باضطراب المزاج الدوري من عيش حياته على نحو سليم، ناهيك بأنها تسبب الغم لمن حوله أيضاً، وتقول لبنى ذات الـ 48 عاماً وهي مساعدة مخبرية: "لا أفهم سبب شعوري بالبهجة أو الكآبة، وهذا يجعلني في حالة من الضياع، وحين يعصيني ابني أو يغضبني زوجي، فإنني لا أتمكن من التحكم في مشاعري ما يولد لدي شعوراً بالذنب". ومع ذلك، فإن الشعور بالذنب لا طائل منه لأن الحادثة التي تسبب تغير المزاج تخفي خلفها أحياناً مشكلةً أكبر. ويرى جيليريك لينينجير-مولينييه أن هذا السلوك قد يخفي جرحاً ناتجاً من صدمة نفسية؛ وهي معاناة دفنها الفرد في أعماقه لتعاود الظهور كل يوم دون وعي منه.
كيف يمكن التعامل مع اضطراب المزاج الدوري؟
1. حدد السبب الحقيقي لتقلباتك المزاجية
إذا كنت تشعر بالغضب أو الحزن الشديد فجأة فحاول أن تحدد السبب وراء ذلك، وبمجرد اكتشافه، حاول السيطرة على مشاعرك من خلال النظر إلى مصدر الضيق هذا من زاوية مختلفة، ولا تتردد في استشارة معالج نفسي إذ يمكنه مساعدتك على سبر أغوار نفسك والتعرف إليها على نحو أفضل.
2. اتبع ممارسات تساعدك على التحكم في مزاجك
ثمة الكثير من الممارسات التي تساعدك على إدراك قوتك الداخلية والتوفيق بين جسدك وعقلك ومن ثم تعلُّم كيفية التحكم في مشاعرك؛ ومن أبرزها: اليوغا وفنون الدفاع عن النفس والجمباز الصيني والجودو والكاراتيه والكابويرا والكونغ فو والتاي تشي والتشي كونغ وغيرها الكثير، وكل ما عليك هو اختيار ما يناسبك منها.
نصيحة للمحيطين
ربما يكون الشخص المصاب باضطراب المزاج الدوري صديقك أو قريبك أو حتى زوجك، وربما سئمت تقلباته المزاجية المفاجئة التي تثير توتراً مستمراً في الأجواء وتدفعك إلى الابتعاد عنه؛ لكن من الضروري ألا تزيد الأمور سوءاً فلا تغضب منه أو تصده بل حاول أن تبقي الحوار مفتوحاً معه ثم حدثه دون عدائية عن المواقف التي تأذيت فيها بسبب سلوكياته، والهدف من ذلك هو أن يدرك أنك لست مسؤولاً بأي حال من الأحوال عن مشاعر الضيق التي تنتابه، ويحاول أن يحدد الأسباب الحقيقية لسلوكه.
تقول سوزان ذات الـ 37 عاماً وهي تعمل في تنسيق الحدائق: "بدأت تقلباتي المزاجية حين كنت في الـ 17 من عمري؛ إذ كنتُ أستيقظ غاضبةً وأبتهج مجدداً على الغداء ثم يتجهم وجهي في المساء، ولم يكن بمقدور أي شيء إخراجي من حالات الغضب التي كانت تجتاحني، وكنتُ عدوانية مع من حولي وقد آذاهم مزاجي السيئ.
ظن والداي أنني أعاني أزمة مراهقة متأخرة وأنها ستزول بمرور الوقت؛ لكنني وصلت إلى سن الـ 25 وأنا على الحال ذاتها وكان زملائي وأصدقائي يرون أنني شخص لا يُحتمل. ولأنني خفتُ أن ينفض الجميع من حولي وأُرهقتُ بسبب هذه التقلبات العنيفة بين شعور ونقيضه وعدم قدرتي على التحكم في مزاجي، فقد قررت رؤية طبيب نفسي.
بدت الجلسات في البداية مؤلمة بالنسبة إليّ ثم أدركت أخيراً أن اضطراب المزاج الدوري قد بدأ لدي في الواقع بعد وقت قصير من انتحار أعز صديقاتي، وقد ساعدني اكتشاف السبب الحقيقي وراء اضطرابي على استعادة التحكم في مشاعري".