مهما بدت المبالغة في التنظيف والتنظيم والترتيب سمة شخصية محببة، يمكن أن ينقلب الإفراط في شيء إلى ضده بسهولة، أو في هذه الحالة إلى وسواس النظافة الذي قد يكون علامة على الإصابة باضطراب الوسواس القهري.
ربما من الشائع أن يستخدم الناس الوسواس القهري للإشارة إلى الأشخاص الذين يميلون إلى تمضية المزيد من الوقت، مقارنةً مع أفراد آخرين، في المحافظة على نظافة منازلهم وتنظيمها.
لكن لا يمكن اعتبار كل شخص مهتم على نحو كبير بنظافة منزله أو مكان عمله مصاباً بوسواس النظافة إلا إذا كان ذلك مرتبطاً بسلوك قهري؛ حيث ينظف الشخص باستمرار ويقلق بشأن الأوساخ والجراثيم، فتلك حالة مرهقة للغاية ويمكن أن تؤثر سلباً في حياة الأفراد.
كيف أعرف أنّي مصاب بوسواس النظافة؟
وفقاً للخبراء من لايف ستانس هيلث (LifeStance Health)؛ يمكن أن يكون بعض الأشخاص المهووسين بالتنظيف مصابين بالوسواس القهري بالفعل لكن لا يدلّ ذلك على وجود أي اضطراب نفسي عند البعض الآخر.
ويمكننا معرفة الفرق بين الحالتين من خلال تفحص الدافع وراء تلك السلوكات؛ أي إذا كانت مجرّد رغبة الفرد في الوجود ضمن مساحة نظيفة ومنظمّة، أو أن الدافع وراءها يحرّكه التفكير الوسواسي والإحساس بالاضطرار.
إضافةً إلى أن الوسواس القهري يسبّب لصاحبه أعراض الألم النفسي، بخلاف الشخص الذي يمكن أن يجد المتعة ببساطة في الحفاظ على منزله فائق النظافة، فهو لا يحتاج بذلك إلى علاج لهذا السلوك.
يُعدّ التنظيف القهري (OCD Cleaning) أحد الأنواع الفرعية لاضطراب الوسواس القهري (OCD)، ويشعر المصابون به بالحاجة الماسّة إلى النظافة تفادياً للتلوث عن طريق الأوساخ أو الجراثيم أو الملوثات البيئية والسموم الكيميائية. ويتميّز هذا الاضطراب بهذين السلوكين:
- غسل اليدين بشكل اضطراري، أو استخدام معقم اليدين بدافع الخوف من الجراثيم، وهو الدافع الأكثر شيوعاً خوفاً من تلويث أشخاص آخرين أو نقل العدوى إليهم.
- الإفراط في التنظيف كوسيلة للتخفيف من رهاب الجراثيم أو الشعور بالنجاسة، وتتقوى الرغبة في التنظيف لأن الأفكار الوسواسية لا تنتهي، وإحساس الارتياح لا يدوم أبداً.
هل يمكن أن أتجاهل وسواس النظافة؟
يساعد الحفاظ على النظافة والترتيب في التخفيف من التوتر والضغط، إضافةً إلى كونه سمة شخصية محبّبة؛ ولكن ما إن تخرج الأمور عن السيطرة فقد تتحوّل متعة التنظيف إلى اضطراب هوسي لا يمكن تجاهله ويرهقك جسدياً كما يسبّب لأفراد أسرتك الشعورَ بالاستياء جرّاء محاولاتك المستمرّة للتحكّم في كلّ ما يحيط بك.
هذا ما تؤكدّه مختصة الصحة النفسية إيلين ريان (Elaine Ryan) التي تضيف أيضاً إن حياة الأشخاص المصابين يمكن أن تنهار بسبب حاجتهم الكبيرة إلى التنظيف باستمرار. ووفقاً لإيلين، فقد أثبت العلاج المعرفي السلوكي (CBT) فعاليته في مساعدة المرضى.
هل يمكن الشفاء من وسواس النظافة؟
وسواس النظافة هو أحد أنواع اضطراب الوسواس القهري (OCD) كما تمّت الإشارة سابقاً، وهو اضطراب يمكن أن يستمر مدى الحياة وفقاً لرأي الطبيب روبرت شمرلينغ (Robert Shmerling) من كلية الطب بجامعة هارفارد.
لكن الأفضلية في التشخيص تكون لدى الأطفال، فنسبة 40% منهم يمكنهم التعافي تماماً بحلول مرحلة البلوغ. أما معظم المصابين بالوسواس القهري يمكنهم أن يشعروا بتحسّن ملحوظ في الأعراض إذا استفادوا من العلاج، بينما 1 من كل 5 فقط يتعافون دون الحاجة إليه.
5 طرق لعلاج وسواس النظافة
ليس على المصابين باضطراب التنظيف القهري أو ذويهم أن يستمروا في المعاناة إذ توجد أكثر من طريقة علاجية متاحة لتخليصهم من عبء المرض. يقترح الخبراء من ميديسين نت (Medicine Net) خمسة أنواع من العلاجات نلخصّها في الآتي:
- العلاج المعرفي السلوكي (CBT): يُعتبر العلاج المعرفي السلوكي علاجاً فعالاً لأنّه يعزّز التواصل في مناطق الدماغ جميعها، وبخاصة تلك التي تتعامل مع القدرة على التحكم في التفكير وتوازن العواطف. يمكّن هذا العلاج المصابين من تخفيف القلق والتوتر؛ إذ يساعدهم المعالج النفسي على تحديد أنماط التفكير السلبية التي تشوّه نظرتهم للواقع ليتمكنوا بعد ذلك من إعادة صياغة أفكارهم بإيجابية.
- العلاج بالتعرّض ومنع الاستجابة (ERP): هو نوع مختلف من العلاجات؛ حيث يساعد المعالج النفسي الشخص المصاب على التدرب لمواجهة المواقف الصعبة تدريجياً، سواء تلك التي يتصوّرها في ذهنه أو في الواقع من خلال التعرّف إلى المحفزات الخارجية والداخلية التي تسبب التوتّر والحاجة إلى التصرّف بشكل قهري.
- التحفيز العميق للدماغ (DBS): إجراء يقوم به الطبيب بهدف المساعدة على تغيير الأفكار والسلوكيات القهرية لدى المريض عن طريق زرع أقطاب كهربائية في مناطق مستهدَفة من الدماغ، ويلجأ المختصون إلى هذا الإجراء في حال لم تنجح طرق العلاج المعتادة.
- التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة (TMS): تقنية تستخدم مجالاً مغناطيسياً لتحفيز الجزء من الدماغ المنظِّم لأعراض الوسواس القهري من خلال جهاز يتم وضعه على الرأس.
- الأدوية: بالرغم من استغراق العلاج الدوائي من شهرين إلى أربعة أشهر لكي يظهر مفعوله؛ تساعد أدوية مثل مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs) العديد من الأشخاص في السيطرة على وساوسهم وسلوكياتهم القهرية.
يسيطر وسواس النظافة على حياة الكثير من الأشخاص، ويؤدّي بهم الانشغال المفرط بالتنظيف والتنظيم إلى حلقة من المعاناة المتمثّلة في القلق الدائم والخوف من عدم القدرة على الحفاظ على بيئتهم خالية من الأوساخ فيستمرّون في التنظيف والتنظيم كوسيلة لتخفيف توترهم وقلقهم.
ويمكن أن يتحوّل اضطراب التنظيف القهري إلى عائق يتعارض مع الحياة اليومية، لذلك يوصي الأطباء بطلب الاستشارة لأن الخيارات العلاجية متوفّرة لتخفيف أعراض المرض.