ملخص: يتسم البعض بطبيعته المتحفظة، فهل يمثل ذلك مشكلة تتطلب حلاً؟ قد يبدو التحفظ وعدم الرغبة في الظهور من السلوكيات المستهجَنة في أيامنا هذه؛ لكن مختصة التحليل النفسي فيرجيني ميغلي تقول: "إنها آلية بشرية طبيعية تماماً ولا تشير إلى أي مرض نفسي"، فما الذي يجعل البعض متحفظاً أكثر من اللازم؟
محتويات المقال
يتسم البعض بطبيعته المتحفظة، فهل يمثل ذلك مشكلة تتطلب حلاً؟ قد يبدو التحفظ وعدم الرغبة في الظهور من السلوكيات المستهجَنة في أيامنا هذه؛ لكن مختصة التحليل النفسي فيرجيني ميغلي (Virginie Megglé) تقول: "إنها آلية بشرية طبيعية تماماً ولا تشير إلى أي مرض نفسي"، ومن خلال السطور التالية نوضح لكم 3 أسباب تقف وراء التحفظ الزائد في التعامل مع الآخرين.
تقول سوزان ذات الـ 33 عاماً وهي مصممة رسوميات (غرافيك): "أنا لا أحاول الظهور، فملابسي تقليدية وأتحدث بتحفظ كما أنني أحترم التقاليد والمواعيد والقوانين وقواعد الأدب، وفي الحقيقة أشعر أحياناً أنني إنسانة قديمة الطراز". تقول مختصة علم النفس أميليا لوبي (Amélia Lobbé): "يحثّنا المجتمع على التميز عن الآخرين والتفاخر والتفرد ويفرض علينا أن نعرف كيف نسوق أنفسنا، وعلى وجه الخصوص، تعزز شبكات التواصل الاجتماعي أو اتجاهات الموضة أو حتى متطلبات سوق العمل الصعبة، قيم إثبات الذات والتعبير عنها".
أنا متحفظ بطبيعتي
من جهة أخرى، لا يتسم الأشخاص جميعهم بالانفتاح، وتقول أميليا لوبي: "بعض الأشخاص متحفظ وخجول بطبيعته، وقد يكون ذلك من سماته الشخصية أو رغبةً منه في الالتزام بقيم معينة نقلها والداه إليه؛ مثل مبادئ التربية الحسَنة ومنها التحفظ في المظهر والسلوك". وتضيف فيرجيني ميغلي: "قد يتسم الإنسان بالتحفظ بطبيعته أو رغبةً منه في احترام التقاليد؛ ولكن تقبُّل الفجوة التي يخلقها ذلك بينه وبين أقرانه لن يكون سهلاً مطلقاً عليه؛ إذ لدى كل فرد حاجة ملحّة في الانتماء إلى الآخرين ورغبة قوية في أن يكون مثلهم، فهذا التشابه اليوم هو مرادف للتميز".
أريد إخفاء ضعفي
إضافة إلى ذلك، لا يتمتع الجميع بتقدير كافٍ للذات، وتقول أميليا لوبي: "حينما يعاني المرء نقصاً في تقدير الذات، فإن ذلك يغير نظرته إلى نفسه والآخرين"، فشعوره بأنه غير قادر على مجاراة الآخرين، يولد لديه خوفاً من نظرتهم إليه، ومن التعرض إلى الرفض والسخرية والنبذ، ولذلك فإنه يفضل ألا يخاطر بالظهور أمامهم ولا سيما حينما يؤمن بأن لديه عيوباً جسيمة. وتقول مختصة الطب النفسي: "تقف عقدة النقص النفسي أو الجسدي، أو التربية التي تلقّاها الفرد غالباً وراء سلوكه المتحفظ"، وتضيف فيرجيني ميغلي: "على الرغم من أن الضعف هو من مكونات النفس البشرية فإننا لا نتقبل دائماً إظهاره أمام الآخرين".
التقدير لا يُشعرني بالأمان
لم يحظَ كل إنسان بالتقدير الكافي ممن حوله، وتؤكد أميليا لوبي إن التعرض للرفض الاجتماعي يمثل تجربة صعبة يمكن أن تؤدي إلى التحفظ والانطواء على الذات؛ ولكن السلوك المتحفظ يرجع غالباً إلى نقص التقدير في مرحلة الطفولة. وتقول فيرجيني ميغلي: "قد يبالغ الوالدان في توقعاتهما من الطفل، فيمنحانه التقدير لسمات قد لا تكون موجودة لديه، ويغفلان تقديره لسماته التي يتمتع بها فعلاً، ولذلك يشعر في الكبر بأن أي إشادة يتلقاها ليست حقيقية، ومن ثَمّ فإن عدم الظهور يُطمئنه أكثر بكثير من التفرد والتميز عمن حوله".
كيف تخفّف من تحفظك الزائد؟
1. أمضِ وقتك مع شخص تستمتع برفقته
لا تجبر نفسك على الظهور التزاماً بما يفرضه المجتمع، وتقول فيرجيني ميغلي: "حاول أن تستمتع برفقة شخص تشعر بالراحة معه لتتجنب المشاعر السلبية واجترار الأفكار، وتتصرف بانفتاح". لنقل مثلاً إنك تحب ممارسة نشاط ما، يمكنك أن تفعل ذلك رفقة أحد المقربين المحبين. صحيح أننا بحاجة إلى التقدير؛ لكننا لسنا بحاجة إلى تقدير الجميع.
2. خُض تحديات صغيرة
يمكنك تعلُّم تأكيد الذات من خلال خوض تحديات صغيرة حقيقية. على سبيل المثال؛ إرجاع سلعة اشتريتها إلى المتجر وطلب استرداد الأموال، وفي مثل هذه الحالة لن تشعر أنك تخاطر كثيراً لأن العواقب لن تكون كبيرة، والقاعدة الأهم في أي عملية تغيير تود إجراءها هي أن تجريها ببطء ولكن بثبات، وتقول مختصة علم النفس: "مثال ذلك أنك إذا كنت تريد تغيير مظهرك، فابدأ بالإكسسوارات".
3. مارِس رياضة ما
حينما يلاحظك الآخرون وأنت لا ترغب في ذلك، ستنشأ لديك مشاعر وعواطف سلبية تعزز خوفك من الظهور ومن ثَمّ خجلك وتحفظك، لذلك فإن ما عليك فعله هو العمل على استبدال هذه المشاعر السلبية بأخرى إيجابية، وتقول أميليا لوبي: "يمكن لممارسة الرياضة، ولا سيما الرياضات الجماعية، أن تقوي ثقتك بنفسك، فالتمتع بالعافية الجسدية والحالة الذهنية الإيجابية ذو تأثيرات مثمرة في حياتك".
كيف تغلَّب سامر على تحفظه الزائد؟
يقول سامر ذو الـ 41 عاماً وهو محاسب: "لطالما شعرتُ بأنني لا أثير انتباه الآخرين ولا سيما في العمل، وقد كان ذلك مؤلماً بالنسبة إليّ، ولم يكن بمقدوري تأكيد ذاتي وتخطي هذه المشاعر لأن محاولة الظهور تثير انزعاجي، ومن جهة أخرى، فقد كان الناس يظنونني متكبراً لا شك؛ إذ لم لم أكن أتكلم مع أي أحد. حينما استشرتُ معالجاً نفسياً فهمت حالتي أكثر، فقد كنتُ واحداً من 5 أولاد ولم أحظَ باهتمام كافٍ في صغري، وحينما كبرتُ تيقنتُ من أنني لا أستحق اهتمام الآخرين، أما الآن فقد تعلمت كيف أنفتح على من حولي وآخذ منهم وأعطيهم، فأمنحهم الاهتمام والوقت والثقة وأتحمل مسؤولياتي تجاههم وأتقبل منهم العون والنقد أيضاً".