لماذا تؤثر البطالة في نفسية النساء على نحو مختلف مقارنة بالرجال؟

4 دقائق
البطالة

تُظهِر العلاقة بين الصحة النفسية و"البطالة" (Unemployment)، أن الصحة النفسية والعقلية الجيّدة لها تأثير رئيس على رحلة الإنسان في العثور على وظيفة وقدرته في الحصول عليها وحتى الاستمرارية في تلك الوظيفة، والعكس أيضاً صحيح.

بالتالي، وبناءً على ما سبق، أظهرت البيانات أن الأمهات -والنساء عموماً- كنّ أكثر عرضة لتسجيل حالات تدهور الصحة النفسية والعقلية نتيجة فقد وظائفهم في مطلع العام 2021، حسب تقرير مطوّل من مؤسسة الصحة البريطانية (The Health Foundation).

وبالمثل، يضيف التقرير السابق أن "البطالة تُسبِّب التوتر؛ والذي له في نهاية المطاف آثار صحية فيزيولوجية طويلة المدى؛ بما في ذلك الاكتئاب والقلق وتدني احترام الذات".

وبلا شك، فالأمر نفسه قد ينطبق على النساء عربياً وعالمياً نتيجة فقد الوظيفة المفاجئ أو حتى البطالة المنتشرة بينهنّ.

لذا؛ دعونا نتعرف أكثر على ماهية البطالة، ونسب العاطلات عن العمل في الدول العربية، وأثر البطالة في الصحة النفسية، وأكثر!

ما هي البطالة؟

تُقاس البطالة من خلال جمع بيانات الأشخاص العاطلين عن العمل، لذا يتفق أعضاء منظمة الأمم المتحدة (United Nations) على تعريف واضح يفرّق بين الأناس العاطلين عن العمل، والآخرين العازفين عن العمل لأي سبب كان، لمعرفة نسبة البطالة الحقيقية في أي مجتمع.

فحسب تقرير الأمم المتحدة الذي يحتوي على البيانات الوصفية لمؤشر أهداف التنمية المستدامة المنشور عام 2021؛ يُعرَّف الأشخاص العاطلون عن العمل بأنهم: "جميع من هم في سن العمل ممن هم فوق 15 عاماً، والذين لم يكونوا يعملون، وقاموا بأنشطة للبحث عن عمل خلال فترة حديثة محددة، وهم متاحون حالياً للعمل في أي وقت تظهر لهم فرصة عمل".

الفروق بين معدلات مشاركة الذكور والإناث في القوى العاملة

يشير مفهوم "القوى العاملة" (Workforce) إلى مجموع الأشخاص ممن هم في سن العمل -عادةً 15 عاماً وأكثر- ويعملون أو عاطلين عن العمل، في حين يُعبَّر عن "معدل المشاركة" (Participation Rate) بنسبة مئوية تمثّل إما الذكور أو الإناث المشاركين في القوى العاملة.

بالإضافة إلى ما سبق؛ تُمثِّل الفجوة بين الجنسين في معدلات المشاركة في القوى العاملة (Gender Gap)، مقدار الاختلاف بين مشاركات الذكور والإناث في القوى العاملة.

على سبيل المثال؛ بحسب "منظمة العمل الدولية" (International Labour Organization)، فإن المعدل العالمي الحالي لمشاركة النساء في القوى العاملة أقل بقليل من 47%، وذلك بفارق نحو 25% عن الرجال. مع التنويه على وجود فجوة عالمية بين الجنسين في معدلات المشاركة في القوى العاملة في بعض المناطق تزيد عن 50%!

وكمثال من الدول العربية، فالفجوة بين الجنسين في معدلات المشاركة في القوى العاملة في مصر، تبلغ نحو 51.7% وفي السعودية نحو 49.2% وفي العراق نحو 60.7% وفي المغرب نحو 44% وفي الجزائر نحو 48.8%.

وفي الحقيقة؛ بالنظر إلى الأرقام جميعها، فإن متوسط الفجوة بين الجنسين في معدلات المشاركة في القوى العاملة في الدول العربية هو من الأعلى في العالم؛ حيث سجلت معظم الدول أكثر من 30 إلى ما يزيد عن 60%.

مشاركة الإناث في القوى العاملة في الدول العربية

عموماً؛ تشير أرقام البنك الدولي (The World Bank) إلى أن معدل مشاركة الإناث في الدول العربية بلغ نحو 20.6%، وهي نسبة منخفضة نسبياً عند مقارنتها بالمعدل العالمي الذي بلغ نحو 39.2%، حسب تقديرات عام 2020.

وعلى سبيل المثال؛ تحتل اليمن المركز الأخير من حيث معدل مشاركة الإناث على مستوى الدول العربية والعالم أجمع، بنسبة بلغت نحو 8.3%، أما أعلى نسبة بين الدول العربية فهي في جزر القمر، وبلغت نحو 36.9%.

وفي نفس السياق؛ سجلت معظم الدول العربية -على رأسها دول الخليج ومصر- مراكز متراجعة مقارنة ببقية دول العالم، خصوصاً تلك الأقل دخلاً منها.

كيف تؤثر البطالة في الصحة النفسية؟

في الحقيقة؛ حسب تعبير تقرير مؤسسة الصحة السابق، فالعلاقة بين البطالة والصحة النفسية والعقلية ثنائية الاتجاه؛ أي أن كُل منهما يؤثر في الآخر بشكل مباشر!

وهذه الخلاصة تتماشى مع نتائج دراسة نُشِرَت بداية القرن الحالي في المجلة الأميركية للصحة العامة (APHA)؛ حيث وجد العلماء، بين كل من الرجال والنساء، أن الأشخاص الموظفين أقل عرضةً لظهور حالات نفسية سيئة.

وبحسب الجمعية الأميركية لعلم النفس (APA)، فحينما تؤثر البطالة على الإنسان، يصبح متشائماً ويعاني من ضيق فعلي؛ بحيث يصبح -في نهاية المطاف- أقل هدوءاً وتفاؤلاً في حين تبدو عليه علامات الانفصال عن من محيطه.

وبالتالي، فمن المتوقع أن يعاني الأشخاص العاطلون عن العمل من تاُثير سلبي على صحتهم النفسية والعقلية، بسبب المستويات المرتفعة من القلق والإحباط وخيبة الأمل والعزلة والاكتئاب.

علاوةً على ذلك، فمن المرجح أن تكون هذه المشاعر أكثر وضوحاً بين أولئك الذين يتحملون مسؤوليات مالية أكبر من أقرانهم.

بالمجمل؛ تتفق دراسات عديدة مع أثر البطالة على الصحة النفسية للنساء بشكل خاص، بسبب النتائج المباشرة وغير المباشرة التي تسببها لهن الاضطرابات النفسية، بالإضافة إلى التحديات المالية، وصعوبة العناية بعوائلهن، وتدهور مستوى الرضا عن الذات، وتدهور علاقاتهن الاجتماعية.

كيف يجب علينا التعامل مع البطالة؟

بحسب "منظمة العمل الدولية" (ILO)؛ يمكن التغلب على البطالة والفجوة العالمية بين الجنسين في معدلات المشاركة في القوى العاملة من خلال:

  • حماية النساء من النكسات الاقتصادية: حيث تتسم الحوادث التاريخية الاقتصادية السلبية بسطوتها وقدرتها على الإضرار بالنساء بشكل ملحوظ دون غيرهن. وحسب تقرير ماڤين كلينيك المنشور عام 2021 مثلاً، فمن بين الأشخاص الذين خرجوا من سوق العمل الأميركي شهر سبتمبر/أيلول 2020؛ شكلت النساء نحو 80%.
  • تعزيز فكرة التوازن بين الحياة العملية والحياة العائلية: بحيث يتم تمكين الرجال والنساء من خلال إجازات كافية مدفوعة الأجر، مع تعزيز الوعي حول الأدوار المنزلية الجندرية التي تعيق النساء من المشاركة الفاعلة في سوق العمل.
  • إنهاء كل أشكال التمييز: حيث يجب على الحكومات العمل على تطوير أنظمة تمنع التمييز الجندري أو المضايقات في بيئات العمل، إلى جانب تعزيز الوعي المجتمعي من خلال حملات مقننة.
  • إتاحة الفرص في كل المجالات: بحيث تؤهل النساء للعمل في المهن التي تتطلب قدراً عالياً من التأهيل والمهارات، بدلاً عن المهن المتوسطة أو قليلة القيمة المالية.
  • تحقيق الدفع المتساوي: حيث يعزَّز ذلك من خلال سن الأنظمة والقوانين التي تدعم تحديد الحد الأدنى للأجور المقدَّمة للنساء.

في الختام؛ يجب أن نُدرِك أن البطالة بين الأمهات أو النساء بشكل عام في أغلب الأحيان ليست خياراً، وإنما نتيجة مباشرة أو غير مباشرة لاتساع الفجوة العالمية بين الجنسين في معدلات المشاركة في القوى العاملة، وما تحمله في ثناياها من حواجز تنظيمية ومؤسسية ومجتمعية وحتى اقتصادية.

المحتوى محمي