البخور: الأصول والفوائد

3 دقائق
البخور

لا يذكّر البخور بعضَ الناس إلا برائحة نبتة البتشول القوية، متناسين أن إيقاده طقس عالمي وعريق. واليوم يعيد الغرب اكتشاف فوائده وأصنافه العديدة التي تمدّ الإنسان بالطاقة والسَّكينة.

وهي جالسة أمام إناء فيه قليل من الرمل رسمت عليه موجة، ووضعت فيه بضع حصوات وعوداً، تصرّح منى؛ مصممة المجوهرات البالغة من العمر 45 عاماً قائلة: "إن مشاهدة الدخان تريحني. في الصباح أستعمل البخور الهندي قوي الرائحة بغرض التركيز، وفي المساء أستعمل البخور التِّبتي الذي له فوائد شبه علاجية. أترك عوده متّقداً في غرفة النوم قبل أن أدخل إليها، فرائحته تهدئني".

دخان يشفي

منذ آلاف السنين؛ قام الناس في جميع قارات العالم بعمليات التبخير لتكريم آلهتهم، وزيادة مستوى وعيهم، وعلاج أمراضهم. لقد اكتشف كل الزعماء الدينيين -سواء كهنة آسيا وأمريكا، أو سحرة إفريقيا أو قساوسة مصر- أن دخان بعض الأعواد والنباتات يمكن أن يجلب الصفاء والسكينة؛ التي تمثل أساس الراحة النفسية. واشتُقت كلمة " Santé" (صحة) من كلمة "شانتي" الهندية التي تعني السلام الداخلي.

ويشير مصطلح "encens" (البخور)؛ المشتق من اللفظ اللاتيني "incendere" (إشعال)، إلى الصمغ والأعواد والنباتات التي تنبعث منها روائح عطرة عند إيقادها. لكن البخور الحقيقي -أو الّلبان- يتطابق مع راتنج أشجار من فصيلة الّلبان؛ والتي لا تنمو إلا في مناطقَ محدودة من السودان وإثيوبيا واليمن والصومال.

عندما يتم إيقاد أعواد البخور، تنشط الجزيئات المعطّرة الموجودة أسفل الشعلة مباشرةً، بفعل الحرارة، وتنتشر دون احتراق. وتصل هذه الجزيئات بسرعة إلى تجاويف الأنف، وتطلق إشارةً ينقلها العصب الشّمي مباشرةً إلى الدماغ الحوفي؛ حيث مركز العواطف؛ "وهذا ما يفسر تأثيرها على مشاعرنا وحالاتنا المزاجية" كما تؤكد سوزان فيشر ريزي؛ أخصائية العلاج بالعطور، في دليل البخور الذي أصدرته. لكنّ جزيئات رائحة البخور تؤثر أيضاً على نظامنا العصبي المستقل، وعلى تنظيم هرموناتنا. وبعض أنواع البخور لها مفعول مضاد للبكتيريا؛ حيث تنتقل إلى الدم عبر الرئتين. وفي مصر القديمة، كان الّلبان يُستخدم لعلاج أمراض الرئة والكبد.

وفي شوارع الهند، حتى المتسولون يمتلكون أعواد البخور الخاصة بهم من أجل أداء شعائرهم الدينية. وفي اليابان، "ينصت" الناس للبخور بروائحه المختلفة حسب الفصول. وعندنا في فرنسا، يبدو كأننا نستشعر فوائد البخور دون وعي، ويبدع كل واحد طقوسَه، ويعيد الارتباط بالتقاليد القديمة بطريقته الخاصة. تقول باسكال؛ الصحفية ذات الاثنين وأربعين عاماً: "أحمل معي أعواد البخور دائماً عندما أسافر، وأوقدها حتى في الفندق لإعادة بناء فضائي الخاص". وزيادةً على بُعده الديني أو العلاجي؛ يظل البخور مصدر تناغم يمكن أن نحمله معنا.

البخور الصحي هو الطبيعي 

حذّرت المجلة الشهرية الفرنسية "كُو شوازيغ" (Que choisir) باستمرار من البخور "التقليدي" المزعوم، فقد وُجدت للأسف الكثير من أعواد الخيزران الرخيصة المغموسة في المُذيبات والعطور الاصطناعية، وهي أعواد لا يُنصح بإشعالها وليس لها من البخور إلا الاسم.

ولهذا يتعين اختيار بخور طبيعي، تكون أعواده وراتنجه طبيعيين، بينما تبدو زهوره اصطناعيةً إلى حد كبير، وتظهر على كيس البخور عبارة "طبيعي 100%".

وهناك أيضاً البخور الياباني المعروف بـ"التابو"؛ وهو مسحوق الأعواد اللزج الذي ينبعث منه دخان أقل بكثير من الأعواد الهندية المثبتة على أعواد الخيزران.

أما بخور الهند؛ التي يقضي أهلها وقتاً كثيراً في الهواء الطلق حيث يُوقد في الشوارع، فغالباً ما يحتوي على مبيدات حشرية، ولهذا إذا أردتم استخدامه داخل البيت، فينبغي اتخاذ إجراءَين احترازيين: التهوية أثناء التبخير، وتجنّب أعواد البخور التي لا تعرفون مدى جودتها.

أي بخور لأي غرض؟

  • لتطهير البيت؛ يُفضل استعمال بخور الّلبان والمرة والجاوي والمريمية.
  • للاسترخاء؛ يمكن استعمال بخور الجاوي والصندل والاصطرك والقرفة.
  • للنوم جيداً؛ يجب استعمال بخور الصندل والقرفة والعود.
  • للتّأمل؛ يمكن استخدام بخور الّلبان والمصطكى والأرز والصندل والآس والعود.

تشكيلة منتقاة

طلبنا من مصممة العطور فيكتوار غوبان دودي؛ المشهورة بتركيب عطور طبيعية جدّاً، أن تنتقي تشكيلةً من البخور بناء على جودة المواد الأولية، فاختارت هذه الأنواع:

  • بخور المبتدئين: العود

يُستعمل خاصة بعد الساعة الخامسة مساءً. والعود بخور مثير للعواطف وروحاني، وهو بمثابة بخور المبتدئين، فهو مزيج من العبق الجلدي والمتبّل؛ الذي يجلب الفرح والهدوء، ويستحق ثمنه.

  • البخور المطهّر: مريمية أمريكا الشمالية

أشعل بعضاً من أوراقه ذات الرائحة الطّبية القوية، وقم بتهوية المكان بعد ثلاث ساعات.

  • بخور الصباح: الصندل الهندي

بخور هندي علاجي منشط، أساسه عود الصندل والزهور، وهو مثالي لبدء يومك.

  • بخور الهواء النقي: الخيوط النيبالية

تكون في شكل أعشاب أو عرعر ملفوف في ورق الأرز. ذات رائحة خفيفة ومريحة ونَديّة "صندلية"، مع نسمة كمون. أشعل خيطاً منها وضعه على كوب.

  • بخور التأمل: لبان الصومال

هذا الراتنج -مثل اصطرك تركيا أو كافور الصين أو جاوي لاوس- يعزز السكينة والتأمّل والتركيز والتطهير. أوقدْ حبيبات الفحم في مبخرة ثم ضع البخور على الجمر.

  • بخور مضاد للاكتئاب: الصندل الياباني

صندل رفيع وأنيق ومتناسق بحواشٍ عنبرية ووحشية قليلاً.

 

المحتوى محمي