ما الذي قد يجذب البعض إلى رائحة البنزين؟ وكيف يواجه هذه الحالة؟

5 دقيقة
المستنشقات
(مصدر الصورة: نفسيتي، تصميم: إيناس غانم)
استمع الى المقالة الآن هذه الخدمة تجريبية
Play Audio Pause Audio

ملخص: هل تحب شراء العطور أكثر من المعتاد؟ أو تستمتع باستنشاق روائح قوية مثل رائحة البنزين؟ هل من الممكن أن تكون مدمناً؟ دعنا نلقي نظرة على ظاهرتي إدمان العطور وتعاطي المستنشقات، وكيف يمكن أن يؤثر ذلك في علاقاتك وأموالك وصحتك.

استُخدمت العطور منذ أن عرف الإنسان طرائق صنعها لتحسين الحالة المزاجية، وإثارة الذكريات الجميلة، ولها فوائد علاجية أيضاً. لكن قد يطوّر بعض الأشخاص ارتباطات قوية بروائح أو عطور معينة؛ ما يعزز الرغبة القهرية في شمها أو استخدامها أو الحصول عليها.

ومن الناحية النفسية، قد يكمن السبب وراء إدمان العطور في إطلاق الناقلات العصبية؛ مثل الدوبامين والسيروتونين المسببين لشعوري السعادة والنشوة، في الدماغ؛ ما يثير أحاسيس ممتعة مرتبطة بروائح معينة. قد يترتّب عنه التعود على هذا السلوك لخلق تجربة الاستمتاع نفسها.

بينما نجد أن هذا الارتباط غير الصحي بالروائح قد يظهر في الاستمتاع باستنشاق روائح نفاذة مثل روائح البنزين وطلاء الأظافر؛ وهو ما يُعرف بـ “تعاطي المستنشقات”. وفي كلتا الحالتين، يمكن أن يتحول الهوس بالعطور أو الاستمتاع بشم المستنشقات إلى إدمان سلوكي يستدعي العلاج.

هل يمكن أن ندمن روائحَ وعطوراً معينة؟

تحتوي العطور مواد كيميائية ذات خصائصَ شبيهة بالمواد المخدرة؛ ما يؤدي إلى الانقياد الذي يترتب عنه الاستخدام المتكرّر لتجنب الانزعاج والتهيج الناتج من أعراض الانسحاب من التوقف عن استخدامها (Withdrawal Discomfort).

وقد حددت دراسة أجرتها وكالة حماية البيئة الأميركية (United States Environmental Protection Agency) في عام 1991، البنزألدهايد (Benzaldehyde)، وخلات الإيثيل (Ethyl Acetate)، واللينالول (Linalool)، بوصفها مواد كيميائية موجودة في العديد من المنتجات اليومية مثل العطور، والكولونيا، ومثبتات الشعر، ومنتجات التنظيف والغسيل، ومنتجات النظافة الشخصية مثل مزيل العرق، والصابون والشامبو؛ حيث تسهم هذه التفاعلات المعقدة لمئات المواد الكيميائية الموجودة التي لا يُكشف عنها غالباً لأسباب تجارية، على نحوٍ كبير في الطبيعة الإدمانية لتلك المواد.

وعلى الرغم من كونها اصطناعية في الغالب، فيمكن للعطور والروائح أن تعزّز مشاعر الراحة والاسترخاء والسعادة والثقة؛ الأمر الذي يزيد الاعتمادية المشابهة للإدمان عليها.

ويمكن أن يرتبط هذا النوع من الإدمان بإدمان الشراء أو التسوق؛ إذ يوفر ذلك إحساس النشوة السريع عبر إطلاق هرموني الدوبامين والإندورفين في الدماغ اللذين يحفّزان شعور السعادة.

اقرأ أيضاً: لكل مرحلة من العمر عطرها: تعلّم لغة العطور

ما إدمان العطور؟ وما أهم علاماته؟

يصف إدمان العطور (Fragrance addiction)، الذي يُطلق عليه أيضاً “الإدمان الشمّي” (Olfactory addiction)، الحالة التي يتطور فيها لدى الأفراد اعتماد جسدي ونفسي على روائح أو عطور معينة. وعلى الرغم من عدم الاعتراف به رسمياً بوصفها حالة طبية أو نفسية، فإن المصطلح يُستخدم على نحوٍ شائع لوصف تجربة الإدمان على رائحة معينة.

تمتلك العطور سماتٍ إدمانية جسدية وعاطفية؛ حيث يؤدي المسار الشمّي دوراً رئيساً في الإدمان العاطفي (Emotional Addiction). ويوضح الجراح الأميركي، تيم جيكوب (Tim Jacob)، إن الأعصاب الشمية تتصل بالجهاز الحوفي؛ وهو منطقة دماغية بدائية مسؤولة عن العواطف والتحفيز وارتباطات الذاكرة؛ إذ تثير العطور والروائح استجابات عاطفية فورية، ويمكن أن تثير ذكرياتٍ مرتبطة بتجارب سابقة قبل أن تدرك المناطق العليا في الدماغ أن هناك رائحة.

ويمتد هذا التأثير العاطفي إلى كلٍّ من مستخدمي العطر والأشخاص الذين يتعرضون إلى العطور المستعملة من قبل الآخرين. وفيما يلي بعض العلامات الشائعة لإدمان العطور وشرائها؛ التي توازي علامات الإصابة بإدمان التسوق:

  • اختبار النشوة خلال كل عملية شراء للعطور.
  • إعطاء الأولوية لشراء العطور على حساب العلاقات الشخصية المهمة؛ ما يؤدي إلى تدهورها.
  • تراكم الديون، مع إهمال جوانب الحياة الأساسية بسبب هوس شراء العطور.

ما الأسباب المحتملة للإصابة بإدمان العطور؟

ينبع إدمان العطور من السلوكيات التي تشكّل العادات؛ ما يعزز الشعور بالراحة والألفة لدى المدمن، فالتعرض المتكرر إلى رائحة معينة يمكن أن ينشئ ارتباطاً نفسياً بين الرائحة والتجارب الإيجابية، فيغذّي الرغبة القهرية في شمّها أو استخدامها أو شرائها. كما يمكن أن يكون الإدمان مرتبطاً بالجهاز الشمّي؛ حيث يُنشط الجهاز الحوفي في الدماغ المسؤول عن إطلاق الناقلات العصبية؛ ما يؤدي إلى الاعتماد الجسدي على العطر.

هذا بالإضافة إلى عامل الارتباطات العاطفية، فالعطور والروائح يمكن أن تثير استجابات عاطفية قوية؛ ما يؤدي إلى إدمانها بسبب شعور الارتياح أو الحنين الذي يشعر به المدمن. كما قد تزيد حملات التسويق التجارية التي تروج للتفرّد أو الرفاهية، رغبة الأفراد في البحث عن عطور معينة واستخدامها.

كأي إدمانٍ آخر؛ يسبب الهوس بالعطور مشكلات شخصية عديدة

يمنع الإدمان بصفةٍ عامة التفاعل الإنساني الحقيقي، ويعزّز السلوكيات الاعتمادية لتجنب الانزعاج العاطفي؛ حيث يعطي الأفراد المصابين بالإدمان الأولوية لعلاقتهم بالمادة المسببة للإدمان على حساب علاقاتهم الاجتماعية والشخصية؛ ما يؤدي إلى سيطرة الإدمان على حيواتهم. لذلك؛ قد يجد مدمنو العطور أنفسهم مُستهلكين بشراء العطور على حساب وقتهم وأموالهم وتفاعلاتهم الاجتماعية.

ويؤدي هذا الهوس غالباً إلى صعوبات مالية، وإهمال جوانب الحياة الأخرى. كما يمكن أن يدفع الإدمان الأفراد إلى البحث عن سلوكيات إدمانية إضافية للحفاظ على حالة الخدر العاطفي (Emotional numbness) عندما لا يكون الإدمان الأول كافياً لتخميد مشاعر الضيق والانزعاج العاطفي.

ماذا عن إدمان الروائح النفاذة مثل روائح الطلاء والبنزين؟

يحب العديد من الأشخاص شمّ بعض الروائح النفاذة مثل روائح الطلاء والبنزين والأسيتون الموجود في بعض الدهانات، وطلاء الأظافر، وقد يشعرون بالسعادة والنشوة عند شمها بسبب احتوائها مركبات هيدروكربونية تعطيها تلك الرائحة الجاذبة التي قد تسبّب الإدمان عند البعض.

لكن قد يرتبط التعرض للبنزين بتطوّر بعض أنواع سرطانات الدم، فهو يحتوي أكثر من 150 مركبٍ كيميائي؛ بما فيها البنزين الذي ينبعث منه رائحة حلوة يجدها بعض الأشخاص ممتعة.

ويوضح الطبيب النفسي الأميركي، آلان هيرش (Alan Hirsch)، إنه ليس من الضروري أن يكون مدمناً كلُّ من يستمتع برائحة البنزين؛ إذ بالنسبة إلى بعض الناس، قد يرتبط ذلك ببساطة بإثارة ذكريات سعيدة عن طفولتهم، تتعلّق بالوقت الذي قضوه مع أحبائهم في السيارة، أو عندما تعلموا تعبئة البنزين لأول مرة. لكن على الرغم من ذلك، يمكن أن يؤدي الاستنشاق المتعمد للبنزين إلى الإدمان وحتى السمية والإصابة بالإعاقة.

أما مختص الإرشاد النفسي، عبد الله سافر الغامدي، فيوضح إنه على الرغم من رائحته القوية، فبعض الأشخاص يستمتعون بشم البنزين لأنه يثير لديهم مشاعر الدفء والحنين إلى الماضي، هذا إضافة إلى أنه قد يحفّز لديهم شعوراً مؤقتاً بالسعادة نظراً إلى تأثيره المخدر للجهاز العصبي.

كما قد يزيد استنشاق رائحة الطلاء خطر التشوهات الخلقية خلال الحمل، ويمكن أن يؤثّر في الصحة العامة، فيتسبّب في تهيج العين والرئة، والصداع والدوار لكون المذيبات العضوية في الطلاء تؤثر في الجهاز العصبي المركزي.

وقد تسبب الروائح القوية مثل روائح أبخرة الطلاء أضراراً للأطفال الصغار والأشخاص الذين يعانون مشكلاتٍ في التنفس. إن استنشاق هذه الروائح النفاذة يمكن أن يسبب ضعفاً في الذاكرة والوظائف الإدراكية للدماغ، وتغييراتٍ على مستوى الشخصية.

كيف تتفادى إدمان العطور؟ وكيف يُعالَج تعاطي المستنشقات؟

إذا كنت تعتقد أنك تميل إلى شراء زجاجات العطور أكثر من المعتاد، وترغب باستمرار في تجربة الإصدارات الجديدة في العطور، فقد تطوّر إدماناً سلوكياً بمرور الوقت، ولا سيّما إذا كنت من محبي التسوق لتخفيف مشاعر الكآبة والانزعاج العاطفي بصفة عامةٍ.

ينبغي أن تفكّر في كل ما يثير رغبتك في شراء المزيد؛ إذ يعد اتخاذ هذه الخطوة الأولية أمراً بالغ الأهمية في معالجة هذا السلوك الإدماني، وتتضمن الخطوة التالية التخلص من العطور التي لا تستخدمها كثيراً.

قد يُفيدك أيضاً العمل على عدم الاستسلام لإغراءات الدعاية والتأثيرات عبر الإنترنت التي تروّج لأسلوب حياةٍ غير واقعي، وتدفعك نحو السعي إلى امتلاك كل إصدار جديد أو العثور على تلك الرائحة المميزة؛ لأنها قد تؤدي إلى تفاقم ميول إدمان التسوق لديك.

أما بالنسبة إلى الأشخاص الذين يعانون تعاطي المستنشقات مثل البنزين، فلا تختلف طرائق علاجها عن تلك المستخدمة لعلاج السلوك الإدماني؛ مثل العلاج المعرفي السلوكي (Cognitive behavior therapy) الذي يتضمن تعليم الأشخاص المُتعاطين كيفية التعامل مع المواقف العصيبة والرغبة الشديدة، ومقاومة الدعوة لاستخدام المستنشقات من قبل مُتعاطين آخرين.

اقرأ أيضاً: العطور والروائح: كيمياء تقودها المشاعر

وختاماً، تتطلب معالجة إدمان العطور وتعاطي المستنشقات التعرف إلى المحفزات؛ مثل الارتباطات العاطفية والسلوكيات التي تشكل العادة والتي تدفع الأفراد للبحث عن هذه المواد واستخدامها. ومن خلال فهم العوامل النفسية المعنية، يمكن اتخاذ خطوات لكسر دائرة الاعتماد والتخفيف من المخاطر الصحية المحتملة المرتبطة بالتعرض إلى هذه المواد فترةً طويلة.

error: المحتوى محمي !!